الله القدير المتجسد
استطاع الله ان يتجسد في أحشاء العذراء مريم لأنه "القوي الجبار القدير الحكيم..."، لا يعسر عليه أمر وكل ما شاء صنع. حقّاً إنه أمر عجيب ومحيّر, ليس فقط لأنّه تعالى تجسّد داخل أحشاء امرأة هي مريم العذراء المباركة، بل لماذا وما الدّافع لكي يتّخذ جسدا من امرأة ويصير إنساناً مثلنا ولكن من دون خطية.
لا يَحُدُّ تجسد الله من قوّته ولا يُغيّر من مكانته ولا يقلل من شأنه، بل على العكس تماماً فهذا يدلّ على قوّته وعظمته وحكمته وسلطانه الفائق. كيف ذلك؟ بكل بساطة لا ننظر إلى الحدث بصفتنا محامي الدّفاع عن الله وكأنّنا غيارى عليه ونريد الدفاع عن عزّته ورفعته ومركزه ومجده وكأنّها مسلوبة منه أو مسروقة ونريد إعادتها إليه. إنّ الله مهما قال وفعل فلا يتغيّر شيءٌ من أوصافه أو صفاته الإلهية ولا يُمس جوهره ولا يقلُّ شأنُه...ولأنّ الله يفعل ما يشاء ووحده صاحب القدرة والسلطان من يقدر أن يقول له "لا تفعل هذا أو ذاك لأنه يقلل من شأنك". كيف يتجرّأ إنسان أن يشير على الله وينصحه ويرشده؟ على هذا لنتجنّب علامة السؤال "كيف" ونستبدلها ب "لماذا"، فيسهل علينا فهم هذا القرار الحكيم والحدث العظيم الذي شاءه الرب وتمّمه وهو تجسده في أحشاء امرأة بشخص ربنا يسوع المسيح له كل المجد.
سبب تجسد الله
لماذا تجسّد الله؟ بكل بساطة لأنّه يحبنا محبة فائقة لا تُحد ولا تُوصف ولا تُقاس. وهل محبّته هذه لنا تدفعه ليتجسّد؟ بالطّبع نعم، فالله لو لم يكن يحبّنا هذه المحبة لنفّذ فينا عدالته مباشرةً، إنّ الله بسسب الخطية التي فصلت بين الإنسان وبينه حين عصى أبوانا آدم وحواء وصيته ، حكم الله بعدلٍ بأنّ أجرة الخطية هي موت...وهنا لعبت المحبّة دورها دون أن تلغي عدالة الله فكانت خطته أن يتجسدّ بشخص ربنا يسوع المسيح في الوقت المعيّن منه ليفتدي البشرية من عقاب الخطية. تفاعلت محبته مع عدالته فأنتجت مصالحةً وخلاصاً لكل البشر، ومن أراد أن يناله فهو متوفّر مجّاناّ في كل آن وزمان لكل الناس دون تمييز بين عرق ولون ولغة وطبقة لأنّ الله يحب الجميع كما هو مكتوب: "لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ." (يوحنا3: 16).
إنّه الله الجبار القوي العادل خالق السموات والأرض، تواضع لأجلنا لأنّه يحبنا محبة أبدية فأدام لنا الرّحمة والنّعمة.
لكل إنسان أقول وبكل محبة: لا تنصّب نفسك محامياً عن الله فالله لا يحتاج من يحامي عنه لأنك في الوقت الذي تظنّ نفسك أنّك تدافع عنه تكون في الواقع تعصي وصاياه وترفض خلاصه وتقلّل من قيمة ما فعله من أجلك. الله لا يريدك محامياً أو مخلِّصاً بل يريدك مخلَّصاً.