عقرة ..مدينة المياه والجمال
يصف المؤرخ ياسين خيرالله العمري الموصلي مدينة عقرة التي يسمونها باللغة الكردية (ئاكري) بانها مدينة الخيرات لوفرة المياه فيها ولجمال طبيعتها.
تقع مدينة عقرة في الشمال الشرقي من مدينة الموصل ويحدها شمالاً نهر الزاب وقضاء العامدية وقضاء شقلاوة شرقاً وقضاءا الحمدانية والموصل جنوباً ونهر الخازر وقضاء الشيخان غرباً، مساحتها الكلية (6418) كم2 أي (1.047.622) دونم، وهي من الأقضية القديمة تأسست في عهد الدولة العثمانية عام 1877م، مركزها قصبة عقرة وتعتبر من المدن الكبيرة ضمن حدود محافظة دهوك.
عقرة مبنية على امتداد سفح الجبل وتتدرج الدور فيما الى قرب القمة بشكل آخاذ ما يشكل منظراً فريداً يميزها عن غيرها من المدن، وتطل على واديين فسيحين فيهما بساتين الفاكهة وفي داخل الوادي الشرقي شلال (السيبه) الذي يؤمه الزوار والمصطافون للتمتع بمنظره الخلاب وطقسه البارد صيفاً فضلا عن عيون (كاني زرك) التي تنبع منها مياه شلال سيبه.
في الوادي الشمالي الغربي من القصبة مقام الشيخ عبدالعزيز الكيلاني، حيث المياه الغزيرة والاشجار الكثيفة، وسمي الوادي باسمه ويقصده الآلاف من الدراويش والصوفية للزيارة.
يعتقد بان (عقرة) ظهرت سنة (700) قبل الميلاد كمركز استيطاني، وان من أنشأها (الامير زيد) وسماها (عقرة) لانهم كانوا من (الزردشتيين) ويقال ان اسمها الكردي (ئاكري) مشتق من الكلمة الكردية (ئاكر) وتعني النار.
وفي عقرة مواقع أثرية تؤكد أهمية هذه المدينة عبر التاريخ، وقد عدها بعض المؤرخين من بلاد (المرج) وبالقرب منها آثار قديمة تدل على تاريخ حافل مثل (شوش، شرمن، كندك).
وجاء ذكرها في كتب البلدانيين فذكرها الحموي في معجم البلدان (والعقر قلعة حصينة في جبال الموصل، اهلها كرد وهي شرقي الموصل تعرف بعقر الحميدية).
وذكرها ابن الاثير في مواضع كثيرة ووصفها بكثرة المياه ووفرة الخيرات، وللمدينة تاريخ حافل في عهد اميرها الكردي (عيسى الحميدي).
وفي سنة (528هـ) تملكها عماد الدين زه نكي واقر عليها الامير (عيسى الحميدي) وعندما تأسست امارة (بادينان) كانت عقرة خاضعة لها وذات موقع ستراتيجي وكان يحكمها احد المقربين من الباشا او احد افراد اسرته.
وكان من حكمها من اسرة ميرسيفدينا (اسماعيل باشا الثاني آخر حكام بادينان). وأول من حصنها كان (السلطان حسين وه لي) في عام (956هـ).
يعتمد السكان في (عقرة) على الزراعة بموسميها فضلا عن بساتين الفاكهة والزيتون والرمان والتين والآجاص مستفيدين من مياه العيون المنتشرة في وديانها.
ويزرع الرز فيها بكثرة، وهو من اجود انواع الرز علاوة على التجارة حيث تعتبر المدينة السوق التجاري الرئيس للمنطقة.
مدينة عقرة في كتب التاريخ
جاء في كتاب (السلسلة العلمية) لمؤلفه (شفيق مهدي) الذي صدر في بغداد سنة1986 ما يلي: في تلك الحقبة كانت تغمر منطقة الشرق الأوسط بأكملها مياه بحر هائل أطلق عليه العلماء بحر تيثيس وبعد مرور ملايين السنين انحسرت مياه هذا البحر شيئا فشيئا وأول منطقة برزت إلى الوجود هي عقرة.
وجاء في عدد آخر من هذا الكتاب ولنفس المؤلف والسنة ص(18) وتحت عنوان (عاشت وهلكت ثم صارت نفطا) ما يلي
أصداف متكلسة من حيوانات – حاملات الثقوب – ذات الأشكال الهندسية الجميلة , عثر عليها في مناطق بحرية مختلفة يتراوح حجمها بين 1 | 100 من المليمترات وعشرة سنتيمترات ويعود تاريخها إلى اكثر من (420) مليون سنة.. عدد أنواع حاملات الثقوب 30 ألف نوع وهي معروفة في بيئات مائية مختلفة, غير أنها تفضل العيش في مياه البحر الضحلة وفي (قضاء عقرة) توجد متحجرات كثيرة لهذه الأحياء يظن العلماء إنها هي التي كونت النفط العراقي.
