للمساجد أهمية بالغة في حياة المسلمين فهي ميدانا ًواسعا ً, ومكانا ًرحبا ً, لعبادة الله تعالى في أرجائه , كما هي المدرسة التي يأخذ فيها علومه وآدابه ويعرف ماضيه وحاضره، ويترسم خطى مستقبله , و المساجد في الإسلام من معالم الحضارة الإسلامية البارزة التي تشهد على عظمة هذه الحضارة إذ إن المساجد لم تكن مجرد دور للعبادة فقط , بل كانت منارات علمية وجامعات عالمية . وأصبحت فيما بعد مراكز لقيادة الدولة , ومنها خرجت الجيوش العربية إلى اقصاع الأرض المعمورة رافعـة راية الإسلام في كل أنحاء العالـم ...
وكان أول ما فعل رسول الله (ص) بعد وصولة إلى المدينة هو الشروع في بناء مسجد المدينة واشترك المسلمون كلهم في بنائه وكان الرسول ينقل التراب واللبن معهم , ليصبح أول مسجد في تاريخ الإسلام .
وكان عبارة عن مساحة مربعة يحيط بها جدران من الطين والحجر . ويغطى جزء من سقفه بسعف النخيل المغطى بطبقة من الطين وكان بسيطا ًفي بناءة ..
ولما امتدت فتوحات العرب إلى خارج شبة الجزيرة العربية استخدام المسلمون العرب بعض الكنائس التي وجودوها في سوريا كأمكنة للصلاة , كما قاموا بتحويل بعض القصور الفارسية في إيران إلى مساجد بالرغم مما وجد بها من أشكال حيوانية . أما في العراق ومصر فقام العرب بتأسيس مدن جديدة شيدوا فيها مساجد بسيطة , ففي جامع البصرة الذي شيد في عام 14 هـ , وجامع الكوفة الذي شيد عام 17 هـ , اكتفى المسلمون بإحاطة قطعة الأرض بخندق محفور بدلا من الجدران وسقفوا جزءا منها بالخشب وجريد السعف . وكان يحمل السقف أعمدة من جذوع النخيل أومن الأعمدة الحجرية التي جلبوها من الكنائس , أو من القصور القديمة التي وجودها في إقليم الحيرة على حدود العراق .
وفي العصر الأموي تطورت عمارة المساجد تطورا ًكبيرا ًبعد مشاهدة الأمويين وتأثيرهم بالعمائر والكنائس المسيحية في بلاد الشام , وقد ظهر هذا التطور تحديدا ًخلال فترة حكم عبد الملك بن مروان وازدهر في خلال حكم ابنة الوليد , بحيث ظهرت في تلك الفترة مساجد فخمة بولغ في تصميمها وثرائها ولا تزال قائمة حتى ألان مثل : ( قبة الصخرة ) و ( المسجد الأقصى ) في القدس , و المسجد ( الأموي ) في دمشق , و ( جامع الزيتون ) في القيروان بتونس .
في العصر العباسي شيدت مساجد واسعة أيضا ًمثل جامع سامراء ومسجد (أبو دلف ) الذي شيد عام 236 هــ والذي يعتبر من اكبر المساجد الإسلامية , ويتميز هذا المسجد بمئذنة الملوية التي تقع خارج سور المسجد , وبنيت بتصميم فريد لم يظهر من قبل في عمارة المساجد الإسلامية حيث أقيمت على قاعدة مربعة ارتفاعها ثلاثة أمتار ويرتفع فوق هـذه القاعدة برج حلزوني سميت (مئذنة الملوية ) .
وشيد مسجد ( احمد بن طولون ) في عهدة , عام 265 هـ في القاهرة , والذي يعتبر من أجمل المساجد الإسلامية . وفي عهد الدولة البويهية , تميز مسجد ( نائين ) بالقرب من مدينة يزد في إيران وهو أقدم مساجد هذه الفترة السياسية .
وفي عهد السلاجقة تطورت عمارة المساجد في بغداد وإيران ومن اشهر المساجد في هذا العهد هو مسجد الجمعة في مدينة أصفهان الذي أقامة الوزير ( نظام الملك ) في حوالي عام 466 هـ . وظهر الطابع السلجوقي في بناء المساجد الذي تميز بتوسط ثلاثة من اظلاع صحن الجامع ايوانات عالية ضخمة أكبرها إيوان القبة . ومن المحتمل أن يكون الجامع السلطاني الذي شيد في بغداد في عهد السلطان ( ملك شاة ) قد شيد على هذا الطراز . ومن اشهر الجوامع السلجوقية في تركيا جامع ( علاء الدين ) الذي شيد في مدينة قونية عام 510 هـ . وفي عصر الدولة الفاطمية في مصر شيدت عمائر دينية كثيرة , من أهمها واشهرها إلى وقتنا الحاضر ( الجامع الأزهر ) في القاهرة , وأيضا ً جامع الحاكم , وجامع الأقمر وغيرها .
