أسماء فاطمة الزهراء(ع)
لا يخفى أن للتسمية أهمية كبيرة، ولها في نظر أهل البيت (عليهم السلام) عناية خاصة، وهي وإن وجدت مع وجود الإنسان باعتبار المدنية الطبيعية المقتضية للتعامل مع الأشخاص والأشياء المختلفة الموجبة للتميز فيما بينها إلا أنّ تعاليم أهل البيت (عليهم السلام) أدخلت تعديلات مهمة في وضعها وإطلاقها على الأشخاص والأشياء راعت فيها الجوانب النفسانية والأخلاقية، فحثّت على تخيّر الاسم الحسن، واعتبرت ذلك من حقوق الأبناء على آبائهم.
ففي رواية عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: جاء رجل إلى النبي (صلّى الله عليه وآله)، فقال: يا رسول الله ما حقّ ابني هذا؟ قال: تحسن اسمه، وأدبه، وتضعه موضعاً حسناً (1). بل إضافة على ذلك كان أهل البيت (عليهم السلام) يغيّرون بعض الأسماء إذ ربما تترك أثراً سلبياً على نفس المسمّى.
فقد روى الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام): أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يغير الأسماء القبيحة في الرجال والبلدان (2).
وروي عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) في حديث إسلام سلمان وأن اسمه كان روزبه، وأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) اشتراه من امرأة يهودية بأربعمائة نخلة ـ إلى أن قال (عليه السلام) ـ: قال سلمان: فأعتقني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسمّاني سلمان (3).
وروى الكليني بسنده عن يعقوب السرّاج أنه قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى (عليه السلام)، وهو في المهد، فجعل يسارّه طويلاً فجلست حتى فرغ، فقمت إليه، فقال: ادن إلى مولاك فسلّم عليه، فدنوت فسلّمت عليه، فردّ عليّ بلسان فصيح ثم قال لي: اذهب فغيّر اسم ابنتك التي سمّيتها أمس، فإنّه اسم يبغضه الله، وكانت ولدت لي بنت فسمّيتها بالحميراء، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): انته إلى أمره ترشد فغيّرت اسمها (4).
ومن هنا ندرك مدى اهتمام أهل البيت (عليهم السلام) بهذا الأمر، ومدى ارتباطه الوثيق بالجانبين الفردي والاجتماعي وقد أشرنا إلى ذلك فيما تقدم.
كما ندرك أنهم (عليهم السلام) كانوا يتخيّرون لأولادهم أسماءً حسنة مراعاة لهذه الجوانب، وهي تحمل دلالات مهمة، ومعان سامية، وقد روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: ـ في حديث ـ إنّنا لنكنّي أولادنا في صغرهم مخافة النبز أن يلحق بهم (5).
وقد ذكرت الروايات الترغيب في أسماء معينة كمحمد وعلي، وحسن وحسين، وجعفر، وطالب، وعبد الله، وحمزة، وغيرها من الأسماء كأسماء الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، بل ورد استحباب تسمية الأولاد قبل أن يولدوا، بل وإن كانوا أسقاطاً فإن النبي (صلّى الله عليه وآله) قد سمّى محسناً قبل أن يولد (6). وأما أسماؤهم (عليهم السلام) فقد اختارها الله تعالى لهم وجاء في الزيارة الجامعة: (فما أحلى أسماءكم) وقد دلت عدّة روايات على ذلك.
ولما كانت السيدة المعصومة ربيبة الإمامة فقد حظيت بأحسن الأسماء، وأجمل الألقاب، وإن لأسمائها وألقابها من الدلالات والمعاني ما يشير إلى عظمتها، ذلك لأن الاسم أو اللقب لم يطلق عليها جزافاً، وإنما صدر عن المعصوم الذي يضع الأشياء في مواضعها، الأمر الذي يدل على جلالة هذه الشخصية وعظمتها في كل شأن من شؤونها.
