كان الإمام الخميني (ره) في منزله يكوي حتى ملابسه الداخلية.[1] إلّا أنّ لحظة تواجدنا في المنزل هي لحظة التحرّر والراحة. وكأننا نرى عدم الترتيب والنظم في فضاء البيت أمراً طبيعياً.
قال أحد تلامذة الإمام الخميني (ره) في النجف الأشرف له: «ذهبت إلى الطبيب لمرض ألمّ بي، فقال لي بما أنّ عملكم هو عمل علمي لابد لكم من المشي يومياً لمدة 20 دقيقة. فهل ترغبون في ذلك؟ فقال الإمام: عمل جيد، وكلام الطبيب صحيح، سأمارس الرياضة.» وتكفي هذه الوصية من الطبيب التي نقلها أحد تلامذته له بأن يستمر على المشي يومياً ولم يتركه حتى آخر عمره.[2] فالوصية يكفي إبلاغها مرة واحدة.
فالمنتظر في مقام العمل يُرتّب حياته ويُنظّم أموره. لماذا استأهل الشيخ المفيد لأن يتسلّم كتاباً من قبل الإمام المهدي (عج)؟ حيث جاء فيه: «وَبَعْدُ فَقَدْ كُنَّا نَظَرْنَا مُنَاجَاتَكَ عَصَمَكَ اللَّهُ بِالسَّبَبِ الَّذِي وَهَبَهُ اللَّهُ لَكَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ وَحَرَسَكَ بِهِ مِنْ كَيْدِ أَعْدَائِه.»[3]
فوالله صاحب العصر (عج) يعطف علينا ويمسح يد الأبوة على رؤوسنا ويُحبنا ويحزن لحزننا وهو مطّلع على أخبارنا[4]. يفرح إذا رآنا نعمل بحيوية ونشاط ومن دون كسل وملل. وهذا هو جزء من ساحة عملنا.
ب) متابعة البرامج المعنوية وإصلاح الصفات القلبية
لماذا يجب أن تكون حياة المنتظر متفاوتة؟ لأنه في سلوكه المعنوي يعتبر نفسه عدوّاً له ويعلم أنه لا يصل إلى المقصود إلّا عبر مواجهة أنانياته. ونظمه والتزامه الدقيق بآداب حياته الدراسية والشغيلة وليد التقوى التي يتحلى بها. لا أنه يصل إلى الخير والصلاح للنجاح في الحياة المادية فحسب. قال أمير المؤمنين (ع) لولديه الحسن والحسين (ع): «أُوصِيكُمَا وَجَمِيعَ وَلَدِي وَأَهْلِي وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَنَظْمِ أَمْرِكُمْ.»[5] فجعل التقوى أساساً للنظم ووصّى به بعدها. وهذا ما لابد أن يكون مشهوداً في حياة المنتظر.
والاسم الآخر للمنتظر أساساً هو المتقي. ولا يمكنكم مهما اجتهدتم أن تجدوا للمنتظر اسماً آخر بهذا المستوى من التناسب. وليس المراد من قول صاحب العصر صلوات الله عليه: «فَمَا يَحْبِسُنَا عَنْهُمْ إِلَّا مَا يَتَّصِلُ بِنَا مِمَّا نَكْرَهُهُ وَلَا نُؤْثِرُهُ مِنْهُمْ.»[6] سوى ذلك. وللتقوى بعدان: ترك المعصية لله وأداء العبادات والطاعات لله أيضاً. علماً بأنّ: «اجْتِنَابُ السَّيِّئَاتِ أَوْلَى مِنِ اكْتِسَابِ الْحَسَنَاتِ.»[7]
يجب أن نفهم التناسب بين مفهومي التقوى والانتظار
فالمتّقي إذا أراد الابتعاد عن الآخرين من أجل معشوقه تجنّب المعصية، وإذا أراد الاتصال بحبيبه أطاع وعَبَد؛ واحدة ألذّ من الأخرى. يجب أن نفهم التناسب بين مفهومي التقوى والانتظار. ويجب بالطبع أن نُفهم ذلك لأنفسنا وفهمه ليس بالأمر الهيّن. لابد أنّ نفكّر ونُلقّن أنفسنا كثيراً بأنه كيف تكون التقوى من لوازم الانتظار؟ فإن لم نُدرك ذلك سيكون شعاراً ليس إلّا. وكلّنا أيضاً يمتلك المواد اللازمة للتفكّر في هذا المجال. ولكن غالباً ما لا نصرف وقتاً لذلك أو لا نملك الاستعداد لتقين أنفسنا بذلك.
