أنثى... وجميلة
يبدا بقصة قصيرة
جاءت إلي في مساء صيفي، وأنفها قائم وفمها محمر على غير العادة!
سألتها: ماذا حدث؟ تغيرت كثيراً..
ردت: زرت عيادة خاصة بالتجميل، أنفقت ما يقرب للحصول على ما ترينه!
هل أبدو أجمل؟
- لكن أنفك كان جميلاً.
- صحيح.. لكنني أحبه فرنسياً.
- وفمك كان طبيعياً.
- صحيح.. بيد أني مللت المرطبات والملونات... هكذا أحب شكلي!
ابتسمت، وغاصت في حلقي عبارة تمنيتُ لو قلتها: (لكنك كنت أجمل وأنت طبيعية)!
المتأمل في حال الفتيات يجد الكثير من الاهتمام بعمليات التجميل، والرغبة في الخروج بنتيجة واحدة تعكس نمط الجمال لديهن، هذا الجمال المتشابه ذو السمات المشتركة.
في الحقيقة هناك الكثير من العمليات التي تجري في العيادات والتي تسبب الكثير من الإرهاصات النفسية والصحية والمادية على المدى البعيد، إضافة إلى قلة فعاليتها وفشلها أحياناً.
يقول د. إدوارد ميلميد أخصائي جراحات التجميل والذي أدلى بشهادته أمام المجلس الاستشاري لإدارة الأغذية والعقاقير في شهر أكتوبر الماضي إن إحدى المراهقات التي جاءت إلى عيادته(ظنت أن الأمر سيبعث على التسلية والإثارة، إنهن ينظرن إلى هذا النوع من العمليات وكأنه تصفيف للشعر أو شراء ساعة جديدة. ولم يكن لهذه المراهقة أدنى فكرة بأن العملية عملية جراحية خطرة).
ويضيف د. ديفيد ساروار الطبيب النفسي في مركز المظهر البشري في كلية الطب في جامعة بنسلفانيا: (أكبر باعث للقلق لدينا هو أن المراهقين لا يستوعبون أو لا يقدرون بالضرورة الديمومة النسبية للتغيرات الناجمة عن هذه العمليات).
هذا النموذج الجمالي الواحد هو المسبب للكثير من المشاكل لدى الفتيات فهي تطالعه بإغراق في كل مكان من صحف ومجلات وقنوات تلفازية.. دون أن تدرك أنها بأنوثتها الخاصة أجمل، وأنها بذكاء الأنثى الرقيقة تستطيع الحصول على شكل أكثر ملاءمة وجمالاً!
(كل أنثى هي جميلة بطبيعة الحال) هكذا قال أحد المزينين الأوروبيين في لقاء صحفي معه في مجلة متخصصة بالجمال، وهذه العبارة تجعلنا نؤمن أكثر بعبثية العمليات التجميلية والترميمية التي تجري للكثير من فتيات العالم العربي.
الغريب في الأمر أن البروفيسور محمد قدري رئيس قسم الجراحة في جامعة القاهرة يخبر أن غالبية زوار عيادات التجميل هن من الجميلات!!
مما يعني بالتالي أن الغرض في الغالب تكميلي بحت لا اضطراري.
وهذا كله يدعونا للتساؤل: ما الذي يجعل الفتيات في حرص شديد على العمليات؟
وهل يعكس هذا اضطرابات نفسية داخلية لدى زائرات العيادات، في هذا المحور تحدث عدد من المختصين النفسيين والذين خلصوا إلى نتيجة أن نقص البنية التحتية لأي شخصية تجعله يلجأ إلى البحث عما يعوضه شكلياً، مما يعني أن الأشخاص الأكثر نجاحاً في حياتهم والأكثر رقياً وكمالاً داخلياً هم الأكثر ثقة وقبولاً لأشكالهم، فالشخصيات المتزنة تسعى دائماً للكمال؛ بالثقافة والاطلاع وبناء النفس وتطويرها لا اعتبار نموذج الجمال الغربي المصّدر كقيمة فعلية للجمال الحقيقي، وبالتالي إسقاط الكثير من النقص على الذات.
(دايانا زوكيرمان) عالمة أوبئة ورئيسة المركز القومي لأبحاث السياسة العامة للمرأة والأسرة تعلق بأسف على هذه القضية قائلة: (إن هذا ليس سوى البداية، فهي –الفتاة- ترى مجتمعاً كاملا بُني على مُثل للأنوثة مغلوطة وغير قابلة للتحقيق، أعتقد أننا نعيش في ثقافة تجعلنا نقارن صورتنا ومظهرنا بصور ومظهر أناس لم يولدوا على ذلك النحو).
الموضوع ليس باليسير، فالأموال المنفقة على عيادات التجميل تتضخم شهراً بعد آخر، وحجم الإعلانات عن التجميل كمستحضرات وأدوات أو عمليات يعتبر الأعلى مشكلاً 15% من (203،79 مليون دولار) في السعودية وحدها!
لكن الحقيقة التي يغفل عنها الكثيرون هي أن الجمال متسع يضم بين جنبيه الكثير من الملامح والوجوه والألوان، وأن الجمال لا يقتصر على الشكليات فقط، بل يعمها إلى الإحساس بالحياة والمشاعر والكثير من الجماليات في الكون، كل أنثى جميلة وكل جمال هو أنثى بالطبع، ولكل أنثى جمالها المختلف فتلك بثقافتها وأخرى برقيها الأخلاقي والثالثة بتوددها لأسرتها وحنانها... كلهن جميلات بما فطر الله حواء من حسن.. فأي الإناث أنت؟