ويعود تاريخ إنشاء عقرة إلى العصر الطباشيري أي بداية ظهور القرى والمدن في العالم.
ولعل الاكتشافات التي يقوم بها العلماء الاثاريون مستقبلا تزيح الستار عن شيء كثير من تاريخ هذه البلدة التي هي من اقدم مدن كردستان بل العراق قاطبة.
وجاء في كتاب ((معجم البلدان)) لمؤلفه (ياقوت الحموي) الذي زار عقرة سنة (604) هج | 6ص: 194, 195, 196. و((دليل المملكة العراقية)) ص: 923, 924 وكتاب ((غاية المرام)) ص: 96, 97 ما يلي: ((والعقر (ئاكرى) أيضا قلعة حصينة في جبال الموصل أهلها كرد وهي شرقي الموصل تعرف بـ(عقرة الحميدية) وان كل فرجة بين شيئين فهي (عقر) فلا يستبعد أن تسمية هذه البلدة اقتبست من هذا المعنى لاسيما أنها تقع بين جبلين
وفي رواية أن اسمها مشتق من (ئاكر) بالكردية بمعنى النار.. والعقر جميلة واقعة على منحدر الجبل بنيت على لفح قلعتها الأثرية وتطل على واد فسيح فيه الحدائق الغنية المحتوية على أنواع الفواكه والأشجار ولكثرة خياراتها.. كانوا يسمونها (كجك استانبول) وتبتعد عن شمال شرقي الموصل64 ميلا وجل سكانها كرد.. وفي الجهة الشرقية الجنوبية من هذه القصبة شلال يتدفق منه الماء بغزارة وارتفاع فينشأ منه ما يسميه الأهون (سي به) وارتفاعه ثلاثون مترا.. وقد عدها بعض المؤرخين من بلاد المرج.
وجاء في كتاب ((العراق قديما وحديثا)) لمؤلفه ((عبد الرزاق الحسيني)) ما يلي:
(ئاكرى كائنة في المرج وقائمة على منحدر قلعتها الأثرية ويشبه هذا الجبل بتكوينه الطبيعي مدرجا رومانيا فيخال للناظر إليها من بعد أنها تتكون من طبقات بعضها فوق بعض تطل على واد فسيح بساتينه مفحومة بالأزهار وأشجاره مبدعة بالثمار.. فإذا ما مد الشتاء رواقه لبس الجبل المذكور ثوبا قشيبا من الثلوج.. وفي ئاكرى من الفواكه اللذيذة والأشجار المثمرة الكثيرة ما يفيض عن حاجاتها فتمون بها مدينة الموصل والقرى الملحقة بها.. وبطيخها من أجود أنواع البطيخ في العراق وتينها مشهور بنكهته وحلاوته.. اما الرز الذي تجود به تربتها فقد نال شهرة واسعة حتى أطلق عليه رز ئاكرى الممتاز).
بعض مصايف منطقة عقرة
توجد في قضاء عقرة العديد من المصايف التي يقصدها كل عام الاف السواح من جميع مناطق العراق منها مصيف شلال السيبه يقع في الجهة الشرقية الجنوبية من مدينة عقرة اي بمركز المدينة يؤمه المصطافون من مختلف أنحاء العراق وبخاصة خلال اشهر الصيف والخريف والربيع.
ويبلغ طول الشلال ثلاثين مترا وفيه مطعم وكازينو والكبرات وساحة كبيرة لوقوف السيارات.
مسبح كاني زه رك (العين الصفراء) ويقع في شرقي مدينة عقرة ويبعد عن مركز المدينة بمسافة (700) متر وفيه مسبح بعمق مترين ومطعم وكازينو يصله شارع مبلط وفيه موقف لوقوف السيارات ويقصد الناس هذا المسبح للاستشفاء وبخاصة خلال أربعينية الصيف فماؤه يفيد لعلاج مرض الصفراء.
بستان الامير او (ره زى مير) يقع في شمالي عقرة وفيه عدد من الينابيع وبركة ماء على شكل مسبح قريب من عقرة بحوالي400 متر ويقصده أبناء عقرة خلال اشهر الربيع فتقام فيه الدبكات المختلفة على أنغام الطبل والزورنا.
