TODAY - Tuesday, 25 October, 2011
فيسك: نتمنى أن يكون القــذافي مات بسبب الإصابة وليس اغتيــــالاً
الاندبيندنت
أحببناه، ثم كرهناه، ثم أحببناه مرة أخرى. تحدث عنه بلير (رئيس الوزراء البريطاني السابق) بأسلوب عاطفي، ثم كرهناه تارة اخرى، تحدثت عنه مدام كلينتون (وزيرة الخارجية الأميركية) في جهازها «بلاك بيري»، وكرهناه هذه المرة حقيقة. دعونا نسأل الله الا يكون قد تعرض للاغتيال بل «مات جراء جروح اصيب بها اثناء الاعتقال». ماذا يعني كل ذلك؟
انه رجل مزيج من شخصية «دون كورليون» الروائية و«بطوط» الكرتونية، ينطبق عليه الوصف الذي ساقه الكاتب «توماس فريدمان»، في مقالاته عن الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وكنا نشاهد استعراضاته العسكرية السخيفة ونسمع خطاباته، ونعض شفاهنا ثم نكتب عن الدبابات الليبية ورجال البحرية والصواريخ التي من المفترض ان تمحو، بكل قوة، سخافاته. استعرض رجال ضفادعه في الميدان الأخضر، واخذنا الأمر بكل جدية، وتظاهرنا بأن ما يفعله يشكل تهديدا حقيقيا لإسرائيل، تماما كما حاول بلير اقناعنا (ولم ينجح في ذلك) بأن القذافي تخلى عن «برنامج اسلحة الدمار الشامل»، في بلد لا يستطيع اصلاح مرحاض عام.ذهب الرجل، ذلك العقيد الذي كان محبوباً من وزارة الخارجية البريطانية (بعد انقلابه على الملك ادريس السنوسي) ثم كرهناه بسبب ارساله الأسلحة للجيش الأحمر الجمهوري، ثم احببناه. ثم الخ، فهل تلومون الرجل لأنه يعتقد انه شخص طيب؟هل قرر اصدقاؤنا في المجلس الوطني الانتقالي موته؟ ام كان موته «طبيعيا» على أيدي اعدائه، ميتة مشرفة لرجل سيئ؟، بالطبع سيتنفس الغرب الصعداء لأن الرجل لن يقف امام المحكمة، ولن يستطيع الرجل العظيم الإدلاء بأحاديث لا نهاية لها، ولن يكون هناك دفاع عن نظامه.
ويعني غياب المحكمة عدم وجود اتهامات بالترحيل القسري والتعذيب وقطع الأعضاء التناسلية.دعونا الآن ننسى كل الخضوع والتذلل في عهد القذافي. فقبل 30 عاما مضت ذهبت الى طرابلس، وقابلت احد اعضاء الجيش الأحمر الأيرلندي، الذي كان يرسل متفجرات «السيمتكس» الى ايرلندا ويحمى المواطنين الأيرلنديين في ليبيا، وكان الليبيون يتوقون لمقابلتي لأنها كانت الفترة التي اصبح فيها القذافي قائداً للعالم الثالث.
تعودنا على مزاج نظامه وعلى وحشيته، وتواطأنا معه بمجرد ان «طبعنا معه علاقاتنا»، ولهذا كان من مصلحتنا ان يتم تدمير جميع الوثائق نيابة عنا.
اي تدمير لأي شواهد قضائية عن التعذيب الذي مارسه نظام القذافي سيصب في مصلحة الحكومة البريطانية، أليس كذلك؟ فالمرأة البريطانية التي تعرف كل شيء عن هذا التعذيب تم تغييب اسمها لكنني اعرفه، فهل ستكون في منجى من المحاكمة؟ وهل سنتعامل برفق مع زملاء القذافي عشية موته؟ ربما، لكن دعونا الا ننسى الماضي، فقد كان القذافي يذكر جيدا الاستعمار الايطالي لليبيا، ذلك الحكم الاستبدادي الذي كان يذهب فيه أي ليبي للمشنقة لمجرد مواجهته لإيطالي، ذلك الزمن الذي كان يتم فيه شنق الابطال الليبيين في الاماكن العامة، الوقت الذي كان فيه النضال من اجل الحرية يعتبر ارهابا.
الليبيون اذكياء والقذافي يعلم ذلك جيداً، على الرغم من انه كان يعتقد انه اذكي منهم، وكان يشعر بأن فكرة ان يصبح هؤلاء البدو فجأة «ضمن العالم الحديث» فكرة سخيفة.
القذافي كان احد هؤلاء الحكام العرب الذين يمكن تلقيبهم بـ «المجنون»على الرغم من تمتعه بشيء من العقل، فهو لم يكن يعتقد في وجود «فلسطين» لأن الاسرائيليين، حسب اعتقاده، سرقوا الكثير من ارض العرب وانه لا يعتقد في العالم العربي، فهو في الحقيقة شخص شاذ.علينا ان ننتظر لنعرف كيف مات القذافي، هل تم اغتياله؟ وهل قاوم (وهو امر جيد في المفهوم القبلي)؟ لا تنزعجوا فمدام كلينتون ستكون سعيدة لأنه قتل.الفتاة «رافت» الغسين التي قتلت في ليبيا في 15 ابريل 1986 كانت ضحية للقصف المجنون الذي شنه الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان على طرابلس، انتقاما لمقتل جنود اميركيين في برلين بوساطة قنبلة زرعها احد اعوان القذافي المجانين. كنت حاضرا تشييع جثمانها في ليبيا وتعرفت الى والديها بسام وسانيا جيدا خلال السنوات التالية، ثم اصبحا من افضل اصدقائي في بيروت، وتناولت طعام الغداء معهما اول من امس، هل تعلمون ماذا قالت لي سانيا عن نهاية القذافي الدموية؟ «انا ضد هذه الممارسات، انا ضد القتل والاغتيال».
مثل هذه الرأفة والشفقة لم تبدها (هيلاري) كلينتون، لم تذكر شيئا انسانيا، لكنها اذا كانت مهتمة بهذا الجانب (واشك في ذلك) ستكون قد استفسرت عن الـ300 مليون دولار (188 مليون جنيه استرليني) التي سلمها الاميركيون الى القذافي «تسوية نهائية»، من بين الكثير عندما قررت الولايات المتحدة اعادة علاقاتها مع «الشرير القديم» عام .2008خسر الليبيون 1.5 مليار دولار تسوية لحسابات لوكيربي وغيرها، اما مبلغ الـ300 مليون دولار الذي دفعه الاميركيون كان تعويضا للموتى والجرحى في الهجوم الذي شنوه على ليبيا ،1986 ولم تتلق اسرة الغسين سنتا واحدا من القذافي.
وانشغلت الاسرة بتربية اختها الاخرى «كندة» التي تزوجت الآن وانجبت طفلها الاول، واصبح بسام وسانيا الآن جدين. فقد كان من الاجدى بالسيدة كلينتون ان تمنحهما ثواني قليلة من وقتها الثمين، وربما تكون قد ساعدت على تذكير الصبية «في الحكومة الانتقالية الليبية»، بأن هناك دَيناً ينبغي عليهم دفعه.
روبرت فيسك كاتب وصحافي بريطاني مهتم بالشرق الأوسط