فالتلقين بحاجة إلى استعداد والتفكر إلى فرصة، وإلّا فالكل يعلم تقريباً بأننا «إذا أردنا أن نكون منتظرين، لابد أن نكون من المتقين». نحن بانتظار أيّ شيء؟ أليست حكومة الإمام تأتي ممهّدة لتسهيل الأمر على الناس في التزام التقوى؟ ألم يظهر الإمام ليقف بوجه الاستكبار الذي هو حالة مضخّمة من نفس ذنوبنا اليومية؟ هل من الممكن أن ننتظر الإمام ولنا رغبة في الذنوب ورغبة عن تطهير الروح وتزكية النفس؟
يجب أن ندرك العلاقة بين التقوى والانتظار بعمق ونفكر حولها كثيراً ونُلقّنها لأنفسنا في المواضع الحساسة وبشتى الأساليب. لأنّ النفس فرّارة من الموعظة والنصيحة، ترفض الاستماع إلى الكلام المرّ والإجبار على العمل الشاق. ولهذا لابد أن نلقّن هذه الحقيقة لأنفسنا وللآخرين بأسلوب فني. فما هو الاستدلال الذي يُقنعني كمنتظر بأن يجب أن أكون من المتقين؟ ألم يكفي أن أعرف بأنّ ذنوبي تُؤجّل الظهور؟ لعلّ التصديق بذلك صعب علينا.
المنتظر يسعى ويجتهد بمقدار وسعه. فإن أجهده السعي وانسلخت عنه قوة الكفاح، مدّ يده إلى إمامه الغائب واستمدّ العون منه. وبالطبع فإن الإمام الشاهد عليه سيعينه. ولا تتعجّبوا إن ظهر الإمام له. (علماً بأنكم لا تطّلعون على هذا الظهور الخاص.)[8] فالمنتظر يطلب إصلاح العالم بسبب المحاسن والكمالات التي يعشقها لنفسه حتى الموت ويسعى من أجلها.
يريد المنتظر أن يهب «التقوى» لأهل الأرض
وما أجمل لو وصل السالك في مسير سلوكه إلى الله، إلى انتظار الفرج. فإن ذلك علامة على سلامة حركته إلى الله؛ (لأن حركته لو لم تكن سالمة لما انتهت إلى انتظار الفرج.) ورأسمال لانتظاره الحقيقي. تصوّروا أنّ الغارق في لذة القرب من الله وفي التقوى، يصرّ أن يهب لذة هذا القرب والتقوى لجميع أهل الأرض. وبذلك يكون منتظراً.
والآن تصوّرا أن من لم يحمل صورة واضحة وتجربة لذيذة عن التقوى، كيف يستطيع أن يكون منتظراً للفرج؟ الفرج الذي لا يُراد به سوى بسط التقوى في الأرض. فإن التزكية المعنوية مقدمة ضرورية للانتظار ونتيجة قطعية له أيضاً.
حبّ الإمام أسهل من حبّ التقوى
علماً بأن البعض لا يشرع من التقوى للوصول إلى الانتظار، بل يشرع من محبة الإمام؛ وليس من أهل الادّعاء والخيال أيضاً. فمن الطبيعي أن يصل إلى التقوى. لأنّ حبّ الإمام وإن كان أسهل من حبّ التقوى، ولكن إذا ازدادت هذه المحبة قليلاً ستعرض آثارها الإيجابية. حيث يكفي أن تعرف بأن الإمام لا ينظر إلى من ليس من أهل التقوى، ليسوقك ذلك إلى عدم الانفصال عنها.
ولا يعني ذلك أنّ للإمام ذائقة خاصة وهو محبة المتقين فقط. وحتى لو كان كذلك، فهو ملاك للعاشق الصادق. ولكن يجب أن نعرف أساساً أنّ من لم يكن من أهل التقوى لا يستطيع ذاتياً أن يتقرب من الإمام وأن ينفعه. وحاله حال الكافر الذي يفقد استعداده الذاتي لللقاء بالله، ولابد أن يدخل النار بمقتضى طبيعته.