وبالأصل كان هذا البستان الكبير ملكا للأمير (إسماعيل باشا الثاني بن الأمير محمد طيار باشا) وأوقفه لدير عقرة.
راس التل (سه رى كرى) وهو تل كبير يقع في وسط المدينة وقد اخذ مساحة كبيرة منها يصل قمته شارع مبلط فنيا وتم إنشاء مركز للحركة الثقافية على سطحه وتم تغذيته بالماء والكهرباء.. يقصد الناس هذا التل خلال اشهر فصل الربيع وعلى قمته توقد النيران إيذانا بحلول نوروز فتضفي عليه منظرا خلابا.
وادي شيخ عبدالعزيز الكيلاني (كلى الشيخ عبد العزيز) وهو واد طويل محفوف بالأشجار الكثيرة وينابيع الماء الغزيرة وفيه مرقد المجاهد الكبير الشيخ عبد العزيز بن الشيخ عبد القادر الكيلاني الذي شارك مع أبناء عقرة في تحرير مدينة (عسقلان) الفلسطينية سنة (583هج – 1187م) بقيادة القائد الكردي الاسلامي صلاح الدين الأيوبي.. ويؤم هذا الضريح للتبرك من مختلف أنحاء العراق بخاصة من بلاد الهند وباكستان وأفغانستان.
خلف الوادي (بشتا كه لى) يقع هذا الموقع الجميل في شمال قلعة عقرة الأثرية ويبعد عن مركز المدينة (500) متر يقصده الناس في أيام فصل الربيع وتقام فيه الدبكات الشعبية على أنغام الطبل والزرنا وقد خلد هذا الموقع عدد كبير من فناني كردستان في أغانيهم الفولكلورية.
(مه ميى) ويقع هذا الموقع السياحي الجميل بغاباته من الأشجار السرو في شرقي مدينة عقرة يقصده أبناء عقرة بخاصة النساء بصورة جماعية في الربيع. وهو قريب من المدينة يقع فيه نبع ماء يفيد طينه وماؤه في علاج الأمراض الجلدية.
مصيف وادي زنطة (كلى زنته) ويقع هذا المصيف ضمن حدود ناحية بجيل ويبعد عن مدينة ئاكرى (12) كم وهو واد عميق يقع بين جبلين ويجري في وسطه نهر كبير يدعى (بريشو) يضم كازينو سياحياً يقصده الناس في مختلف اشهر السنة.
ويحيط بهذا الوادي من جهة الشرق جبل (سه رى سادا) ومن الغرب جبل (سه رى كيسكى). ويضم هذا المصيف عدداً كبيراً من العيون الغزيرة يتدفق منها الماء على مدار السنة ويصله شارع مبلط ويمتد إلى ناحية دينارته.
قمة سه رى سادا وهو مصيف جميل تكتنفه الغابات الكثيفة وتكثر فيه أشجار البلوط وهذا المصيف عبارة عن جبل شاهق يطل من ناحية الجنوب على (ناحية بجيل) مركز الناحية المسماة باسمها ومن الشمال على ناحية دينارته يكثر فيه طائر الحجل.
وفي اشهر الصيف يخيم على قمم جبله رعاة من عشيرة السورجية لكثرة المراعي الموجودة هناك. ويصل هذا المصيف شارع مبلط من ناحيتي الشمال والجنوب. ويقع هذا المصيف ضمن حدود ناحية بجيل الذي يبعد عن مدينة عقرة (13) كم. ويبعد عن مركز ناحية بجيل كيلومترين فقط.
مصيف ئامادا ويقع هذا المصيف ضمن حدود ناحية دينارته الذي يبعد عن مدينة عقرة (15) كم وعن مركز ناحية دينارته ثلاثة كيلومترات. يقصده الناس خلال اشهر الربيع وتكثر فيه غابات البلوط. ويجري فيه نهر صغير. وسمي بهذا الاسم نسبة إلى قرية (ئامادا) ويصله شارع مبلط.
مصيف كربيش وهو مصيف جميل تكتنفه غابات من أشجار الجوز ويقع ضمن حدود بلدية دينارته ويبعد عن مركز الناحية ثلاثة كيلومترات وعن مدينة عقرة (21) كم ويصله شارع مبلط ويضم هذا المصيف عددا كبيرا من العيون تشكل مياهها نهيرا أو بالأحرى جدولا. وتحيط بهذا المصيف الجبال الشاهقة من ثلاث جهات ماعدا من جهة الجنوب. وهو مصيف فسيح يقصده الناس خلال فصل الربيع وخاصة في فصل الصيف ويضم كازينو ومطعماً. وسمي بمصيف كربيش نسبة الى قرية (كربيش) القريبة منه ويطل من شماله جبل بيرس الشهير.
