ثقافة لم تؤدِ رسالتها19/06/2014 06:53
عبدالزهرة زكي
لا المثقفون، كأفراد، ولا المجتمع والدولة، كمؤسسات ثقافية، نجحوا في بلورة مشروع عملي من أجل التعبير للرأي العام العالمي عن هول معاناة شعبنا وبلدنا مع الإرهاب وجرائمه في العراق منذ 2003 والتي ما زالت مستمرة.
المؤسسات الثقافية التابعة للدولة والممولة من المال العام تمتلك فرصاً كبيرة لخلق حركة مهمة في هذا الاتجاه، فوفرتها المالية وحريتها بالتحرك في كثير من دول العالم وكذلك انتشار دوائر ثقافية تابعة لها في العديد من العواصم تؤهلها لمثل هذا الدور، لكن هذه المؤسسات عملت كل ما هو غير ثقافي وغير جاد بإمكانات مالية جيدة وفشلت في أن تعطي أدنى الانطباعات عن المعاناة العراقية.
لا أدري ما إذا كان هناك إصرار مسبق على هذا الفشل، بمعنى أن هناك إرادة مسبقة لمضاعفة تغييب كارثتنا عن تلك الفعاليات والأنشطة التي نسمع كثيراً عن إقامتها هنا وهناك، لكن ما هو أكيد أن النجاح في مثل هذه المهمة، إن أردنا النجاح فيها، يتطلب في مقدمة ما يتطلبه أن يكون هناك إيمان حقيقي بمعاناتنا وبأهمية التبليغ عن هذه المعاناة، إضافة إلى التوفر على تصور ثقافي خلاق قادر على تمثّل المعاناة وعلى إقناع الآخرين، ثقافياً وإنسانياً، بهذه المعاناة ودواعيها ونتائجها اليومية في الحياة الوطنية وفي تأثير ذلك على العالم.
لقد نجحت الفعاليات الثقافية في كثير من دول العالم بتسويق معاناة مرت بها شعوب الأرض على الرغم من أن بعض الكوارث الناجمة عن تلك المعاناة لم ترقَ إلى مستوى واحدة فقط من مئات الجرائم التي عاش ويلاتها العراقيون.. لم تكن تلك الفعاليات الثقافية الدولية كاذبة وزائفة في خلق صورة المعاناة التي كانت تعبر عنها، لكنها كانت ناجحة في خلق الأثر الثقافي الذي يجعل الجريمة في سياقها المدان وفي توسيع دائرة الإدانة وديمومتها كجزء من التجربة الإنسانية التي تحرم تكرار الجرائم وتحد من فرص هذا التكرار.. لنتذكر جريمة (جيورنيكا) في الحرب الإسبانية، ولنتأمل القيمة الإنسانية لنجاح الثقافة في التعبير عن تلك الجريمة وتقديمها كعارِ في تاريخ الحروب وامتهان الإنسانية فيها.
إن أخطر حال يمكن أن نقع فيه، وربما وقع فيه كثيرون منا بمستويات مختلفة، هو (التعايش) مع ظروف الجريمة والقبول بها (كأمر واقع)، وهو حال يفسر ما يمكن تسميته بـ (اللا أبالية) و(فتور) المشاعر إزاء أبشع الجرائم وذلك بعد يوم أو يومين على حدوثها، ولعل هذا يفسر جانباً من أسباب غياب المبادرات التي تضع البشاعة بحجمها الحقيقي والوصول بها إلى العالم.
فالمثقفون، كأفراد، هم أيضاً عجزوا عن السعي لابتكار فرص تتيح لهم نقل معاناتهم ومعاناة شعبهم مع الإرهاب. لا يكفي الواحد منا أن يكتب قصيدة أو مقالاُ أو يرسم لوحة أو يقدم تحليلاً يدين فيه جرائم الإرهاب من دون السعي إلى الوصول لأوساط جمهور هي غير الوسط المحلي.
تابعت أخباراً عن نشاط ثقافي أقيم بأكثر من فعالية من قبل أميركيين وبمشاركة مثقفين عراقيين مقيمين خارج البلد، كان هدف النشاط هو استثمار جريمة تفجير شارع المتنبي، لكن الطرف الأميركي الذي يدير هذا النشاط له دوافعه الداخلية الأميركية من النشاط، وهي دوافع يرجوها من النشاط ويوجهه من أجل تحقيقها وبما يجعل حاصلنا من تلك الفعاليات صفراً، إنها فعاليات تستثمر معاناتنا لأهداف لا صلة لها بتبصير العالم بجوهر مشكلتنا.
وفي الحقيقة ليس من المهم أن تقيم فعالية في أي مكان أو تشارك فيها، إنما المهم هو ماذا تريد تقديم فيها ولمن تقدّم المطلوب.