لايختلف محمد عن غيره من الناس الذين بدأوا طفولتهم بعشق ممارسة هوايات متعددة استمرت معهم حتى مرحلة الشباب الا ان ذلك العشق اخذ يخفت بريقه تدريجيا مع تقدم السنوات لأسباب مختلفة باتت تؤثر في ميوله ورغباته وتشغل فكره فتسرق منه مواهبه وتخفيها في ذاكرة الاهمال ثم النسيان.
تغيرات ومفاجآت
يشير محمد ناهي (موظف) الذي دخل العقد الرابع من عمره الى انه كان يهوى الرسم والخط ومازال لايعرف بالضبط متى انتهت لديه تلك الميول اذ ان الظروف الصعبة والازمات التي تعرض لها البلد جعلته يصب كل اهتمامه في عمله الذي يقضي معظم وقته فيه كما ان مسؤولياته في الحياة اتسعت ويضيف : ان الاستمرار فيها اضحى امرا مستحيلا لان لاشيء يدوم الى الابد فليس هناك برنامج محدد فكل مايحيط بنا متغير والمفاجات تداهمنا دوما واغلبها تاتي قاسية تؤثر في خياراتنا لمانحب ان نعمل ولو ان تلك المواهب والمهارات صقلت بالدراسة لتحققت الديمومة فيها بينما يجد المتقاعد عبد الحسين هاشم ان الرياضة هي انسب هواية لكل الاعمار لذا لم يتنازل عنها اطلاقا مدى سنوات عمره التي اقتربت من 60 وكانت لديه مشاركات ونشاطات سابقا موضحا: قد يحدث توقف عنها الا انه في الغالب يكون مؤقتا لاسيما وان حاجة الوضع الصحي لها باتت ملحة وضرورية فاقتصرت على المشي بالرغم من اهتماماته الجديدة التي توزعت مابين مشاهدة مايعرض في التلفاز والسفر بين اونة واخرى
هي مهنتي.
وعادة ما تختلف هوايات البنات عن الاولاد كثيرا في الصغر وتلغى تماما بعد الزواج تستذكر فاطمة سالم ايام زمان عندما كانت تصنع اللعب والدمى وتقوم بخياطة الالبسة لها وتعمل اشغالاً يدوية بما فيها الحياكة والرسم لكنها كبرت وتزوجت فغادرت اهتماماتها تلك وما ان وجدت نفسها امام هّم كبير وزوج فاشل اضطرت للانفصال عنه بعدما انجب خمسة اولاد وعادت لاستثمار مواهبها المتعددة في العمل تؤكد بانها اصبحت خياطة ماهرة وكل من يرى تصاميمي يصفني بالفنانة والمبدعة وقد طورت مهاراتي فيها فاضحت مهنتي الوحيدة التي احصد منها رزق ابنائي في حين مازال يعكف سيف ثامر (اعمال حرة) على تربية الحيوانات الاليفة بمنزله وقد هيأ مكانا مخصصا لغرض ذلك ورغم ماتسبب هوايته تلك من ازعاج لعائلته لكنه لايستطيع ان يعيش من دونها ولو فسح المجال له لجمع اكبرعدد منها بحسب مايشير موضحا: اجد متعتي بها ولكنها ليست مصدر رزقي بل على العكس احيانا تكلفني مصاريف كثيرة.
