TODAY- Thursday, 27 October, 2011
5 آلاف قطعة بحرية مركونة بشكل مهمل في شط العرب وجداوله.. والمشهد المأساوي يشبه {ذات الصواري} احيانا
سفن البصرة تباع بسعر السكراب.. وبعضها كان يبحر نحو موريتانيا ورأس الرجاء الصالح حتى التسعينات
سفن مهجورة في شط العرب الذي يعاني من تراجع مناسيب المياه في خلال الاعوام الماضية وفي الاطار الخبير البحري كاظم فنجان الحمامي
البصرة _ العالم |
|
قال ملاح عراقي ان السفن التي تشاهد مركونة ومهملة على شواطئ شط العرب في البصرة، هي كل ما تبقى من اصل 5 آلاف سفينة ونحو 20 ألف زورق خشبي مملوكة للقطاعين العام والخاص، لكنها صارت اليوم تباع بأثمان بخسة بوصفها "سكراب" او "خردة" رغم ان بعضها كان قبل 15 عاما يصل الى شواطئ موريتانيا عبر رأس الرجاء الصالح.
وذكر ان هذا الحال هو نتيجة متغيرات الحرب الاخيرة وسيطرة ايران والكويت على العمق البحري ونجاحهما في طرد العراق من المياه العميقة، وتوقف الدعم الحكومي الذي كان يساعد البحار العراقي على الوصول الى الشواطئ البعيدة في المحيط الهادي او الهندي.
ويشاهد الذاهب الى البصرة آلاف القطع البحرية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة وقد توقفت عند الكورنيش بشكل مهمل، حتى كأنك امام مرآب بحري مهجور او مقبرة للسفن. ورغم ان البعض صار يشتري تلك السفن المتوقفة لتحويلها الى مطاعم عائمة كالتي تنتشر عند ضفاف شط العرب قرب مركز المدينة، الا ان معظم السفن معروضة للبيع "بسعر الخردة" كما يقول الكابتن البحري كاظم فنجان الحمامي في لقاء مع "العالم".
ويوضح ان اكثر من 5 الاف سفينة صيد تصطف على ضفتي شط العرب وفي الانهار والاخاديد المائية الفرعية، وتباع باثمان بخسة لتشترى كخردة حديد. ويواصل حديثه بألم قائلا "هذه الخردة نجحت في التسعينيات في الوصول الى شواطئ موريتانيا ورأس الرجاء الصالح وجزر الكناري واحتوت اكثر من نصف مليون بحار ترك معظمهم المهنة بعد ان فقدو الدعم والمياه العميقة في البحر ليحل محلهم الكويتيون والايرانيون.
ويشيد الخبير البحري كاظم فنجان الحمامي بالدور الذي لعبته وزارة الزراعة في السابق لصناعة ودعم اسطول بحري "جبار" من سفن الصيد العابرة للمحيطات، ورعاية وتجهيز الصيادين، قبل ان تتعطل تلك بسبب عوامل عدة منها ايقاف الدعم وخسارة المياه الاقليمية.
ويشير الحمامي الى ان سفن الصيد الكبيرة والمسجلة رسميا انذاك بلغت اكثر من 5 الاف سفنية بقدرات حصانية كبيرة ومتباينة، يضاف اليها اكثر من 20 الف زورق خشبي او من الفايبركلاس"، مستدركا "اما اليوم فليس شط العرب وحده من يزدحم بالسفن الواقفة وحسب، بل تكاد مدينة الفاو ان تكون اشبه بمعركة ذات الصواري، في مشهد للسفن الراسية".
ويكشف الخبير البحري ان "99 % من السفن الموجودة على ضفتي شط العرب، هي سفن صيد تعطلت منذ 1980 بسبب الحرب، لكنها استعادت عافيتها بعد عام 1988 وانتشرت بشكل واسع في شط العرب والخليج العربي بضوء الدعم السخي المقدم من وزارة الزراعة منذ نهاية الحرب وحتى مطلع الالفية الجديدة".
