أدباء يطالبون بخطابات معتدلة ومواقف إنسانية17/06/2014 06:28
دعا أدباء ومثقفون إلى نبذ الخلافات الخاصة في الظرف الذي يمر به العراق، وطالبوا المواطنين والسياسيين بخطاب معتدل بعيداً عن التشنجات التي قد تؤدي لمواقف سلبية وتأجج الحرائق التي يحاول البعض إشعالها بطرق شتى. وفي حوارات خاصة لـ" الصباح" أكد أدباء أن الصراعات التي تتصاعد بين القوى السياسية انعكست على الشارع العراقي وجعلته يعيش خيبات جديدة، محددين عدة نقاط على المثقف أن يتمسك بها في محاولة منه للخروج من الأزمة التي نمر بها على الصعيد الأمني أو السياسي أو الثقافي.
عوامل أساسية
الشاعر إبراهيم الخياط أكد أن المعركة مع الإرهاب ليست بين دولتين، الإرهاب في العراق الآن يحمل مقومات أكبر من مقومات دولة، لكنها ليست جيوشاً نظامية ومنطقة حرام، في هذه الحالة يتحول الإرهاب إلى أشبه بالسرطان الذي يمكن أن يدمر المجتمع بمجمله. وبيَّن الخياط أن إنهاء هذا الخطر لا يتم بالحل العسكري فقط، بل يحتاج إلى توافر عدة عوامل، منها اقتصادي، من خلال إدارة معامل الإنتاج التي تؤدي إلى تشغيل الأيدي العاملة، بمعنى حرمان الإرهابيين من احتضانهم للعاطلين عن العمل. ومنها ماهو اجتماعي يتحقق عن طريق المصالحة الوطنية الحقيقية، وإعادة الثقة بين المواطن وبين مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية بما يجعله يعطي معلومات مهمة عن الإرهابيين.. ومنها ما هو ثقافي، وهو ما يقع على عاتق المثقفين والمؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية، لأن العراق يحتاج إلى بناء الإنسان الذي يوفر العوامل الأخرى للقضاء على الإرهاب، وأن نجعل منه عنصراً مفيداً، كذلك الأدباء والمثقفون نجوم في المجتمع وأصحاب رأي عام، لذلك فإن للمثقف دوراً في التأثير في المواطن.
أزمة ثقافية
من وجهة نظر الشاعر عمر السراي، الأزمة التي يمر بها البلد اليوم ثقافية قبل أن تكون أمنية أو سياسية أو عسكرية، "أظن أن على المثقف الآن أن يربأ بنفسه عن الخطابات التي تثير الكره الأهلي، ويدعو للسلم، وأن يضع سقفاً لمطالبه، وهو سقف الإنسانية التي يتساوى بها الجميع. لنفترض أن العراق تفرق طائفياً وقومياً
وعرقياً، لكن الجهد الإنساني الذي يجمع بين الكل، هو الجهد الأهم الذي يقع على عاتق المثقف الذي يستطيع وحده أن يجمع الآخرين من خلال هذه الخيمة".
مضيفاً أن على الطرف الآخر الذي يمسك الملف عسكرياً وأمنياً أن يولي المثقف أيضاً اهتماماً جيداً، وأن يضعه جزءاً من صناعة الحلم والحل. "كل ما يجري الآن على الساحة العراقية هو بسبب تهميش آراء بعض أصحاب العقول، وأرى أن بعض الشخصيات الثقافية بدأت تنخرط في الخطابات التي كنت لا أتمنى أن أجدها في أوساط كهذه، فيجب أن يمتلك الوسط الثقافي عصمة معينة يقاد الآخرون من خلالها.
تأثيرات مباشرة
وطالب الروائي حميد الربيعي من المواطنين أن لا يحملوا المثقف ما لا يطيقه، فهو مواطن مسلوب الإرادة، "بمعنى أنه ليس لديه مجال لكي يكون مؤثراً وفاعلاً داخل المجتمع، وهذا ليس تقصيراً منه، بل نتيجة للسياسات الموجودة داخل البلد. والشواهد على هذا كثيرة منذ العام 2003 وحتى الآن، فأي مثقف تمكن من الحصول على فرصة حقيقية داخل تركيبة المجتمع، سواءً في وزارة أو مؤسسة أو أية جهة كانت، لكي يستطيع أن يؤثر في القرار، ليس لدينا أمثلة بموجبها نستطيع أن نحكم عن تحرك فلان وتقاعس آخر".
لكن المثقف؛ من وجهة نظر الربيعي، يستطيع أن يكون له تأثير مباشر في الناس
والأصدقاء والمقربين على مستوى كتاباته وخطابه الثقافي " على المثقف أن يتماسك، ومن خلال هذا التماسك يعكس وجهات نظره من خلال الكتابة والإعلام، يستطيع أن يكون قدوة في التماسك والدعوة للوحدة الوطنية".
أذكياء مؤثرون
وكشف الشاعر مروان عادل حمزة أن كل جماعة خطرة، يكون الأذكياء هم الذين يشكلون الخطورة الحقيقية فيها، في هذه التيارات الطائفية التي تعصف بالبلد، من أخطر ما يمكن أن ينتمي إليها مثقف، لأنه إذا أصبح جزءاً من تيار طائفي أصبح أداة لأية فكرة تمزق نسيج أي مجتمع. "يجب على المثقف الآن أن ينأى بنفسه كخطوة أولى عن شعارات طائفية، ومن ثمَّ سيجد أن كل ما قرأه سيجره إلى جادة الصواب".
عمل جاد
أكد الروائي أسعد اللامي أننا بحاجة إلى نبذ كل الخلافات مهما كان ما نسمعه من سيناريوهات ورؤى، "إننا أمام لحظة مفصلية في تاريخ العراق بين أن يسود الظلام وبين أن ننطلق لنفتح كوَّة صغيرة للأمل. في الجانب المقابل هذا لا يعني إننا لا نطالب الموجودين في العملية السياسية بعدم الالتفات للأخطاء التي مورست وحذر المثقفون منها، عشرات المقالات التي كتبت عنها فضلاً عن اللقاءات الإذاعية والتلفزيونية الكثيرة". مبيناً أنه علينا أن ننظم صفوفنا، وأن نقف وقفة واحدة خلف قواتنا المسلحة بعيداً عن الضجيج، علينا أن نعمل بشكل جاد ونتدارك الأخطاء التي حدثت، ونؤكد على السياسيين أن يتبنوا خطاباً فيما بينهم من أجل العراق أولاً وأخيراً". ويعتقد اللامي أن اللحظة تتطلب عملاً جاداً وعلى المثقفين أن يكونوا على مستوى المسؤولية.
مع المواطنة
طالب الناقد زهير الجبوري المثقف أن يتخذ موقفاً ثقافياً بحتاً وأن يكون له قرار حاد، وتكون هذه الظروف عبرة لكل إنسان عراقي لكي يعبر عن وطنيته وأن يعلن بصراحة أنه ضد الطائفية وتقطيع جسد البلد الذي ينتمي إلى عمق حضاري ونسيج اجتماعي متداخل، خصوصاً وأننا في الوسط الثقافي لدينا علاقات كبيرة في شمال العراق ووسطه وجنوبه، فضلاً عن القوميات والديانات المختلفة، "لذا يجب أن نرفض أي تدخل مذهبي وإقليمي وطائفي، لأن الإنسان العراقي بطبيعته إنسان متعدد الرؤى والأطياف والاتجاهات، وعلينا جميعاً أن نقف وقفة كبيرة وصارخة بأننا مع المواطنة لا مع التحزب والتمذهب".