قصة واقعية ...
أحـــــــــــــــــــــــ ـلام مبــــعـثرة .....
حدث هذا في عطلة الصيف... عندما انهت المرحلة المتوسطة وذهبت للاصطياف مع عائلتها ، وكان هو هناك .. شابة كانت وفي مقتبل العمر... وكان قدرهما الحب ... ولم تتصور ابدا ان يكون هذا الحدث الزاهي والجميل مصدر تعاستها طول العمر والتي سحبت من منوال حياتها الى دهاليز السنين ومنعطفاته الوعرة .
في تلك الايام ... كان يمر على الكابينة التي تسكن فيها ليكون قريبا منها خطوة بخطوة .... ومع سنوح اول فرصة له كتب لها بقصاصة ورقة صغيرة عبر فيها عن مشاعره في التعرف عليها ، وكانت جدا فرحة وسعيدة وهي تقرأ سطورها حيث كتب اسمه وعنوانه في ذيل القصاصة وتملكها شعور غريب ازدادت بموجبه سرعة ضربات القلب .
وأكتشفت انه من نفس المدينة ومدرسته قريبة من مدرسته وكتبت له رداً على ماكتبه ولكن بعيداً عن الانظار ، أنتهت الرحلة والمدرسة فتحت ابوابها لتكون في جو مفعم بالنشاط والحيوية .. تقول هذه المرأة ( كان الاتفاق عند التكلم بالهاتف هو ان نجعل الهاتف يرن من دون اجابة وهذه اشارة فيما بيننا وعندما تسنح الفرصة نتحدث سوية .. وكنت التقي به في طريق ذهابي وعودتي من المدرسة دون ان نتكلم فقط اختلاس النظرات مزهوة به ومزهو بيّ خوفا من اهلي والجو العام المملوء بالسوداوية فيما اذا رانا احدهم بهذا الحال )
بقت على هذا الحال حتى نهاية المرحلة الاعدادية وانتقلت للجامعة في مدينة بعيدة عن مدينتها وكان هو هناك يسبقها في جامعة اخرى .. وكانت اللقاءات وسفرات الذهاب والعودة سويا من الجامعة ايام الخميس والجمعة ... استوطن الحب في القلوب ويرفض المغادرة واتفقا على البقاء معاً طول العمر حين النضوج والنجاح مهما تكون الظروف ومهما وقف بوجههم اي حاجز .. اهلها لايؤمنون بهذا الحب ..(الحب المستحيل) لان القاموس العشائري لديهم يعتبر هذا الشئ حرام يستحق المعاقبة والشاب الذي احبته كان من طبقة فقيرة ليس لديه لاعشيرة ولاسند هذا هو قدرها واتفقا عندما تنهي دراستها الجامعية ياتي على خطبتها ..
عشر سنوات.. من الحب والعذاب والالم والخوف والاهات وفي النهاية قررا ان يعلنا حبهما ويكملان فرحتهما بالزواج وياليتهما لم يفعلا لانها لم تنسى ابدا ذلك اليوم الذي تقدم لخطبتها ذلك الشاب على امل الفوز بها ...وكان يوم الخطبة ...
في ذلك اليوم المشؤوم كان ابوها غاضباً والشرر يتطاير من عينيه ومهدداً ومتوعداً ومتسائلاً مع نفسه ... أين عرف أبنتي كي يحضر لخطبتها وكيف يتجرء الشاب وعائلته للحضور وهم من عامة الناس وغير معروفين ونحن من الاشراف .. وذلك لان عم الشاب قال اثناء الخروج بأننا لم نأتي بأرادتنا ونعرف أننا من مستوى أقل من مستواكم ولكن ابنتكم على علاقة مع ابننا . تنفست هذه المرأة الصعداء عندما أنتهى الشجار الذي كان من الممكن ان يفضي الى حمام من الدم لولا تدخل العناية الالهية . وتكالت عليّها الضربت يوميا وأنها اصبحت عار ومنبوذة من المجتمع ( أنزال الراس الى الحضيض حسب المفاهيم العشائرية ) وماعرفت عينيها النوم وقتها واجتاحها الكرى والسهر .
أمها الوحيدة التي تحس بحبها وحنانها وكانت ترتمي بأحضانها لتحس بالامان .. ويديها الحنونتين هي مصدر الحب والدفء لها بعد غياب حبيبها لان بعد هذه الحادثة لم تعرف شئ عنه .
بعد الحادثة لاتبارح البيت رغم التخرج والمباشرة في التدريس في احدى المدارس
بسبب القيود التي فرضت عليها وبسبب الجرم الذي قامت به ..(جرم الحب )
واخذت الحكايا مجرى آخر ومنحى من نوع جديد ...
صبر دامي .. قسوة وعنف اسري ..سخرية ..عزل ..اعتكاف وضر ب .. وصل بها الاصابة بأحدى عينيها نتيجة ذلك العنف .
في يوم من الايام طرق الباب وخرجت لترى من الطارق ؟
لترى أمرأة تحمل بطاقة دعوة مملوءة بالازدراء خلف ابتسامة صفراء .. وبعد التفحص عن خفايا البطاقة ...كانت الكارثة النكباء التي تشد للهاوية من على جبل فسيح :- حبيب عمرها يستهين بمشاعرها ويبعث لها بطاقة زواجه من تلك المرأة الجالبة للبطاقة .. صُدمت من هول الفاجعة فأستدارت يمينا ويساراً لترى من بعيد حبيبها جالس في سيارة ما .