ويرى ان "وزارة الزراعة انذاك تبنت سياسة نموذجية في توفير الدعم والاسناد لاسطول القطاع الخاص وايضا توفير الدعم والاسناد لاسطولها (القطاع العام) الذي كان يتألف من شركتين هما: شركة صيد الاسماك العراقية ومقرها رصيف العشار، وشركة الرافدين لصيد الاسماك ومقرها على الكورنيش وهي عراقية روسية مشتركة"، مبينا ان كلتا الشركتين "تعرضتا للحل وبيعتا في السنتين الاخيرتين قبل سقوط النظام السابق".
ويستذكر الحمامي "في هاتين الشركتين اسطول جبار من سفن صيد الاسماك العابرة للمحيطات، ذلك ان السواحل الموريتانية وسواحل جزر الكناري ومقتربات رأس الرجاء الصالح، والسواحل الصومالية كانت من افضل المصائد التي تتردد عليها السفن بموجب اتفاقيات ثنائية عقدتها وزارة الزراعة مع الجهات المعنية في صيد الاسماك ضمن الدول الواقعة على تلك الشواطئ".
ويتابع "كانت وزارة الزراعة انذاك توفر الدعم من خلال تجهيز السفن من القطاعين الخاص والعام بالوقود الواجب للتشغيل بموجب معدلات تأخذ بنظر الاعتبار القدرات الحصانية لكل سفينة ومجالات عملها"، لافتا الى ان الوزارة "انبرت انذاك للدفاع عن مصالح الصيادين وتأمين البيئة المناسبة لتنمية قدراتهم وتوسيع مداركهم من خلال زجهم دورات تطويرية في فنون الصيد، وكانت توفر لصغار الصيادين المكائن اللازمة المستعملة في الدفع والشباك المستخدمة في الصيد وبكافة الاحجام".
وحول الدور المناط بشركة الموانئ العراقية، يشير الحمامي الى ان الشركة "كانت توفر الاحتياجات الفنية والملاحية وتعمل على اصدار الشهادات من خلال الشعب التخصصية في قسم التفتيش البحري"، مشددا على ان "شركة الموانئ ومن خلال توجيهات وزارة النقل ما زالت تنهض بالواجبات الملقاة على عاتقها، بينما تخلفت الوزارات الاخرى عن توفير ابسط مستلزمات الدعم والرعاية".
ويوضح "لقد توقفت وزارة النفط وامتنعت عن تجهيز زوارق وسفن الصيد بالوقود الذي كانت توفره لهم باسعار مدعومة، وتخلفت وزارة الزراعة عن اداء الواجبات الاساسية المنوطة بها، ولم تعر اهمية لما الت اليه احوال الاسطول البائس".
ويشير الحمامي بشيء من الاسى "هكذا انسحبت السفن والزوارق من مصائدها ومواقعها البحرية وانزوت في الاخاديد والجداول النهرية، وخسرت وزارة الزراعة اسطولها المؤلف من نخبة من الكوادر البحرية التخصصية"، مبينا ان "عدد الكوادر البحرية يصل وقتئد الى نحو نصف مليون بحار او فني او عامل متخصص يقطنون الفاو ورأس البيشة والمعامر والفداغية والدويب وام الرصاص والصالحية وشط البصرة"، بالاضافة الى خسارة مماثلة حصلت مع الصيادين الذين يمارسون الصيد في اهوار جنوب العراق "والذين شملهم التقهقر ايضا وغادروا مهنة الصيد".
ويعتقد الخبير البحري بأن اسباب التقهقر وصعوبة العودة الى تنشيط السفن الراسية في الشواطئ العراقية تعود الى كوننا "فقدنا عمقنا اللوجستي والاستراتيجي وانسحبنا من المياه العميقة في رأس الخليج وحلت مكاننا السفن الكويتية والايرانية"، مواصلا "يضاف الى ذلك ممارسات الكويت وايران في المياه وتعرضهم للصيادين العراقيين وعدم توفير اجواء الحماية اللازمة لهم".
ويخلص الحمامي بالقول ان "السفن التي وصلت الى مختلف الشواطئ والبحار وتجولت في اجزاء العالم، تباع اليوم بابخس الاثمان وتشترى كـ"خردة" حديد ليس الا، ذلك ان شيئا لم يعد صالحا فيها ولم تعد قادرة على العمل، ولا يوجد من يقف وراء الصيادين في المياه العميقة التي فقدناها".