تحرير العراق من ظلم الفرس
قبل البدء في تحرير العراق في زمن الخليفة عمر بن الخطاب ، كان عبد الله بن حذافه سفير الرسول للملك الفارسي. وعلى خلاف هرقل ملك الروم والنجاشي ملك الحبشة، والمقوقس وكيل قيصر روما في مصر، الذين أكرموا وفادة سفراء الرسول(ص)، مزق خطاب الرسول(ص) ورماه بوجه سفيره، وأهان كسرى سفير الرسول ووضعه في السجن، وأمر عامله في اليمن (وكانت تحت الاحتلال الفارسي) أن يتقدم ويقاتل المسلمين. ولكن وفاة كسرى المفاجئة ألغت هذه الإجراءات، فعاد السفير، وألغيت الأوامر لحاكم اليمن الفارسي بمقاتلة المسلمين.
وعندما تقدم سعد بن أبي وقاص قائداً لجيش المسلمين لفتح وتحرير العراق، وكان عرب العراق قد انتفضوا مؤيدين ومناصرين لجيش الإسلام ومقاتلين في صفوفه. وسعد قريشي، أبن خالة رسول الله وصحابي وخامس السابقين للإسلام، وقاتل إلى جانب الرسول في غير موقعة، رامياً ماهراً، وملتزماً بأوامر الرسول، فيكتب إلى رستم يعرض عليه الإسلام أو الصلح. بقوله: إسلامكم أحب إلينا من غنائمكم وقتالكم أحب إلينا من صلحكم".
فيجيب رستم على هذا الخطاب المهذب: أنتم كالذباب إذا نظر إلى العسل يقول من يوصلني إليه بدرهمين، فإذا نشب فيه قال: من يخرجني منه بأربعة. وأنت طامع وطمع سيردك ".
فيرد عليه سعد بأسلوب لم يبتعد فيه عن الأدب: أنتم قوم تحادون الله وتعاندون أنفسكم، لأنكم قد علمتم أن الله يريد أن يحول الملك عنكم لغيركم. وقد أخبركم بذلك وحكمائكم وعلمائكم . وأنت تدفعون دائماً القضاء بنحوركم وتتلقون عقابه بصدوركم، وهذه جرأة منكم وجهل فيكم، ولو نظرتم لأبصرتم، ولو أبصرتم لسلمتم، فإن الله غالب على أمره. ولما كان الله معكم كانت علينا ريحكم، والآن لما صار الله معنا صارت ريحنا عليكم، فأنجوا بأنفسكم واغتنموا أرواحكم، وإلا فاصبروا لحر السلاح وألم الجراح وخزي الافتضاح والسلام". ثم جرت الأمور كما هو معروف ومؤرخ في وقائع القادسية ونهاوند.
كان حكام الفرس ظالمين لشعبهم، فاندلعت ما يشبه أحداث حرب أهلية، قتل خلالها الملك يزدجر، وتهاوت الدولة، فيما وجد فقراء الفرس الفرصة للتحرر والانضواء تحت خيمة الرحمة والعطف الإسلامي. هكذا بدت بلاد فارس أمام مستقبل جديد. ولكن الأمر لم يستغرق طويلاً حتى ابتدأت غيوم سوداء تتجمع فوق سماء بلاد فارس، فإذا هم وراء كل دعوة سوء، أو تدعو للانشقاق، تحت أي عنوان أو مسمى، طالما تنطوي على إضعاف للعرب والإسلام. أنظر وتأمل هل هناك ابلغ من هاذين البيتين من الشعر يصف فيهما نصر بن سيار حاكم الأمويين الفرس:
قوم يدينون ديناً ما سمعت به عن الرسول ولا جاءت به الكتب
وإن يكن سائلي عن اصـل دينهم : هو أن تقتل العـرب
ونصر بن سيار كتب تلك الأبيات للخليفة الأموي الأخير مروان بن محمد، الموقف السياسي الخطير في بلاد فارس ينبهه، ولكن ساعة الأمويين كانت قد أزفت فكتب نصر مرة أخرى إلى الخليفة محذراً وواصفاً:
أرى خلل الرماد وميض نار يوشك أن يكون لها ضرام
فالنار بالعودين تذكى والحرب أولها كلام