تصوير بغداد
من جانب اخر يشرح سمير عبدالله (موظف) ماكان عليه في السابق شغوفا بالمراسلة البريدية وتعارف الاصدقاء في المحافظات والخروج بسفرات ترفيهية اما بالوقت الحالي فان الفيس صار ياخذ حيزاً كبيراً من اهتمامه ومن خلاله يسعى للتعرف على عالم من الاصدقاء يقول : اشفق على اولادي لانهم حرموا من الاشياء المتواضعة والجميلة لذا اسعى للجلوس معهم دوما لاغرس فيهم حب بعض المهارات فنحن رغم بساطة ماكنا نمارس من هوايات منها جمع الطوابع والاحتفاظ بالصور القديمة كنا نشعر بقيمة وجودها في حياتنا بينما طبيبة الاسنان شهد العبادي فقد برزت لديها هوايات مؤخرا اذ اصبحت تميل الى تصوير الاماكن الجميلة في بغداد وهي في طريقها بسيارتها وتصمم صورها عليها وترسلها لكل الاصدقاء والمعارف بالخارج قد تبدو هواية غريبة الاانها دفعتها لتعلم التصميم ايضا الى جانب اهتمامها بالقراءة ومتابعة الاوضاع السياسية والاجتماعية وادائها اعمالا وانشطة تطوعية شبابية لمساعدة المحتاجين وذلك من ضمن انشطتها التي لاتتخلى عنها اطلاقا تؤكد ان التنوع بتلك الهوايات تاخذها لمسافات بعيدا عن الهموم اليومية وتخلق لها اجواء عذبة برغم ضيق الوقت لديها وما شجعها استغلال العطل والمناسبات وبرايها ان الهوايات تتغير احيانا حسب المرحلة العمرية او الظروف التي نعيشها.
بين الماضي والحاضر
تفسر الدكتورة ناهدة عبد الكريم استاذة علم الاجتماع في كلية الاداب جامعة بغداد: لايخفى على احد اهمية الهوايات في حياة الفرد ومدى فائدتها له مهما كان عمره فهي تضفي عليه احساساً بالراحة النفسية وتخرجه من الروتين اليومي القاتل والمعروف ان الهوايات تحددها المواهب التي تاتي وتنمو بالفطرة او التي تكتسب من المحيط ومن الطبيعي ان نوعيتها اخذت تتغير تدريجيا على مر الزمن للتحول الكبير الذي طرأ في المجتمع فالاجيال لم تعد متشابهة في ميولها ومايقدم امامها من امور وفي السابق كانت محدودة ومتواضعة وممتعة اكثر ولاتشكل خطورة اما الان ظهرت هوايات حديثة بعد التطور العلمي ودخول التقنيات التي ربما تضر بصحة الانسان فضلا عن اقتحامها تفاصيل الحياة الشخصية وكذلك لاحظنا اقبال الاطفال على ممارسة موهبة او هواية صار نادرا واذا اكتشفها الاهل قد تبقى مطمورة الا قليل منهم يمنحون الرعاية والدعم المعنوي والمادي لتشجيع ابنائهم على التواصل بها فمشاغل الحياة وتعقيداتها كثرت وانصرف الناس نحوها.
عشوائية
وتؤكد عبد الكريم ان المراهق والشاب اكثر من يحب ان يمتلك موهبة مفضلة لديه وينطلق بها نحو الابداع كونه يعتمد على نفسه في الاهتمام بهواياته سواء كانت فنية اوفكرية ولعل تلك الشريحة هي الاهم لانها مصدر للطاقة والحيوية وتنعم بكم فائض من الشحنات الايجابية التي ممكن ان تفرغ بتلك الانشطة وبالتالي تعود بالنفع عليه وقد تصادف تلك الهوايات بمرور الزمن عوائق وكلما اخذ الشاب يدخل مرحلة النضج يخف ويقل تقبله لها ولم يعد بنفس الحماس والهمة ان ذلك لاينطبق على الجميع فمن الجميل ان تستمر ممارستها مدى العمر والمشكلة الان ان اغلبية الناس يعاني من عشوائية في حياته ولذا ينبغي تنظيم الوقت والعودة الى الماضي وتختتم عادة ما تكمن حسنات ممارسة الهوايات في انها تمتص التوتر وتزيل الهموم كونها المحفز الذي يدفع بالانسان نحو تحقيق نجاحات وانجازات في عمله وبيته وتبعث السرور والتفاؤل ونحن بامس الحاجة لتلك الفسحة النقية مهما كبرنا وتغيرت امكانياتنا خاصة اذا ماوجدنا مايناسبنا.
عواطف مدلول