النتائج 1 إلى 3 من 3
الموضوع:

دركوكو السارد منفيا

الزوار من محركات البحث: 30 المشاهدات : 612 الردود: 2
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    عضو محظور
    تاريخ التسجيل: October-2011
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 213 المواضيع: 182
    التقييم: 7
    آخر نشاط: 15/June/2013

    دركوكو السارد منفيا

    تنتمي قصة (دروكوكو) للقاص الرائد محمود عبدالوهاب، إلى ما يسمى بـ(الميتاقصة)، وهو مصطلح يعود الفضل في نحته إلى الناقد والروائي الأمريكي (وليم جاس) في كتابه ( الأدب القصصي وأشكال الحياة).
    ويقصد بالميتاقصة، ذلك الصنف من القصص، التي يستقطب الكاتب فيها رؤاه الخاصة في عملية الخلق الفني، ويجعل منها مادة للكتابة القصصية، بحيث يبدو وكأن القصة تعي ذاتها أثناء الكتابة .وهذا الأسلوب الذي بدأه الكاتب الانكليزي لورنس ستيرن في روايته ذائعـــــــــــة الصيت
    ( تريسترام شاندي ) اعتمده فيما بعد، عدد من الروائيين، نذكر منهم على سبيل المثال، أندريه جيد في روايته ( مزيفو النقود ) وألدوس هكسلي في روايته ( نقطة مقابل نقطة ) ولورنس داريل في ( الرباعية الاسكندرانية ) ومن ثم أصبح السمة السائدة في معظم أعمال جون فاولز، بخاصة في روايتيه ( جامع الفراشات ) و ( امرأة الضابط الفرنسي ) وقصته الطويلة ( كوكو المسكين )، فضلاً عن بعض أعمال فلاديمير نابوكوف وجون بارث وتوماس بنجون ودون ديليلو وغيرهم .
    تتلخص قصة ( دروكوكو ) في ثلاثة مشاهد، تتناوب ما بين السرد الذاتي والسرد الموضوعي، مشهدان اثنان طويلان نسبيا، وثالث قصير جداَ .
    المشهد الأول: سرد ذاتي، إذ يروي السارد حكايته الخاصة بضمير المتكلم ووجهة نظر مفردة، كما في قوله: ( تباطأت عند المدخل، استوقفني الجو الذي أمامي .. ) .
    المشهد الثاني : سرد موضوعي، إذ يخرج السارد من فضاء حكايته الخاصة، ليروي الأحداث من وجهة نظر مراقب خارجي، كما في هذا المقطع الوصفي، حيث يصور الفتاة التي تجلس إلى جواره : ( تبدو وهي في بنطالها الجينز الأبيض وقميصها الرجالي ذي المربعات وخفّيها المزركشين، كما لو أنها تتحرك في مرآة من ماء ) .
    المشهد الثالث، يعود أسلوب السرد ذاتيا مرة أخرى، إذ يدخل السارد مجدداَ فضاء حكايته الخاصة، بقوله : ( أين القهوة ؟) ليقفل بهذه الجملة الاستفهامية القصيرة النص، كما بدأه بضمير المتكلم .
    تروي ( دروكوكو ) حكاية كاتب يضيق ذرعاَ بمدينته الصغيرة الخانقة، فيهرب منها، أحياناَ، إلى مدينة أخرى تلبي رغباته المكبوتة.
    يبدأ السارد حكايته على هدا النحو: (أزور هده المدينة أحيانا، فلم تعد مدينتي تلبي رغباتي، لقد أخذت مدننا الصغيرة، تنأى عن حاجاتنا، نحن الذين نفترض أنفسنا كتاباَ، غالباَ ما كانت مدينتي تضيق عليّ، كما لو أنني، أنا الرجل، أرتدي ثياب طفل، ماذا تفعل في هذه الحالة..؟).
