اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
اعتاق الامام موسى بن جعفر عليهما صلاة الله وسلامه للعبيد !
« خرج الامام من يثرب مع حاشيته وبعض أولاده إلى ضياعِهِ الواقعة بساية (14)، وقبل الانتهاء إليها استراحوا في بعض المناطق المجاورة لها ، وكان الوقت آنذاك شديد البرد ، فبينما هم جلوس إذ خرج إليهم عبدٌ زنجي فصيح اللِّسـان ، وهو يحمل على رأسه قِدراً يفور ، فوقف أمام غلمان الامام وقال لهم : ـ أين سيِّدكم ؟ ـ هو ذاك ، وأشاروا إلى أبي الحسن . ـ أبو مَن يكنّى ؟ ـ أبو الحسن . فوقف بين يديه وهو يتضرّع قائلاً له ـ يا سيِّدي ! هذه عصيدةٌ أهديتها إليك .
فَقَبِلَ الامام هديّتَهُ وأمره بأن يضعَها عند الغلمان ، فوضعها عندهم ثمّ انصرف ، فلم يلبث حتّى أقبل ومعه حزمة من الحطب فوقف قبال الامام وقال له : يا سيِّدي ! هذا حطبٌ أهديتَهُ إليك . فَقَبِلَ هديّتهُ وأمره أن يلتمس له قبساً من النار ، فمضى قليلاً ثمّ جاء بالنار ، فأمر الامام بكتابة اسمه واسم مولاه ، وبعد تسجيله أمر بعض ولده بالاحتفاظ به عند الحاجة ، ثمّ أنّهم رحلوا إلى ضياعهم فمكثوا فيها أيّاماً ، وبعدها اتّجهوا إلى بيت الله الحرام ، فاعتمر فيه ، وبعد فراغه أمرَ صاعداً أن يفتِّش عن مالكِ العبد وقال له : إذا علمتَ موضِعَهُ فأعلِمني حتّى أمشيَ إليه ، فإنِّي أكرهُ أن أدعوهُ والحاجة لي .
فمضى ففتّش عن الرّجل حتّى ظفرَ به ، فعرفَهُ وعرفَ أنّه مِمَّن يُدينُ بالامـامة ، وبعد السّلام عليه سأله الرّجل عن قدومِ الامام فأنكر عليه صاعدُ ذلك ، ثمّ سأله عن سبب مجيئه ، فأخبره بأن له حوائجَ دعَتْهُ إلى السّفر ، فلم يقتنعِ الرّجلُ بذلك ، وغلب على ظنِّه تشريف الامام إلى مكّة ، ثمّ ودّعه صاعد وقفل راجعاً إلى الامام ، فتبعه الّرجل وسار على أثره ، فالتفت صاعد فرآه يسير خلفه ، فكلّما أراد التخلِّي عنه فلم يتمكّن ، فسارا معاً حتّى أقبلا إلى الامام ، فلمّا مَثُلا عنده ، أخذ يؤنِّب صاعداً على إخبار الرّجل بقدومه ، فاعتذر له بأنّه لم يُخبره ولكنّه تبعه بغير اختيار منه ، وبعد ما استقرّ الرّجل التفت إليه قائلاً :
ــ غلامُكَ فلان تبيعُهُ ؟ ـ جُعِلْتُ فداك ، الغلامُ لكَ والضّيعةُ وجميعُ ما أملِكُ. ـ أمّا الضّيعة فلا أحبّ أن أسلبكها. وجعل الرّجل يتضرّع إلى الامام ويتوسّل إليه ليقبلهما منه ، والامام ممتنع من إجابته ، وأخيراً اشترى الغُلامَ مع الضّيعة بألف دينار فأعتَقَ الغُلام ، ووهبَ له الضّيعةَ ، كلّ ذلك ليجازيَ الاحسان بالاحسان ، ويقابِلَ المعروفَ بالمعروف ، وقد وسَّعَ الله على العبد ببركةِ الامام حتّى أصبح أبنـاؤه مِن أثرياء مكّة وصرّافيها »(15) .
وممّا حدّث التاريخ عنه من تحرير الامام للعبيد ، وإطلاق حرّيتهم ، وفكّ قيودهم هو شراؤه لاسرة من العبيد تتكوّن من الاُم والآب والابناء وعتق رقابهم وإيهابهم الحرِّيّة .
فقد ذكر العلاّمة المجلسي في كتابه الشهير (بحار الانوار) ، عن الكافي وهو ينقل رواية فيها اسم أحمد بن أبي خلف ، وكان كاتباً عند الامام :
« أحمد بن أبي خلف مولى أبي الحسن ، وكان اشتراه وأباه واُمّه وأخاه فأعتقهم واستكتب أحمد وجعله قهرمانه » (16) .