وأما أسماؤها وألقابها فهي:
1 ـ فاطمة:
وكم لهذا الاسم من شأن وخصوصية عند الأئمة (عليهم السلام) وشيعتهم، وكم كان الأئمة (عليهم السلام) يولون هذا الاسم أهمية فائقة، لا نجدها في سائر الأسماء عندهم.
روى الكليني بسنده عن السكوني، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وأنا مغموم مكروب، فقال لي: يا سكوني ما غمّك؟ فقلت: ولدت لي ابنة، فقال: يا سكوني على الأرض ثقلها، وعلى الله رزقها، تعيش في غير أجلك، وتأكل من غير رزقك، فسرّى والله عني، فقال: ما سميتها؟ قلت: فاطمة، قال: آه، آه، آه، ثم وضع يده على جبهته، ثم قال: أما إذا سميتها فاطمة فلا تسبها، ولا تلعنها، ولا تضربها (7).
إن لهذا الاسم قدسية في نفوس أهل البيت (عليهم السلام)، ولذا ذكر بعض الباحثين أن جميع الأئمة (عليهم السلام) كانت لهم بنات بهذا الاسم، حتى أن أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي كان اسم أمه فاطمة واسم زوجته فاطمة، كان له بنت اسمها فاطمة، وأن الإمام الكاظم (عليه السلام) كانت له أربع بنات بهذا الاسم، الأمر الذي يؤكد على أن هذا الاسم ليس أمراً عادياً، فيا ترى ما هو الوجه في ذلك.
إن شيعة أهل البيت (عليهم السلام) يدركون تماماً خصوصية هذا الاهتمام وأبعاده ومغزاه، فإن المتسمّيات بفاطمة من النساء كثير، إلا أنه ما إن يطلق هذا الاسم ويتناهى إلى الأسماع حتى تتبادر الأذهان إلى فاطمة بضعة النبي (صلّى الله عليه وآله) التي كانت واسطة العقد وملتقى النورين ومنشأ السلالة النبوية الشريفة والذرية الطاهرة.
وإلى ما جرى على فاطمة (عليها السلام) ـ من الخطوب والمآسي، وما نالته فاطمة من إجماع أصحاب أبيها على هضمها، والتنكّر لمقامها، وحرمانها من حقّها ـ يمثل كل ما مرّ من أحداث مؤلمة وفجائع أصابت أبناءها وشيعتها عبر التاريخ.
وإن في تأوه الإمام الصادق (عليه السلام) ثلاث مرات ووصيته للسكوني أن لا يسب ابنته ولا يلعنها ولا يضربها حيث سماها فاطمة دلالات تقصر عنها العبارات وتتعثّر الأفكار.
إن الأمة قد انحرفت عن طريق الهداية والرشاد منذ اللحظة التي عزم فيها القوم على هضم فاطمة وظلمها وهتك حرمتها حيث داسوا على وصايا النبي (صلّى الله عليه وآله) بأقدامهم وتجاسروا على بيت النبي في هجوم شرس زعزع القواعد التي أرساها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لضمان سلامة الأمة من الضيعة والضلال.
ولو أن الأمة أنصفت وأعطت فاطمة حقها لكانت قيادة الأمة بيد أمير المؤمنين (عليه السلام) ولابيضّ وجه التاريخ.
ولسنا في مقام الحديث عن تاريخ حياة فاطمة (عليها السلام)، وإنما أردنا الإشارة إلى أن تسمية إحدى بناتها باسمها يحمل من الدلالات ما هو أكبر من مجرد إطلاق اسم على مسمّى، فإن في التسمية بهذا الاسم تذكيراً وإيحاء بما جرى في تلك الأيام التي أعقبت وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
ومن هنا ندرك اهتمام الأئمة (عليهم السلام) وشيعتهم بهذا الاسم العظيم.
وقد ذكرت الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) عدة تفاسير لمعنى فاطمة وكلّها تدلّ على عظمة الصديقة الزهراء (عليها السلام) ومقامها (8).
2 ـ المعصومة:
ويقترن هذا الاسم باسم فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام)، فيقال في الأعم الأغلب: فاطمة المعصومة، كما يقال عند ذكر أمها الكبرى: فاطمة الزهراء (عليها السلام).
وقد ورد هذا الاسم في رواية عن الرضا (عليه السلام) حيث قال: من زار المعصومة بقم كمن زارني (9).
ولهذه التسمية من الدلالة ما لا يخفى، فإنها تدل على أن السيدة فاطمة (عليها السلام) قد بلغت من الكمال والنزاهة والفضل مرتبة شامخة حيث سماها الإمام (عليه السلام) بالمعصومة، والعصمة تعني الحفظ والوقاية، والمعصوم هو الممتنع عن جميع محارم الله تعالى، وهي لا تنافي الاختيار، فتكون مرتبة من الكمال لا تهمّ النفس معها بارتكاب المعصية فضلاً عن الإتيان بها مع القدرة عليها عمداً أو سهواً أو نسياناً، ولا يكون معها إخلال بواجب من الواجبات، بل ولا مخالفة الأولى كما في بعض المعصومين (عليهم السلام)، وليست هي أمراً ظاهراً وإنما هي حالة خفية من حالات النفس، ويستدل عليها بالنص أو القرائن القطعية الدالة على ثبوتها، كما أنها أمر مشكك، أي ذات مراتب تتفاوت فيها القابليات والاستعدادات من شخص إلى آخر.
وقد اتفقت كلمة الشيعة الإمامية على عصمة الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) والملائكة وبعض الأولياء، وأن النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمة الاثني عشر والصديقة الزهراء (عليها السلام) في أرقى درجات العصمة، فإنهم بلغوا من العصمة مقاماً لا تصدر منهم معصية، ولا يتركون واجباً، ولا يبدر منهم ما كان على خلاف الأولى، وبذلك نطقت الأدلة وقامت البراهين العقلية والنقلية كما هي مبثوثة في كتب الشيعة الإمامية الكلامية (10). ويتلوهم الأمثل فالأمثل بمقتضى تفاوت المراتب والمقامات.
وعلى هذا فلا يبعد القول بأن السيدة فاطمة هي إحدى المعصومات وإن لم تبلغ درجة الصديقة الزهراء (عليها السلام)، أو أحد الأئمة (عليهم السلام).
وقد ذكر بعض الباحثين (11)
عدة قرائن تدل على ذلك ومنها:
أولاً: ما ورد في الرواية عن الإمام الرضا (عليه السلام) من أنه قال: من زار المعصومة بقم كان كمن زارني.
ومن المعلوم أن الإمام (عليه السلام) لا يلقي الكلام جزافاً، ولا يمكن أن تصدر منه مبالغة في القول في حق شخص من الأشخاص على خلاف الحق.
ولم يكن اسم المعصومة يطلق على السيدة فاطمة في حياتها ليكون التعبير بالمعصومة عنواناً مشيراً، بل إن هذا التعبير منه (عليه السلام) صدر عنه بعد وفاتها (عليها السلام) وهو يدل على إثبات العصمة لهذه السيدة الجليلة لأنه بناء على أساس القاعدة المعروفة من أن تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعليّة، يصبح معنى الحديث هكذا: من زار المعصومة بقم كان كمن زارني لأنها معصومة.
فإذا ثبت أن هذا الحديث صادر عنه (عليه السلام) فلا إشكال في دلالته على عصمتها (عليها السلام).
وثانياً: بما ورد من الأحاديث الصحيحة المستفيضة الواردة في وجوب الجنة لمن زار قبر هذه السيدة الجليلة.
وإن كان لا ملازمة بين العصمة ووجوب الجنة، ولكن لم يعهد في شأن غير المعصوم ذلك، حتى أن ثلاثة من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) يؤكدون على زيارتها. وسيأتي الحديث عن ذلك.
وثالثاً: بشفاعتها الشاملة لجميع شيعة أهل البيت (عليهم السلام).
نعم ذكرت الشفاعة في شأن العالم والشهيد ونحوهما، ولكن لم يرد شمول الشفاعة وسعتها بحيث تشمل الجميع إلا في حقها وحق آبائها المعصومين، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): تدخل بشفاعتها شيعتنا الجنة بأجمعهم.
رابعاً: الروايات المتواترة الواردة في فضل قم وقداسة أرضها ببركة قدوم هذه السيدة الجليلة، ولم يرد في شأن مدينة أخرى كما ورد في شأن مدينة قم، ومن الطبيعي أن قداسة هذه المدينة إنما هي من أجل هذه السيدة الجليلة.
خامساً: التعبير عن قم بأنها حرم أهل البيت، وعش آل محمد (صلّى الله عليه وآله)، وغيرها من التعابير العالية التي لم يرد لها مثيل إلا في مواطن ومشاهد الأئمة.
سادساً: الكرامات الباهرة لهذه السيدة الجليلة التي كانت ترى على مرّ القرون والأزمان، ولم يكن لأحد من أولاد الأئمة ذلك، إلا ما كان من أبي الفضل العباس (عليه السلام) الذي يقال بعصمته أيضاً.
سابعاً: التعبيرات العالية الواردة، في زيارتها مثل: (فإن لك عند الله شأناً من الشأن) وحيث أن هذه الزيارة مروية عن الإمام الرضا (عليه السلام)، فإن هذه التعبيرات العالية الشأن لا تتناسب مع غير المعصوم.
ثامناً: إخبار الإمام الصادق (عليه السلام) عن تشرّف هذه البقعة ـ مدينة قم ـ ببضعة من ولده موسى (عليه السلام)، وكان إخباره بذلك قبل ولادة موسى بن جعفر (عليهما السلام)، وهو يدل على مقامها العظيم، ومع هذا يؤكد (عليه السلام) على أن جميع الشيعة يدخلون الجنة بشفاعتها، وذلك علامة على جلالة قدرها، الأمر الذي لم نقف عليه في شأن غير المعصوم.
وتاسعاً: مجيء الإمامين الرضا والجواد (عليهما السلام) لتجهيز ودفن هذه السيدة الجليلة دليل واضح على عصمتها، وذلك لأن من معتقدات الشيعة أن جنازة المعصوم لا يتولى دفنها إلا المعصوم، فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الذي تولى تجهيز فاطمة (عليها السلام) مع حضور أسماء، حتى أن الإمام الصادق (عليه السلام) رأى أن ذلك ثقل على المفضّل ـ الذي كان يحدّثه ـ فقال له (عليه السلام): لا تضيقنّ فإنها صدّيقة، ولم يكن يغسلها إلا صدّيق، أما علمت أن مريم لم يغسّلها إلا عيسى (12).
فقد ورد في أحكام غسل الميت أن الزوج أحق بتغسيل زوجته، وإن وجد المماثل، وأما الولد فلا يمكنه أن يغسل أمه في حال الاختيار مع وجود المماثل، ولكن لما كانت مريم (عليها السلام) معصومة فلم يكن مناص إلا أن يتولى ولدها عيسى (عليه السلام) تغسيلها.
ومن قوله (عليه السلام): (صديقة) يستفاد عصمة مريم (عليها السلام)، وقد ورد في القرآن الكريم التعبير عنه بذلك، وهكذا تولى الإمام الرضا (عليه السلام) تغسيل أبيه، كما أن الإمام الجواد (عليه السلام) جاء من المدينة إلى خراسان، والإمام الهادي جاء من المدينة إلى بغداد، ومن قبلهما جاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) من السجن لتجهيز والده في كربلاء.