المذنب يحب هواه أكثر من الإمام
فمن فقد عقله لذنب اقترفه،[9] لا يستطيع إدراك محاسن الإمام؛ ولا يمكنه فهم الإمام؛ ولا تتأتى له نصرته؛ بل وقد لا يستطيع أن يحتمل الإمام أيضاً. فهو يحبّ هواه أكثر. ولا يتسنى له حبّ الإمام إلا عن بعد، ولربّما يُصاب بالملل إذا اقترب منه. ولذا فأن يكون الإنسان فاقداً للتقوى وطالباً للقاء الإمام أمر خطير. وإن كان يحدونا الأمل أن يورث اللقاء بنفسه زيادة في المحبة والطاعة، غير أن القاعدة لا تشير إلى ذلك؛ ولا يتحقق هذا الأمر في الكثير من المواطن. وهذا ما صرّح به الله سبحانه في كتابه الكريم: ﴿ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ.﴾[10]
يتبع إن شاء الله...
[1] برداشتهایی از سیره امام خمینی، ج2، ص157.
[2] برداشتهایی از سیره امام خمینی، ج2، ص21.
[3] الاحتجاج للطبرسي، ج2، ص498؛ مستدرك الوسائل، الخاتمة ج3، ص227؛ إلزام الناصب، ج1، ص411.
[4] عن الإمام الرضا (ع): «االْإِمَامُ، الْأَنِيسُ الرَّفِيقُ وَالْوَالِدُ الشَّفِيقُ وَالْأَخُ الشَّقِيقُ وَالْأُمُّ الْبَرَّةُ بِالْوَلَدِ الصَّغِير.» الکافي، ج1، ص200؛ الغیبة للنعماني، ص219.
وعنه (ع): « لِلْإِمَامِ عَلَامَاتٌ؛ يَكُونُ ... ويَكُونُ أَشْفَقَ عَلَيْهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ.» من لا یحضره الفقیه، ج4، ص418.
وعن أمیر المؤمنین (ع): «إِنَّا لَنَفْرَحُ لِفَرَحِكُمْ وَنَحْزَنُ لِحُزْنِكُمْ وَنَمْرَضُ لِمَرَضِكُمْ وَنَدْعُو لَكُم.» بصائر الدرجات، ج1، ص260.
وعن الإمام الرضا (ع): «إنَّا مَعَاشِرَ الْأَئِمَّةِ تُعْرَضُ عَلَيْنَا أَعْمَالُ شِيعَتِنَا صَبَاحاً وَمَسَاءً، فَمَا كَانَ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي أَعْمَالِهِمْ سَأَلْنَا اللَّهَ تَعَالَى الصَّفْحَ لِصَاحِبِهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْعُلُوِّ سَأَلْنَا اللَّهَ الشُّكْرَ لِصَاحِبِه.» مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب، ج4، ص341.
وعن الإمام المهدي (ع): «فَإِنَّا نُحِيطُ عِلْماً بِأَنْبَائِكُمْ وَلَا يَعْزُبُ عَنَّا شَيْءٌ مِنْ أَخْبَارِكُم ... إِنَّا غَيْرُ مُهْمِلِينَ لِمُرَاعَاتِكُمْ وَلَا نَاسِينَ لِذِكْرِكُم.» الاحتجاج للطبرسي، ج2، ص497؛ وإلزام الناصب، ج1، ص410.
[5] نهج البلاغة، الكتاب47.
[6] الاحتجاج للطبرسي، ج2، ص499.
[7] من كلمات أمیر المؤمنین (ع)، غرر الحکم، ح3514.
[8] يقول الإمام الخامنئي: ««قد ينال عيون أو فؤاد إنسان سعيد إمكانية الاكتحال بأنوار ذلك الجمال المبارك، لكن هؤلاء لا يطلقون ادعاءات وأقوالاً ولا يفتحون لأنفسهم دكاكين. الذين يفتحون لأنفسهم دكاكين بهذه الطريقة يمكن للمرء أن يقطع ويتيقّن بأنهم كاذبون مفترون. ينبغي إبعاد هذه العقيدة الواضحة الساطعة عن هذه الآفة.» (كلمته بمناسبة يوم النصف من شعبان؛ 17/ 08/ 2008).
[9] عن النبي (ص): «مَن قارَفَ ذَنباً فارَقَهُ عَقلٌ لا يَرجِعُ إلَيهِ أبداً.» میزان الحکمة، ح6751، نقلاً عن المحجة البيضاء، ج8، ص160.
[10] سورة البقرة، الآیة2.