مثل شعبي، يضرب للتهكم في خيبة الآخر، او المتلقي، والاستخفاف بشهادته الدراسية، ومستواه الثقافي، عمر المثل لا يتجاوز خمسة عقود مضت، يتناقل بألسنة الحليين في مركز مدينة الحلة، وربما نقل الى مناطق اخرى، في محافظة بابل نفسها، او محافظات اخرى من خلال التلاقح الاسري، والتنقل السكني.
وقصة المثل.. ان نهر الفرات، الذي يسمى (شط الحلة) يقسم مدينة الحلة الى قسمين غير متساويين، القسم الكبير جهة محافظات (كربلاء والنجف والديوانية) ويسمى (الصوب الكبير)، وفيه تقع معظم المناطق السكنية وهي (الكراد، والتعيس، والجباويين، والمهدية، وجبران، والطاق، والجامعين)، ومنطقة الجامعين هي اصل نشأة الحلة حيث نزل فيها الامير (صدقة بين فريد) وانشأ من خلالها مدينة الحلة.
والقسم الصغير جهة بغداد، الذي يسمى (الصوب الصغير) فيحوي مناطق سكنية (وردية داخل، وردية خارج، كريطعة، كلج) واراضي زراعية واسعة وقرى ممتدة على الطريق الذي يصل الى ناحية المدحتية، والذي يسمى حاليا (الشارع السياحي).
اما الاسواق الرئيسة في مركز المدينة، فقد تجمعت في الصوب الكبير، قرب الجسر الضيق، الذي عرضه لا يسع لأكثر من سيارة واحدة، والذي يسمونه (الجسر العتيك)، يترأسها السوق الكبير الذي يسمونه (سوك المسكف) او (سوك التجار)، يجاوره سوق الخضروات الذي يسمونه (سوك المخضر)، وسوق الدجاج، جهة اليمين، فيما يجاوره سوق (الهرج) جهة اليسار.
وهناك اسواق متخصصة، وشبه متخصصة، متفرعة من السوق الكبير، او متداخلة فيه، ومنها: سوق (الصياغ)، وسوق (الصفارين)، وسوق (الركاعين) وسوق (الجللجية)، وسوق (الغزل)، وسوق (الحدادين)، وسوق (البكالين) فيما يتفرع سوق (الكصاصيب) من سوق الخضروات.
اما الصوب الصغير فيحوي سوقاً واحداً يسمى سوق (العمار) مقابل (الجسر العتيك) بامتداد الخط الافقي للسوق الكبير.
و(الدهديوه): هو المكان الذي يتوسط سوق الخضروات، قرب سلالم طولها بعرض السوق، ترفع ارضية بقية سوق الخضروات الى اكثر من متر ونصف، وهذه (الدهديوه) مكان مخصص لعرض منتوجات المزارعات الزراعية والحيوانية، دفعة واحدة (جملة)، وغالبا ما يكون المنتوج واحداً او اكثر من المواد: (فلفل، بصل، لوبيا، باميا، باذنجان، شجر، باقلاء، شلك)، وانواع من الاوراق الخضرية منها (كرفس، كراث، رشاد، ريحان، فجل)، ومنتوجات حيوانية منها (لبن، جبن، زبد)، اما البيض والدجاج، فتذهب به المزارعة الى سوق الدجاج المجاور لسوق الخضروات.
وفي منطقة (الكلج) من الصوب الصغير، وتحديدا في المنطقة التي يسمونها (عكد النهر)، والتي تبعد عن ضفة (شط الحلة) مسافة قليلة، خان كبير يسمى خان (ابن خنوس)، يقوم بادارته المرحوم (حسن خنوس)، وكان هذا الخان عبارة عن مكان لربط الحمير، قريبا منه مدرسة (الفسطاط الابتدائية التي تقع داخل بستان، وبدون سياج.
وكان التلاميذ اذا هربوا من المدرسة تواجدوا في خان (ابن خنوس) للعب مع الحمير، وحيث ان المزارعة التي تأخذ منتوجها من (الصوب الصغير) الى (الدهديوه) او (سوق الدجاج) لبيعه، تحتاج الى من يعيد الحمار و(السابل) الذي نقلت فيه المنتوج الى خان (ابن خنوس)، لتتحرر من مصاحبة الحمار في تجوالها في الاسواق للتبضع وشراء ما تحتاج من مواد ومستلزمات منزلية، ثم تعود مشيا على الاقدام الى خان (ابن خنوس) لتأخذ حمارها بعد ان تدفع اجور الربط.
قام المرحوم (ابن خنوس) بتشغيل التلاميذ المتهربين من الدوام، اثناء الدوام ومن اسرهم اثناء العطل بان يذهب احدهم مع المزارعة الى (الدهديوه) مشيا على الاقدام، ثم يعود بالحمار راكبا عليه و(السابل) الفارغ امامه، ليربطه في خان (ابن خنوس) مقابل خمسة فلوس يأخذها من المزارعة مع قليل من المنتوج يسمونه (شرهه).
استسهل التلاميذ الخائبون هذا العمل، وجعلوه بداية حياتهم المهنية حيث اخذ المرحوم (ابن خنوس) يكلفهم حسب تسلسل حضورهم، ليتسابقوا بالحضور والشاطر منهم، من يذهب الى (الدهديوه)، ويعود بسرعة، ليذهب مرة اخرى، واخرى، تاركا الدراسة والمدرسة والمستقبل، اهالي التلاميذ عندما يسألون عن اولادهم، يكون جواب الاخر، (تلكي بكلية ابن خنوس)، فنتيجة توسع هذه المهنة في خان (ابن خنوس) اصبح يطلق عليها (كلية ابن خنوس).
يضرب المثل للخائبين في دراستهم، والتهكم على مستواهم الدراسي والثقافي، وتوفي (ابن خنوس)، وازيل الخان، بالتطور والعمران، ومازال المثل قائما: خريج كلية (ابن خنوس).