أين اذهب الان؟ البرد يعني الوحدة، والاعضاء جروح غّضةُ تبكي، لا أسألكِ الوقوف على الجرح انما ينبغي عليك السير في الطريق ذاته، الهواء ثقيل في هذه اللحظة، والانفاس شهقات تتلاحق خلف خطواتها، لا اريد لها ان تعود، فالعودة تعني حَبك القصة بهالات من الهلع والدمع، اللارجوع هو فصل آخر لربيع نافقٍ من حياتي، رسائل واستغاثات حمقاء لا رجع لها في عالم مليء بالأسربة والظلال، اذا كان ثمة ملائكة هابطون فلا بد انهم يجهلون القراءة والكتابة، ترى كيف سيقرأون قصصنا الحزينة.؟ هؤلاء الحفاة كيف سيمشون على طرقنا الوعرة؟ وهل يعرفون خرائط الطريق الى القلوب؟ انهم ملائكة تائهون، فكيف سيقودوننا الى فراديسنا الضائعة؟ الاحذية المهترئة قطعت أشواطها وخلّفت دروباً متعبة ولاهثة، الأحذية يتيمة وبلا اقدام على ساحل أعزل، لابد ان تكفّ العينان عن الدموع لأجل حبَّ مجهض، اما المصلون الذين أمضوا سحابات نهاراتهم يتهجدون فقد اعادت السماء ابتهالاتهم العجولة لان الدخول الى الجنة لم يعد مسموحاً للعشاق المبتهجين،.. اين اذهب الان والجنة قد اغلقت ابوابها؟ وما عدت قادراً على الطيران خلف بجعتي إلهاربة، وداعاً اذن ايتها التفاصيل المملة.. وداعاً للقصائد العاقلة وهي تدوزن احلامنا، وداعاً ايها الهرم وانت تركض خلف ظلال مائعة، وداعاً ايتها الرايات البيض المرفرفة على جرحي الموشوم بالصدأ، وداعاً للاغنيات وهي تصدح في الخزائن المقفلة، لابد لي من العودة الى إيثاكا لأرى بنيلوب التي ترفو الجروح على شاطئ الغياب، بنيلوب امرأتي التي قتلت طفلها في دمي، بنيلوب دثار النار التي أكلت متون أعمارنا، مازالت تنتظر أوبتي الى رماد الزوجية المبارك، من تراه سينقذ أسرّتي من يد الخطّاب وهم يعاقرونها في ليالٍ موحشة وكئيبة،؟ سأعود اذن الى البداية حيث الانتظار القديم لأحضان ممتلئة بالريش والزقزقات، الى شفاه متفجرة بالنبع، الى دموع ساخنة من الوجل والعشق، الى امرأة نامت في القواميس بحثاً عن حرفاً أعمى يدلّها عليّ، بنيلوب الان تقودني بشعلتها الغاضبة الى الشمس، ها هي ذي تضيء سماءها الضيقة وترسم لي وهجاً مقدساً وخالياً من رشفات السم، كل الابتهالات خائبة حين لا تقرع اسماع الملائكة النائمين في العسل، عليك ان تؤوب اذن الى عقلك المسهد وتقود خطاك الى ممرك القديم ممر الغبار والملوك التأبين عن الحب ...