سألني زميل في درس التصوير إذا كنت قد شاهدت فيلم أشجار الليمون،أو شجرة الليمون ,كان معجبا بالفيلم الذي جعله يتعاطف أكثر مع الفلسطينيين لاسيما الإعلام الغربي منحاز كليا لإسرائيل مهما ارتكبت من جرائم بحق شعب فلسطين. أنتج الفيلم في 2008 ولم أشاهده لا على القنوات العربية ولا الانكليزية! فأعارني قرص (DVD ) لمشاهدته.
فيلم (أشجار الليمون) الفيلم الفلسطيني- الإسرائيلي للمخرج (عيران ريلكس ) وإنتاج ألماني فرنسي إسرائيلي مشترك. والذي جسدت دور البطلة سلمى فيه، الممثلة الفلسطينية هيام عباس, ثم قرأت بعض ما كتب عن الفيلم, البعض اعتبره ضد المقاومة وآخرون اعتبروه دعوة للتفاهم والعيش بسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وبعيدا عن نجاح الفيلم فنيا من تمثيل وإخراج فقد حصل على العديد من الجوائز التقديرية كذلك على جائزة الجمهور بقسم البانوراما في مهرجان برلين. اعتقد ان الفيلم كان مفعم بالرمزية الواقعية اذا جازت لنا تلك التسمية.. فأشجار الليمون هي ارض فلسطين او القضية، هي إصرار الشعب الفلسطيني على التمسك بذكرياته التي زرعها مع تلك الأشجار. كما رايته يسخر من السلطات الإسرائيلية التي تتحجج بالإرهاب لإذلال واغتصاب حق الفلسطيني، فيرينا رعبهم من أشجار الليمون بالوقت الذي يلجؤون لسرقة الليمون ذاته حين احتاجوا له في عشاء الحفلة التي أقامها الوزير الاسرائيلي. بل يبين أيضا كيف إن السلطات الإسرائيلية تستخدم ذكاءها وتتحجج بأنها غير مسؤولة عن قرار قلع بستان الليمون حسب تصريح الوزير الذي يحاول ان يبدو إن لا علاقة له بالأمر وهو عبد المأمور! وهذا ما تفعله إسرائيل دائما في قصفها للقرى الفلسطينية وحصارها لهم على انه دفاع عن النفس! وربما هو تلميح عن خضوع إسرائيل لما تخططه أمريكا لها.
الكاتبة رانيا حداد كتبت انه "عند إلقاء نظرة أعمق ستتضح معالم مغايرة لتلك التي هلل لها بعض الكتاب العرب المعجبين بالفيلم، أهمها انه يُقدَم وزير الدفاع الإسرائيلي كانسان متفهم لعلاقة سلمى-تلك المواطنة الفلسطينية البسيطة- بأرضها وأشجارها، إلا أن تحقيق أمنه الشخصي أولوية تحتم عليه وتدفعه مرغما لاستصدار قرار يلحق الضرر ببيارتها التي من الممكن أن يختبئ فيها الإرهابيون الفلسطينيون، ثم تمضي الأحداث بالتركيز على نضال سلمى في الحفاظ على أشجار الليمون وترك فكرة الفلسطينيين الإرهابيين كتفصيلة غير رئيسية إنما كحقيقة مفروغ منها للمشاهد، وبذلك وهنا المهم يكرس صناع الفيلم صورة المقاومة والمقاومين الفلسطينيين الذين يدافعون عن حقهم وأرضهم المحتلة كإرهابيين، وبأن الإسرائيلي هو صاحب الحق في هذه الأرض وليس المُغتصِب".
ويرى البعض ان الفيلم تعبير عن الصراع بين الفلسطينيين و الإسرائيليين. فشجر الليمون يمثل الحياة اليومية كما هي حقيقة في فلسطين حيث الأبرياء العرب وجدوا أنفسهم في وسط الصراع بدون ذنب. أما الحرية والديمقراطية التي تقدمها إسرائيل للعرب في الشرق الأوسط هي مبطنة ومزيفة وليوم واحد فقط في المحكمة. أما العلاقة الصامتة التى تقام بين المرأتين الفلسطينية و الإسرائيلية تجلب الأمل للآلاف من الفلسطينيين والإسرائيليين للسعي إلى سلام حقيقي ودائم.