. ويلاحظ في عمارة هذه المساجد ارتباطها تارة بالأسلوب الطولوني وتارة بالعمارة المغربية . وقد اهتم الفاطميون بواجهات مساجدهم منذ وجودهم في شمال أفريقا . وترجع أهمية الجامع الأزهر إلى أنة أقدم الجوامع الفاطمية في مصر , شيده جوهر الصقلي بين سنة 359 ـ 361 هــ . بأمر الخليفة المعز لدين الله قبل قدومه القاهرة . وبالإضافة إلى استخدامه للتعبد كان يستخدم كمدرسة لنشر المذهب الشيعي .
وفي العهد الطولوني اعتبر ومسجد ( احمد بن طولون ) الذي شيد عام 265 هــ في القاهرة , من أجمل المساجد الإسلامية . وفي عصر الدولة العربية في الأندلس شيدت عدة مساجد منها جامع مدينة قرطبة الكبير الذي شيده عبد الرحمن الأول في عام 170 هــ , وهو من أجمل العمائر الإسلامية في اسبانيا . ثم نشطت حركة تشييد المساجد في عهد الموحدين , واستحدث طراز الفن المغربي الأندلسي . حيث شيدت جوامع ( تلمسان) و ( كتبية ) في مراكش و( تنمال )على الساحل . وكان التغيير الذي ظهر في عهد الموحدين هو استبدال الأعمدة بدعامات من الأجر لها حواف مسننه الأركان وعقود على هيئة حدوه الحصان المستديرة تماما . ثم شيد الحكام المسلمون مساجد كثيرة في المدن الإسلامية التي استقروا بها في الأندلس على النمط المغربي , وكان الجامع يشغل الجزء الرئيسي من المدينة ومن اشهر المساجد مسجد طليطلة والمسجد الجامع بالمرية الذي تحول الى كنيسة سان جوان . ولقد تبقى منة الى ألان المحراب وجدار القبلة .
أما ما بقي من أثار العصر التيموري فبعض المساجد مثل ( مسجد تيمور ) في سمرقند . ومسجد ( جوهر شاة ) في مدينة مشهد والذي أصبح ألان ضمن الحرم الرضوي المقدس .
أما في عصر المماليك فقد نشطت أيضا ً حركة عمارة المساجد في مصر في عهد السلطان ( الظاهر بيبرس ) وتأخذ العمائر الدينية في تلك الفترة بالارتفاع , ويظهر ذلك في جدران جامع ( الظاهر ) الذي شيد في عام 668 هـ ... وقد ازدهرت عمارة المساجد الإيرانية في العهد الصفوي , ويظهر ذلك واضحا ًفي مدينة أصفهان حيث بني فيها أفخم المساجد الصفوية مسجد ( الشاة ) أو ما يسمى اليوم ميدون أمام . و يعد هذا المسجد قمة ما وصل آلية المهندس في فن المعمار . وكذلك مسجد ( الشيخ لطف الله ) الذي يتكون من حجرة كبيرة مربعة تعلوها قبة , ويغطي جدران هذا المسجد الداخلية والخارجية زخارف الفسيفساء الرائعة
وفي العصر العثماني نشطت الحركة المعمارية بشكل كبير . وخصوصا في تشييد المساجد . وكانت العمائر الدينية الأولى عبارة عن حلقة وصل بين الطراز السلجوقي والطراز العثماني الجديد الذي ضهر بعد فتح القسطنطينية . ويبدو ذلك واضحا في المساجد الأولى التي شيدت في بورصة العاصمة مثل جامع ( أولو ) الذي شيد في عهد مراد الأول عام 803 هــ . وتأثرت عمارة المساجد الكبرى بعد ذلك بالعمارة البيزنطية التي وجدت في القسطنطينية مثل جامع ( أيا صوفيا ) الشهير الذي تحول من كنيسة الى مسجد . وكذلك مسجد السلطان ( بايزيد الثاني ) الذي شيد في عام 912 هــ . ثم انتشر طراز العمارة العثمانية في بناء المساجد في أنحاء الإمبراطورية الإسلامية , ومن أمثلة ذلك جامع محمد علي بالقاهرة الذي شيد عام 1236 هـ , على غرار جامع السلطان احمد بالأستانة .