والملفت للنظر أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) لما أراد أن يدفن أباه الحسين (عليه السلام)، وعلي الأكبر (عليه السلام)، وأبا الفضل العباس (عليه السلام)، لم يطلب العون من بني أسد، بل قام بذلك بنفسه، ولكن لما أراد أن يدفن الشهداء طلب منهم أن يحفروا حفرتين وأمرهم بدفن شهداء بني هاشم في واحدة، ودفن سائر الشهداء في الأخرى.
وهذا بنفسه علامة على عصمة علي الأكبر وأبي الفضل العباس.
وهكذا في تجهيز السيدة فاطمة، فإن حضور الإمامين الرضا والجواد (عليهما السلام) له معنى كبير، وهو شاهد حيّ على عصمة هذه السيدة الجليلة.
فمع الالتفات إلى هذه الأمور فإذا ادّعى شخص أن السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) نالت مرتبة من العصمة فليس فيه انحراف في القول أو مجازفة في المقال، نعم هذه المرتبة من العصمة دون مرتبة المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام)، فإن أولي العزم من الأنبياء لم يبلغوا تلك المرتبة.
وهناك تفاوت آخر، وهو أن العصمة في الأنبياء والأئمة أمر لازم لابد منه، وأما العصمة في هذه الشخصيات العالية فليست بلازمة (13). ولئن لم تكن معصومة بالمعنى الخاص للعصمة الخاصة بالأئمة (عليهم السلام) والصديقة الزهراء (عليها السلام) إلا أن في التعبير عنها بالمعصومة إشعاراً ببلوغها مرتبة عالية من الطهارة والعفة والنزاهة والقداسة، ولا غرو فإنها تنحدر من بيت العصمة وتربّت على يد المعصوم، وكانت ابنة معصوم وأخت معصوم وعمّة معصوم.
3 ـ كريمة أهل البيت:
وهو من ألقاب هذه السيدة الجليلة، وعرفت به من دون سائر نساء أهل البيت.
وقد اشتهر الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) بهذا اللقب من دون سائر الرجال، فكان يقال له كريم أهل البيت.
وقد أطلقه عليها الإمام المعصوم (عليه السلام) في قصة وقعت لأحد السادة الأجلاء وقال له: (عليك بكريمة أهل البيت) مشيراً إلى هذه السيدة الجليلة، وسنذكر تفاصيلها في موضع آخر.
ولهذا اللقب دلالة بعيدة الغور على شأن فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام)، فإن أهل البيت (عليهم السلام) قد جمعوا غرّ الفضائل والمناقب وجميل الصفات، ومن أبرز تلك الخصال الكرم، وقد عرّفوه بأنّه إيثار الغير بالخير ولا تستعمله العرب إلا في المحاسن الكثيرة، ولا يقال كريم حتى يظهر منه ذل (14). والكريم هو الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل.
ومن ذلك يعلم أن للكرم معنى واسعاً لا ينحصر في بذل المال أو إقراء الضيف أو حسن الضيافة، فإنها من مصاديق الكرم لا تمام معناه.
وعلى ضوء هذا المعنى الشامل للكرم يتجلّى لنا المراد من وصف أهل البيت (عليهم السلام) بأنهم أكرم الناس على الإطلاق لما اشتملوا عليه من أنواع الخير والشرف والفضائل، وقد حفظ لنا التاريخ شيئاً من ذلك وحدّث به الرواة.
كما يتجلّى لنا أيضاً اتصاف هذه السيدة الجليلة بأنها كريمة أهل البيت (عليهم السلام).
وإن من أبرز مظاهر كرمها أن مثواها المقدس كان ولا يزال منبعاً للفيض، وملاذاً للناس، ومأمناً للعباد، ومستجاراً للخلق، وباباً من أبواب الرحمة الإلهية للقاصدين، وأنّ مدينة قم حيث تضمّ مرقدها الطاهر كانت ولا تزال حاضرة العلم، وحرم الأئمة وعش آل محمد (عليهم السلام) ومنفراً لأهل العلم من شتى بقاع الأرض، يتلقّون علوم أهل البيت (عليهم السلام) محتضنة كوكبة من العلماء والطلاب، ولا زالت هي والنجف الأشرف فرسي رهان تتسابقان في تخريج حملة العلوم على شتى مراتبهم، وسيوافيك عن ذلك حديث.