الفيلم كما رايته يوحي بالتشابه بين بطلة الفيلم الفلسطينية الأرملة التي تعيش وحيدة ، وزوجة الوزير جارتها فهناك شبه واضح بالشكل وبالإحساس بالوحدة والقلق من حالة شاذة فرضت على شعب كان يعيش قبل نصف قرن بسلام ووئام بلا جدران عازلة ولا خوف، حتى فرض الغرب الصهيونية لتجعل لهم دولة عنصرية قائمة على عنصر طائفي قومي واحد. كتبت مرة ان اقامة إسرائيل كدولة هي اقرب لقاعدة سياسية عسكرية منها الى دولة ديمقراطية كما يدعون.. فالديمقراطية تتنافى مع التعصب القومي او الديني. لذا إسرائيل من حيث يدري او لا يدري الإسرائيليون، هي نقمة على اليهود أيضا ولو بشكل اقل من نقمتها على الفلسطينيين مسيحيين كانوا او مسلمين. فزوجة الوزير تعيش العزلة والخوف وتُحرم هي الأخرى حتى من الاتصال بجارتها وتعيش حبسا من نوع آخر! كما تُحرَم من بستان الليمون الذي كانت معجبة به. لذا في نهاية الفيلم، تقرر الرحيل والابتعاد عن بيتها بعد إصدار قرار تحجيم الأشجار وتشويهها بجعلها لا تتجاوز الثلاثين سنتيمترا! حسب قرار المحكمة (الديمقراطية)، وهو قتل آخر للأشجار التي تحتاج لسنوات طويلة من التعب والرعاية لتصبح مثمرة يانعة. وربما هو ايحاء بأن الإسرائيليين الذين لا تربطهم بالأرض نفس الرابطة التي تعيشها سلمى صاحبة البستان، سيرحلون يوما. وأراد منه المخرج والكاتب ليعبر عن رمز المحبة والسلام الذي حُرم منه شعب فلسطين بكل طوائفه حتى اليهود منهم.
بينما الكاتبة حداد ترى الأمر بشكل اخر! فتقول "في احد المشاهد تحاول زوجة الوزير الإسرائيلية المبادرة بكسر الحاجز الأمني والنفسي مع الآخر العربي بالذهاب لزيارة سلمى، لكن يحول رجال الأمن الإسرائيلي دون نجاح هذه المحاولة، في المقابل سلمى تذكر بود كيف إن زوجة الوزير اعتذرت عن محاولة سرقة الليمون في ليلة الاحتفال الذي أقامه زوجها الوزير في بيته، وغير ذلك هناك الكثير من الإشارات الجلية في الفيلم لتقديم فكرة التعايش كفكرة ممكنة وحل معقول لكلا الطرفين وعليهما أن يستجيبا لها، وإلا بالنتيجة سيعيش كل طرف من جهته في عزلة تامة كما يصورها المشهد النهائي في الفيلم، حيث يرتفع جدار الفصل العنصري عاليا ويعزل سلمى كما يعزل وزير الدفاع الإسرائيلي تماما، بالنتيجة القضية والمشكلة كما يطرحها اليسار الإسرائيلي تكمن في الإرهابيين –المقاومة الفلسطينية الشرعية- الذي بقاؤهم سيحول دون التواصل العربي الإسرائيلي والعيش بسلام معا".
يقول المخرج (عيران ريكليس) بما معناه "اعتقد ان الفيلم يتعلق برصد ما يجري حولك. ووزراء الدفاع اذا أرادوا إزالة تلك القرية او تدمير البيوت واستغلالها لصالحهم، يستطيعون فعل ذلك باستغلال قوتهم. والفلم ربما يقول بشكل ما : توقفوا لحظة، انظروا لهذه القصة لعلكم تتعلمون شيئا وربما تغيرون وجهات نظركم وتضعكم بالاتجاه الصحيح".
الفيلم لا يدين إسرائيل فقط بل ينتقد الانتهازيين من الجانب الفلسطيني ايضا، وهذا باعتقادي فيه الكثير من الواقعية، فالسلطة الفلسطينية توحي لسلمى بعدم جدوى شكواها لان موضوعها أهون من القضايا المركونة التي لم تجد لها حلا. والمحامي الذي تلجأ له يستغل وحدتها وحاجتها للكلمة الطيبة لكلمة حب ولمسة محبة، التي هي أشبه بقطرات مطر للأرض العطشى، وهذا ما لمسه المحامي بعد تعبيره عن الإعجاب بجمال زوجة الوزير، لأنه لم ير تعب سلمى وحرمانها وقلقها، ليكتشف أن الحب جعل سلمى أجمل من قبل. فتميل له حين شعرت انه هو الآخر وحيد ومتعب وفقير، بالرغم من تهديد كلا الطرفين لها. فاخو زوجها الذي تلجأ له ليفسر لها الرسالة المكتوبة بالعبري. وتدخل المقهى الذي يقضون الساعات للعب الدومينو وشرب الشاي، يستنكر دخولها المقهى المخصص للرجال. وكذلك يهددها ان لا تقبل أي تعويض. بالوقت الذي يزورها ببيتها ليطعنها بشرفها بسبب أقاويل الناس عن علاقتها بالمحامي! ويأتيها تهديد آخر من عربي يعمل مع إسرائيل لتبعد عن المحامي (مستغلا موضوع السمعة والشرف) لعلها تستسلم لأمر الواقع وتتنازل عن أشجار الليمون.
في النهاية يحظى المحامي بشهرة لم يكن يحلم بها بسبب إصرار سلمى على قضيتها وشجاعتها بمواجهة ذلك الكم من التهديدات. ولكن هذه الشهرة تجعله يبتعد عنها ويحظى بحب ابنة احد القادة الفلسطينيين ويخطبها. فتعود سلمى لحياتها السابقة توحي لأبو حسام، الرجل الوحيد الذي يساعدها في البستان والذي عمل فيه لأكثر من خمسين عاما، إشارة لوجود البستان قبل وجود إسرائيل، بأنها قوية وستواصل الحياة مثل أشجار الليمون التي قُصّت ولكن أغصانها ستنمو من جديد وستطرح ثمارها يوما.