    ما يفعله السارد، هو أن يغادر مدينته، وإذ يجد نفسه في فضاء مدينة كبيرة، ينسلخ عن شخصيته الحقيقية، ليتقمص شخصية أخرى، كيما يشعر بحرية أكبر، فلم يعد، هذه المرة، رمزاَ أو علامة في ذهن الآخر، كما هو الأمر معه في مدينته، بل يقف الآن بعيداَ، خارج نسق تلك الشبكة من العلاقات، التي تشرط له حياته وتحدّ من حريته.
    " اتقمص في المدينة الكبيرة شخصاً آخر انسلّ من كتاب روائي: خاوي الجسم، خداه خاسفان، يرمق بعينيه الغرابيتين النهار الشتوي الرمادي، شاعراّ بنشوة الانفصال عن
    ذاته ) .
    لاحظ ، التعقيد الذي ينطوي عليه مثل هذا الوصف، والذي استطاع القاص أن يتخلص منه ببراعة، فالسارد، هنا، لم يصف نفسه، بل الشخصية التي تقمصها، الشخصية التي انسلخت عنه، ففي الأدب التخييلي لا يمكن للشخصية أن تصف نفسها، إلاّ عندما تكون واقفة أمام المرآة مثلاً، حيث تتبدى صورتها أمامها، إلاّ أن القاص، وبحكم تجربته القصصية الطويلة، كان مدركاً لهذه اللعبة الفنية، فمهد للأمر بهذه العبارة " اتقمص في المدينة الكبيرة شخصاً آخر.. " ثم يصف هذا الشخص بأنه " خاوي الجسم، خداه خاسفان.. " وبذلك يكون قد تفادى مخاطر الوقوع بهفوة تقنية كهذه.
    وعندما يجد السارد نفسه، بعد حين، داخل كافتريا مسرح، يتأمل قصته المنشورة على صفحات إحدى المجلات، يلقي نظرة بانورامية عما حوله، فيسترعي انتباهه وجود ثلاث شابات: الأولى، التي تلامس كتفه، في عزلة عما حولها، دلالة على اختلافها عن الأخريات، أما الفتاتان اللتان بجوارها، البدينة وذات النظارة، فتثغوان بلا انقطاع، كما يصفهما.
    " قالت البدينة للشابة :
    ـ إلى متى ستبقين صامتة؟ تكلمي.
    استدارت الشابة نحو النافدة، فانعكست هيئتها على الزجاج، ملامح ناتئة، تنطوي على اعتداد بالنفس، وبلا مبالاة، أفردت ذراعيها لتنشر صفحات المجلة على المائدة " .
    في هذه القطعة يصبح أسلوب السرد موضوعياَ، بعدما كان ذاتياً، ونرى ملامح الفتاة، وقد انعكست على الزجاج، من خلال حقل السارد الإدراكي، وكأنه ينظر بعين الفتاة، من النقطة التي تجلس فيها .
    لكنه سرعان ما يعود إلى فضاء حكايته الخاصة، ليتحول السرد ذاتياَ مرة أخــرى: ( من مكاني لمحت عنوان قصتي، حيث كانت الشابة تسند نظراتها إليها ) .
    من هنا، يغدو السرد متداخلاَ، تارة بأسلوب السرد الذاتي، وتارة بأسلوب السرد الموضوعي، والسارد في الحالة الثانية محدود العلم، يتميز بتجاهل العارف، لا يمنح نفسه القدرة على الدخول في وعي شخصياته، وهو بارع في كونه يعرف متى يتعين عليه أن يظهر ومتى يختفي، وهو فضلاَ عن ذلك يتميز بصوت واطئ، لا يخبرنا مباشرة بما نود معرفته، بل يترك عملية الإخبار لتقوم بها الشخصيات بنفسها، كما في هذا المشهد:

    " إنه الآن في مكتبه .
    سألت البدينة :
    ـ من ؟
    قالت الشابة :
    ـ كاتب هذه القصة.
    زحزحت البدينة كرسيّها .
    ـ كيف عرفت ؟
    ـ إني أراه، كأنه أمامي "
    ـ من ؟
    ـ كاتب القصة.
    ـ ولماذا هو في مكتبته الآن ؟
    أجابت الشابة بصوت خفيض وواثق:
    ـ لو لم يفعل ذلك، فكيف يكون كاتباً ؟ "
    ولكن القاص، ما يلبث أن يفاجئنا بانحراف حاد في موضوعاتية السرد، إذ لم تعد الحكاية حكاية السارد، هذه المرة، بل تظهر لدينا حكاية أخرى داخل الحكاية الرئيسة، تشكل فيها حادثة موت همنغواي الثيمة المركزية، وبذلك تتولد لدينا نواتان قصصيتان، ينشأ عنهما مستويان سرديان، يتبنى سرد المستوى الأول، كما عرفنا، سارد يروي حكايته الخاصة، بضمير المتكلم، فيما تتبنى الفتاة الشابة سرد المستوى الثاني، حيث تروي قصة موت همنغواي، بضمير الغائب، والفتاة الشابة، هنا، بخلاف السارد الأول، تتميز بالمعرفة الكلية، وهي تشبه السارد في فطنتها وذكائها، إذ يحظى خطابها، هي الأخرى، بقيمة أدبية، وكأن القاص خلع شيئاَ من بلاغته على أسلوبها.وينسحب السارد الرئيس، في الحكاية الداخلية، انسحابا يكاد يكون تاماَ، ويظلّ دوره مقتصراَ على التوجيهات المسرحية وترتيب المشاهد لإدامة التتابع السردي، وهو يكتفي بالإشارات والتوجيهات ذات الأهمية فقط كي يخفف من اظهار صوته في النص.
    وحالما تبدأ الفتاة بسرد حكاية همنغواي، حتى يغدو السارد منفياً وتكون قصته الخاصة قد انطوت إلى الأبد، ولم يبق منها غير جملة استفهامية قصيرة جداً ( أين القهوة ؟ ) ينطق بها في نهاية النص، ليقفل بها الحكاية برمتها .
    تستهل الفتاة الشابة حكايتها بمقطع شعري يشير إلى قوة الموت فينا، كيما تحيلنا إلى النهاية المأساوية التي انتهى إليها همنغواي بموته انتحاراَ :
    " وكما يوجد في لبّ عصير الليمون الأصفر
    العصير الحمضي
    كذلك يقبع الموت في نخاعك "
    فعندما تسألها البدينة بأنها لم تفهم شيئاَ، تجيبها الشابة :
    " ـ إنه المصير، هل سمعت بهمنغواي؟
    ـ أتذكر إني قرأت بعض أشعاره .
    ـ همنغواي ليس شاعراَ يا غبية، إنه كاتب ومقامر وصياد ومتنقل دائم "
    ثم تروي الفتاة الشابة لزميلتها الكيفية التي انتحر بها همنغواي: " تناول عشاءه وأنشد مع زوجته ماري أغنيتهما المحببة... وفي الصباح حدّق من خلال ماسورة بندقيته، إلى وجه الموت، ودوت طلقة ".وتستغرق الفتاة في سرد مأساة همنغواي، كما لو كانت شاهدة على موته، فحينما تسألها البدينة ( لماذا فعل ذلك ؟ ) لم ترد عليها، بل تسترسل في سرد الحكاية وكأنها تغمغم مع نفسها:
    ـ لم تسمع ماري الدويّ. كانت منشغلة بتهيئة الغرفة للصباح الجديد. رفعت ستارة النافذة، نقلت أصيص الزهور. كان الهواء مثل موجة على شاطئ رملي فسيح، والغرفة تتسع وتزداد بياضاً كأنها قطعة من جليد جبلي .وتنجح زميلتها البدينة في مقاطعتها هذه المرة: " أين قرأت هذا؟"ولكن الفتاة، تبدو وكأنما تنش ذبابة عن وجهها، تجيبها سريعاً، ثم نستغرق مجدداً في وصف حالة "ماري" تلك اللحظة:
    ـ لم أقرأه. تنتقل ماري الآن بحجمها الضئيل أمام عينيّ. أكاد أسمع هسيس خفيها.
    وتتماهى الفتاة في سرد المأساة، بحيث أن أسلوب سردها نفسه يقترب، في هذه المقاطع، من أسلوب سرد الكاتب الأمريكي، حيث الجملة قصيرة، مقتضبة ومكثفة.ويبدو ان القاص استعاض بشخصية الفتاة في سرد الحكاية الداخلية، كيما يظهر صوته في حدّه الأدنى، ويخفف من حضوره كذات نرجسية في النص، وبقيامها في سرد حكاية همنغواي، تكون الفتاة قد سدت الفجوة التي غفل القاص عن ملئها، بحجبه قصته المنشورة في المجلة، ولعله فعل ذلك عمداً، ابتغاء كسر إيهام القارئ ووضعه أمام شكل من أشكال القص لم يألفه من قبل، وقد نجح القاص، من خلال استخدامه هذا الأسلوب، في تحطيم الإطار القصصي، الذي درج عليه أسلوب السرد التقليدي.

  2. #2
    باقية في قلوبنا ما حيينا
    ☜ no LOVE no PAIN ☞
    تاريخ التسجيل: September-2011
    الدولة: Rented house in Mars
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 8,463 المواضيع: 692
    صوتيات: 2 سوالف عراقية: 9
    التقييم: 559
    مزاجي: Not ur business
    موبايلي: sgh-c270 & HTC HD2
    مقالات المدونة: 5
    شكرا جزيلا ع المجهود

    كل الود

  3. #3
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: October-2011
    الدولة: في دفتر ذكرياتي
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 994 المواضيع: 72
    صوتيات: 0 سوالف عراقية: 5
    التقييم: 43
    مزاجي: حزين
    المهنة: nurse
    أكلتي المفضلة: اكل امي
    موبايلي: NOKIA C6
    آخر نشاط: 8/August/2018
    الاتصال: إرسال رسالة عبر Yahoo إلى حمود سطو
    مقالات المدونة: 2
    شكرا عالموضوع

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال