TODAY- Thursday, 27 October, 2011
مفتش الصحة: اشترينا اجهزة بملايين الدولارات لكنها مكدسة في مستشفياتنا
اطباء "يقاومون" استخدام تكنولوجيا الفحص الحديثة "خوفاط من تراجع أرباحهم
بغداد - العالم
اعترف اخصائيون في الاشعة والمفراس، بوجود عداء وممانعة يبديها اطباء عراقيون ازاء استخدام اجهزة الفحص الحديثة، ولاسيما المتخصصة منها بامراض القلب، وعزوا ذلك الى ضخامة الايرادات التي يجنيها هؤلاء من المرضى والمراجعين، كاشفين عن "تخريب" تتعرض لها تلك الاجهزة التي استوردتها الحكومة، في عدد من المؤسسات الصحية.
في هذه الاثناء اشار مفتش عام وزارة الصحة الى وجود 22 جهاز مفراس متطور تم استيرادها مؤخرا، بامكانها عمل فحوصات سريعة من دون الحاجة الى التداخل الجراحي، لكنه اشتكى قلة الاخصائيين الذين يتقنون العمل عليها، وأعرب عن استعداد الوزارة للتعاون مع اي جهة تستطيع انقاذ ارواح المرضى وتقديم خدمات الفحص بدل الانتظار 9 اشهر، معترفا بـ"فشل" الاطباء المبتعثين في العمل على تلك الاجهزة.
واسهمت سنوات الحصار واحداث ما بعد 2003 في تأخر تحديث قطاع الصحة في العراق، بعد ان كان رائدا في هذا المجال طيلة العقود الماضية. ويجبر آلاف العراقيين على التوجه الى دول الجوار لاجراء فحوصات طبية، ولاسيما القسطرة، باجهزة متطورة رغم تكاليفها الباهضة، وذلك تلافيا منهم للانتظار الطويل والاعراض الجانبية المؤلمة والتشخيص الخاطئ احيانا.
وفي حديث لـ "العالم" امس الاثنين، قال خبير واخصائي عراقي في الاشعة والمفراس، ان "التشكيك بمدى فاعلية الاجهزة الطبية الحديثة المستخدمة في علاج حالات القلب المرضية، محصور في نطاق عمل بعض الاطباء داخل البلد فقط، وكلامهم عن عدم دقة الاجهزة الحديثة، التي تستعمل حاليا في مختلف دول العالم، لا يتمكنون من قوله في اي مؤتمر طبي خارج العراق، ولو عمدوا الى التشكيك بهذه الاجهزة خارج الحدود العراقية، ستكون هناك ردة فعل عنيفة ضدهم من الاسرة الطبية غير العراقية".
ويضيف الاخصائي الذي طلب عدم الكشف عن اسمه "لولا وجود بعض الاطباء داخل البلد، ممن يشجعون استخدام التقنيات الحديثة في علاج امراض القلب، لما حصل اي تقدم يذكر في هذا الاختصاص الطبي الدقيق، ولكن سعينا الى التطور يدفعنا الى الدفاع عن قضية تطوير مهاراتنا كأطباء عراقيين، ولكن المصالح الشخصية دخلت على الخط ومنعت التطور من الانتشار".
ويتابع الخبير العراقي، الذي يدير مختبرا رائدا ومتفردا باستخدام القسطرة المفراسية في بغداد "هناك من يتعامل مع الاجهزة الطبية الحديثة على اساس عدم قدرته على امتلاك احدها، ومن المؤكد هنا انه لن يشجع على استخدام الحديث منها، ويروج لفكرة نجاح الاقدم والقضية تجارية بحتة، والا ما الذي يمنع اي انسان من استبدال سيارته السبعينية بأخرى من طراز حديث على سبيل المثال؟".
وما زال عدد كبير من الاطباء يلجأ الى الطرق التقليدية في الفحص والعلاج، ولا سيما في امراض القلب، ولا يوجد في محافظات البلاد سوى اخصائيين قلائل يستخدمون الاجهزة الحديثة. ويتحتم على مرضى القلب الانتظار شهورا لاجراء القسطرة عبر تقنية الناظور، بمعدل 5 حالات في اليوم، وبكلفة مليون ونصف مليون دينار عراقي، فيما تتيح تقنية "القسطرة المفراسية" علاج 10 اشخاص يوميا، وبنصف التكلفة المذكورة.