لم تنم ليلها ...أصابتها الكآبة وحالتها النفسية تدهورت الى ما لانهاية ولم تشعر الا وهي في المستشفى .. من هول الفاجعة ومن سبب الاهمال ..لا صوت لها كمن ينتظر لحظة الموت وعزاءها الوحيد هو استمرارها في التدريس لتتخلص من وحدتها .. وكانت تتساءل في ايامها :- لماذا اراد الانتقام بهذه الطريقة وأهانته لها كان خنجرا غرز في صدرها لايجف آثره حتى لو تقاطرت السنين . بانتقامه هذا قتل كل احاسيسها واصبحت انسانة لاتصدق وتثق باحد .
أنقطعت سنة كاملة بعد الحادثة عن التدريس
وعندما عادت للمجتمع كانت مهزوزة العواطف ومهمشة .
اراد ان يعيد الاعتبار لنفسه بالانتقام منها بهذه الطريقة .. رغم انها عانت كثيراً لاجل حبه وصبرهما الطويل معاً .. ألم يكن من الاجدى به أن ينتظر سنة أو سنتين وليكون بعدها لكل حادث حديث .. وبدأت تتملكها أفكار الانتقام من آهلها ..وكل من كان يتقدم لخطبتها من عشيرتها .. هي تتصنع الفرح والموافقة وعندما يزف الموعد والحضور .. ترفض نكاية بأبيها والاستهزاء به أمام الناس . ولكن بعد فترة ثلاث سنوات من التعذيب والاهانة ..تزوجت اختها الصغيرة بموافقة الاب نفسه !!!
تزوجت من شخص ليس قريباً لهم لامن بعيد ولا من قريب .. أحست بالألم يمزق ثنايا القلب ، والدموع تنهمر كالشلالال ... ليست حسداً من اختها الصغيرة ولكن بسبب ازدواجية تفكير أبيها وعائلتها وعشيرتها . وبسبب التطورات السياسية التي اجتاحت العراق من شماله الى جنوبه بعد انتفاضة التسعينات.
وأغلب بنات العشيرة تزوجن بابناء الغرباء وهناك تأزمت حياتها اكثر واكثر واصبحت كلمة لماذا تلازمها دائماً ، لماذا لم ينتظر ، ولماذا تعجل بالزواج من أمرأة أخرى ولماذا أهانها وجرحها بهذا الشكل ؟
وقررت الانتقام!!!؟ لكن من ماذا ؟ أهلها ؟ حبيبها ؟ أو من نفسها أو من هذه العادات والتقاليد العشائرية ؟
ولا تنسى ذلك اليوم الذي وقفت بوجه ابيها قائلة:- لن اذرف دمعة واحدة برحيلك عن هذه الدنيا . لاتدري كيف قالتها مجرد التعبير عن مكامنها وان يعرف ابيها بانها ضحية لتقاليده التي ذهبت بها هباءاً منثوراً وليس لها وقع كبير اليوم ( التقاليد ) .
وأستمرت الايام .. أصبحت مسكونة بالخوف ... فقدت والدتها .. الوحيدة التي كانت تواسيها في لياليها الحالكة .. لم يبقى أحد يشاركها همومها ، ماتت امها واخذت معها كل الحب والامان ... ابيها تعود على اهانتها وهي تعودت على اهاناته واصبحت خرساء في البيت . والمكان الوحيد الذي ترتاح فيه عندما تزور قبر امها وتناجيها صارخة حنانها .
كانت تحس أنها غريبة مع اخوها وزوجته وابيها . واخواتها الموجودات خارج العراق أعتقدن أن الحل الوحيد لخلاصها من هذا الواقع هو الهجرة حيث هن .. ووافق ابيها لانه شعر بكم الظلم الذي سكبه عليها واراد تعويضها عن سنوات الظلم .. وبعد مرور سنة واحدة على سفرها تعرض ابيها على نكسة صحية كبيرة وكان المرض هذه المرة اقوى منه ..وكان سابقا لابعترف بالمرض والموت .. وكانت هي تراه اقوى من كل الامراض ولكن هذه المرة استسلم لمرضه القاتل ( السرطان ) وقبل يوم واحد من اجراء العملية له طلب التكلم معها هاتفيا قال لها بانه مشتاق وتعجبت هي لهذه الكلمة لانها لم تحس بحنانه وعطفه طوال السنوات فقالت له عبر اسلاك الهاتف :- لاتمت حتى اراك كي تنهال علي ضربا كما فعلت سابقا .
توفي ابوها وكانت تعتقد بانها لن تبكي عليه .. ولكنها بكت كثيرا ً ولم ترتدي الحداد .. لاتدري أكان حزنا أم ماذا ؟ ولكن عينيها بكت وليس بملوحة مثلما كانت على امها .
سنتان على وجودها في اوربا.. ولم يتغير شئ فيها وصارت اسيرة الماضي وتحس انها محطمة في داخلها وكل يوم تسأل نفسها ولغاية هذه اللحظة تنتقم من نفسها ، ولكن تعاود التساؤل ممن ؟ حبيبها الذي غدر بها ؟ أو والدها الذي بعثر شبابها وتعامل معها كعبدة ؟ تساؤلات لم تجد لها جوابا ولن تجد جواباً شافيا بعد كل هذه السنوات .
وهي في غربتها ...منت النفس ان والدتها على قيد الحياة لما كانت غريبة ومهملة ايضاً في غرفة صغيرة في بيت اختها وزوجها تقوم برعاية ابنائهما ولفكرت مرة واحدة بالعودة الى احضان امها وبيتها ...(فحضنكِ يا أمي وطن) .
أبيها في قبره بدون أي حركة ...وهي تتحرك داخل قبر الماضي .
لماذا يا أبي ؟
لماذا يا أبي !
لماذا يا أبـــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــي ؟!
لماذا ....................................