مصيف وشلال سيلى.. ويقع هذا المصيف بالقرب من قرية (دفرى) وفيه شلال يتدفق منه الماء من علو جبل شاهق وهو ضمن ناحية دينارته ويبعد عنها سبعة كيلومترات وعن مدينة عقرة (25) كم. وتكتنف هذا المصيف الغابات وأشجار الكروم والفواكه المختلفة ويضم كازينو سياحياً جميلاً يقصده الناس خلال اشهر الصيف ويصله شارع مبلط مصيف وشلال كورتكا ويقع هذا المصيف ضمن حدود ناحية دينارته وهو مصيف جميل ويضم شلالاً يتدفق منه الماء من علو شاهق يبعد عن مركز الناحية عشرة كيلومترات تكتنفه الجبال والغابات، يؤمه الناس خلال فصل الصيف. وفي مدينة عقرة وحدها توجد اكثر من ثمانين عين ماء وهي موزعة على ثلاثة من أحيائها. كوره فا وجوسته يى وقابه كى.
عقرة مدينة الفصول الأربعة
يتمتع مناخ عقرة بصورة عامة بانه حار صيفاً وقارس البرد شتاء ويتجاوز معدل الحرارة صيفا (35°) وفي الشتاء تنخفض درجات الحرارة دون الصفر أحيانا.
ونظرا للانخفاض الشديد لدرجات الحرارة في الشتاء نجد أمطارها تسقط في الكثير من الاحيان على شكل برد (حالوب) أو على شكل ثلوج.. وتظهر في عموم قضاء عقرة الفصول الأربعة.. ومما هو معلوم أن نواة أو لب فصل الشتاء في عقرة هو ما يسمى بالأربعينية ومحليا يسمى (جله) وتبدأ في (24 كانون الأول وينتهي في3 شباط) من العام المقبل واخطر أيام الشتاء وهو ما يسمى (عنتر) ويبدأ مباشرة بانتهاء الأربعينية ويدوم (12) يوما وفي الليلة السادسة منه يسمى (كاى صور – الثور الاحمر) ول كاى صور قصة يتناقلها أبناء ئاكرى مفادها أن أحد المعمرين الكرد كانت له خبرة وتجربة متناهية في معرفة الأحوال والأنواء الجوية.. نظر إلى السماء في مساء يوم الخامس من عنت.. وكانت السماء زرقاء صافية وكل شيء يوحي بالهدوء والسكينة، دلف الرجل إلى داره وخاطب أبناءه الأربعة قائلا: قوموا يا أبنائي وانحروا الثور الأحمر.. ظن أبناؤه أن ما يقوله والدهم من باب الهزل والمزاح.. ولكن أباهم قطع الشك وما يدور في رأسهم قائلا بجد وحزم سارعوا إلى ذبح الثور الأحمر.. وهنا فغر الأبناء أفواههم دهشة وقالوا: لكن يا أبتاه ما لنا سوى هذا الثور فكيف نحرث الأرض في الربيع فرد عليهم قائلا: يا أولادي ستكون هذه الليلة ليلة ليلاء وسوف تسقط الثلوج وتغطي الجبال والوديان والسهول ومنازل قريتنا.. سارعوا إلى أهل القرية واخبروهم بالأمر وان يستعدوا لها، ليلة السادس من عنتر.. ولكن لم يأبه أحد من سكان القرية إلى نصيحة الرجل المعمر
نحر الأبناء الثور امتثالا لأمر أبيهم وقطعوا لحمه إلى قطع صغيرة ووضعوها في قدر كبير.. استغرق أهل القرية في سبات عميق.. وقبل منتصف الليل تلبدت السماء بغيوم بيضاء داكنة وعصفت الرياح وكانت إيذانا بسقوط ثلج غزير غطى كل شيء. وفي الحال صعد اثنان من أبناء المعمر سطح دارهم وبدآ ينظفانه من الثلج المتراكم بآلة خشبية تسمى (بفرك) وعادا أدراجهما إلى داخل الدار وصعد الاثنان الآخران وبدا التناوب بين أبناء الرجل وما أن حل الصباح وكانوا قد التهموا كمية كبيرة من لحم الثور. ولكن الكارثة قد حلت بأهل القرية فقد انهارت البيوت على رؤوس أصحابها ولم يسلم أحد منهم من الموت سوى الرجل وابنائه الأربعة.
عبد الحميد زيباري
رد مع اقتباس