وعن دور الحكومة في تحديث اجهزة الفحص في البلاد، يؤكد الخبير العراقي ان "وزارة الصحة لم تدخر جهدا في الترويج لفكرة استخدام اجهزة طبية حديثة، ولم تمانع في اقامة اي مؤتمر ترويجي لهذه الاجهزة، بل تشجع دائما وتدعم هذا الاتجاه"، مستدركا "لكن هناك من هم في الكادر الوسطي الاداري للوزارة، يعمدون إلى التقليل من شأن الاجهزة الحديثة، ولا ينقلون صورة حقيقية عن واقع العلاج المتقدم، الذي يمكن ان يحصل عليه المريض فنختصر له الوقت والكلفة".وعن العقبات التي تواجه التوسع في تحديث قطاع الصحة، يؤكد خبير المفراس والقسطرة "وصل الامر الى ان يعمد بعض الاخصائيين، الى ترك اجهزة طبية متطورة استوردتها الدولة بعشرات الملايين من الدولارات دون استخدامها، كي لا يروج لفكرة العلاج بطريقة متطورة، ويبقى المريض تحت رحمة الاخصائي الذي يستخدم المشرط دون الآلة الالكترونية المتطورة".
ويشدد على "امكانية ان تقوم وسائل الاعلام بجولة في بعض المراكز في وزارة الصحة، لتجد اجهزة متروكة منذ سنة او اكثر، وبأم عيني وجدت جهازا متطورا يستخدم لتلوين الشرايين، يقبع تحت غطاء بلاستيكي في احد مستشفيات اقليم كردستان، دون ان يمسسه احد ولا احد يعلم لماذا لا يستخدمونه؟".
ويقول صاحب مختبر القسطرة المفراسية "حتى إن وجدت هذه الاجهزة في بعض المراكز الحكومية، فالاعذار أمام عدم استخدامها كثيرة، فمرة يقولون: ليس هناك من يتدرب على استخدامها، ومرة اخرى يقولون: المادة الملونة المستخدمة لتلوين الشرايين غير متوفرة، وسوى ذلك من الاعذار".
وعن اسباب العداء الذي يبديه بعض الاطباء لـ "الفحص المتطور"، يقول "من يشكك بقدرتنا على استخدام الاجهزة المتطورة في علاج المرضى، هم من الاطباء غير الكفوئين الذين يمنعون ظهور جيل من الاطباء المتنورين والمتسلحين بالتقنيات الحديثة، كي يبقى مشرطهم يعمل مقابل الرقاقة الالكترونية".ويضرب الخبير والاخصائي العراقي مثلا على حديثه، بالقول "وصل الامر لدى بعض الاطباء الاداريين في الوزارة، الى منع اخصائيي القلب من الوصول الى المستشفيات التخصصية"، مضيفا "حتى الدولة احتارت مع هذه المجموعة من الاطباء، فعمدت الى ارسال مجموعة منهم الى تركيا للتدرب على الاجهزة الحديثة، وعندما عادوا لم يستخدموها، وأرسلتهم أسبوعين الى لبنان ايضا ولم يعملوا عليها، ولا أعلم ما هذا العداء للتطور؟".
بدوره يعترف الدكتور عادل محسن، المفتش العام لوزارة الصحة، بوجود هذه المشكلة التي تكلف الدولة ملايين الدولارات سنويا، موضحا "اعمل شخصيا على موضوع ادخال الاجهزة الطبية الحديثة منذ زمن، ومثال ذلك استوردنا نحو 48 جهازا للمفراس؛ 22 منها تحتوي برامج لفحص شرايين القلب دون الحاجة الى التداخل الجراحي، واذا ما كان المريض فعلا بحاجة الى شبكة او بالون، نقوم بإجراء الجراحة".
ويقول محسن، في تصريح لـ "العالم" امس، إن "استخدام هذه الاجهزة يتطلب خبرة يفتقر اليها اطباؤنا، لأن هذه الاجهزة تدخل الى العراق للمرة الاولى ولم يستخدمها احد من قبل"، مضيفا "لو كان هناك طبيب عراقي اكتسب خبرة خاصة من خارج العراق، سأفتح له ابواب مدينة الطب ليأتي ويدرب كوادرنا، والتقي به شخصيا وادعمه بكل ما اوتيت من قوة ونمنحه ماء العين، لأن مرضانا ينتظرون القسطرة 9 اشهر في المشافي الحكومية".
ويتابع مفتش عام وزارة الصحة حديثه "لو تمكن احد الاطباء من تشخيص الحاجة الفعلية للتداخل الجراحي للمرضى، من خلال الاجهزة الالكترونية الحديثة التي بحوزة وزارة الصحة، فسيوفر علينا جهدا كبيرا، وسيفسح المجال امام من يحتاج الى عملية القسطرة فعلا لإجرائها في وقت انتظار اقل، واستبعاد من لا يحتاجون الى هذه العملية المهمة، وبالتالي ننقذ ارواح مرضانا".
وبشأن دور وزارة الصحة في هذا المجال، يقول محسن "هناك 22 جهازا حديثا جدا مختصا بأمراض القلب، ولكنها مركونة وعملية ارسال بعثات تدريب ليست بالامر اليسير، وقبل فترة حصلت على عدد من البعثات الى لندن، وحتى الان هناك فريق سيذهب للتفاوض لإنهاء قضية التكاليف، وهذا خلال الايام المقبلة".