ففي وصف هذه السيدة الجليلة بأنها كريمة أهل البيت دلالة على أنها ذات خير وبركة على الخلق، ولا سيما شيعة آل محمد واختص أهل قم منذ اللحظة التي تشرفت أرضهم بها أنهم لا يزالون ينعمون ببركاتها وخيراتها آناء الليل وأطراف النهار، ويعيشون في حماها ويتفيؤون ظلالها في امتياز خاص بهم من دون أهل سائر المناطق الأخرى.
أسماء وألقاب أخرى:
ذكر العلامة المتتبع الشيخ علي أكبر مهدي پور في كتابه القيم (كريمة أهل البيت عليهم السلام) (15)، أن لفاطمة المعصومة عدّة أسماء وألقاب غير ما ذكرنا، وردت في عدّة من المصادر، وهي:
1 - الطاهرة. 2 - الحميدة. 3 - البرّة. 4 - الرشيدة. 5 - التقية. 6 - النقيّة. 7 - الرضية.
8 - المرضيّة. 9 - السيدة. 10 - أخت الرضا. 11 - الصدّيقة. 12 - سيدة نساء العالمين.
وسواء ثبتت هذه الألقاب والأسماء أو لم تثبت إلا أن من الواضح انطباق ما تضمنته من معان ودلالات على هذه السيدة الجليلة.
وقد أطلق أكثر هذه الأوصاف على أمّها فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ولا سيما الأخير منها، فإنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، كما أطلق على السيدة مريم بنت عمران (عليها السلام)، وقيّد ـ كما في الروايات ـ بأن سيادتها على نساء العالمين إنما هو خاص بنساء زمانها، ولذا ينبغي التخصيص في إطلاقه على فاطمة المعصومة (عليها السلام) أو يقال بالتخصص إذ من المعلوم أن مقام فاطمة الزهراء (عليها السلام) لا يرقى إليه أحد من النساء، فإنها بضعة النبي (صلّى الله عليه وآله) وروحه التي بين جنبيه.
وهكذا الحال بالنسبة إلى سائر الألقاب الأخرى.
وعلى أي حال فإنّ في تسميتها بفاطمة ووصفها بالمعصومة وكريمة أهل البيت (عليهم السلام) وأنها صادرة من المعصومين دلالة على المقام الرفيع الذي بلغته سيدة عش آل محمد (صلّى الله عليه وآله).
-------------------------------
(1) وسائل الشيعة: ج15، باب 22، من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 6.
(2) وسائل الشيعة: ج15، باب 22، من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 7.
(3) كمال الدين وتمام النعمة، ص165.
(4) الأصول من الكافي: ج1، باب الإشارة والنص على أبي الحسن موسى (عليه السلام)، الحديث 3، ص308.
(5) وسائل الشيعة: ج15، باب 27، من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1.
(6) وسائل الشيعة: ج15، باب 23 وباب 24 من أبواب أحكام الأولاد.
(7) الفروع من الكافي: ج6، كتاب العقيقة، باب حق الأولاد، الحديث 6، ص48.
(8) بحار الأنوار: ج43، ص10-16 و18 و65.
(9) رياحين الشريعة: ج5، ص35.
(10) أوائل المقالات، ص35، وتلخيص الشافي: ج1، ص183-196، وكشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، ص274 وص286-287.
(11) كريمة أهل البيت (عليهم السلام)، ص36-42.
(12) الأصول من الكافي: ج1، كتاب الحجة، باب مولد الزهراء فاطمة (عليها السلام)، الحديث 4، ص459.
(13) كريمة أهل البيت (عليهم السلام)، ص36-42.
(14) مجمع البحرين: ج6، ص152.
(15) كريمة أهل البيت (عليهم السلام)، ص47-48.