بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين
ورد في الخبر عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال
: (إن الله إذا أراد أن يُصيب أهل الأرض بعذاب قال: لولا الذين يتحابون بجلالي، ويعمرون
مساجدي، ويستغفرون بالأسحار، لأنزلت عذابي).. فرب العالمين كان دأبه في الأمم
البائدة، تعجيل العقوبات في الدنيا قبل الآخرة، ومن تلك العقوبات أنه قلب مدن قوم لوط
عاليها سافلها، وأرسل الجراد والقمل على بني إسرائيل، وكان هناك ما يسمى بالمسخ
قردة وخنازير، وغير ذلك من أنواع العذاب، الذي كان ينزل على الأمم السابقة.. ولكن رب
العالمين ببركة نبي الرحمة {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} رفع العذاب المعجل عن هذه
الأمة {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
وكذلك من أسباب رفع العذاب:
المتحابون في الله.
. هذا العنوان عنوان نادر جدا!.. فالذي يحب أحدا في الله، لابد أن يلغي
منه كل امتيازاته الدنيوية، ولا يُبقي إلا إيمانه.. إذا وصل إلى هذه المرحلة من الحب؛ هذا
يسمى الحب في الله.. وإلا فإن الدواعي الخفية، هي من موجبات عدم انطباق هذا
العنوان.. وهنيئا لمن كان له في الدنيا أخ واحد يحبه في الله عز وجل!.. البعض في عيد
الغدير يتآخى مع الآخرين، التآخي لا بأس به، ولكن المؤمن لا يتآخى مع إنسان قد يعطله
يوم القيامة، إذا كان بمستوى غير متميز.
يعمرون المساجد..
عبارة عمارة المساجد لها معنيان: العمارة البنائية: أي إنسان يبني
مسجدا، أو يساهم في بناء مسجد.. وهناك عمارة في الحضور: أي أن يأتي الإنسان إلى
المسجد، فيكون وجوده في المسجد عنصر جذب للآخرين.. مثلا: بعض أساتذة الكليات في
الجامعة، عندما يأتي ليصلي في المسجد؛ فإن طلابه في الجامعة يتأسون به!.. هذا
الإنسان بمجيئه للمسجد يعد من عمار بيوت الله عز وجل.. في بعض البلاد التي فيها
صبغة عشائرية، عندما يأتي شيخ العشيرة للمسجد، يكون سببا في حضور أبناء العشيرة
إلى المسجد، وهكذا!.. ولعله -والله العالم- الإنسان الذي يكون عنصر جذب لعشرات
الأشخاص، يكون أقرب لمعنى عمارة المسجد، من الإنسان الذي يساهم في بناء المسجد..
فالذين يلتزمون الحضور إلى المساجد، وقد يكون منهم أساتذة في الجامعات، يأتون إلى
المسجد قبل الصلاة بفترة، ويخرجون بعد الصلاة بفترة؛ لأنهم يعيشون لذة الأنس في
بيوت الله عز وجل.. قال رسول الله (ص): (سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله)
وذكر منهم: (رجل قلبه معلق بالمساجد).. هؤلاء إذا لم يُصلّوا في اليوم والليلة فرضا
واحدا في المسجد؛ فإنهم يعيشون حالة الاختناق!..
ويستغفرون في الأسحار..
المؤمن يحاول أن يكون من الذاكرين في أوقات الغفلة.. ورد
في الخبر عن أمير المؤمنين (ع): (ذاكرُ الله في الغافلين؛ كالمقاتل عن الفاريّن.. والمقاتل
عن الفارين؛ نزوله الجنة).. في بعض الأوقات، يضطر المؤمن للذهاب إلى الأسواق التي
يغلب عليها ما يغلب من الأصوات، فيتعمد ذكر الله -عز وجل- في ذلك المكان المليء
بالغافلين.. رب العالمين يطلع على هذا السوق، فيرى الناس في لهو ولعب وحرام، وهذا
العبد يمشي وفي قلبه ذكر الله عز وجل.. حتى أن البعض عندما يرى صور الفساد، فإنه
يبكي بين يدي الله -عز وجل- لما يراه من المنكر؛ هذا كم وزنه عند الله عز وجل!.. وفي
الأعراس كذلك يغلب جو من الاسترسال، ولكن المؤمن يتعمد أن يكون ذاكرا في هذه
الأجواء.. وأيضا ساعة السحر، من الساعات التي يغفل عنها الكثيرون.. حيث أن الكل
يهدأ في آخر الليل، ولا يستيقظ إلا الأولياء الصالحون، {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}..
مؤمن يقوم من نومته في جوف الليل، ويتضرع إلى الله عز وجل، ويستغفر لأربعين
مؤمنا، والأربعون كلهم نائمون.. هذا المنظر كم هو جميل عند الله عز وجل!..
إلهي حليف الحب في الليل ساهر *** يناجي ويدعو والمغفل يهجع
هذه مناظر ملفتة في عالم الوجود، هذه المناظر تسجل، وتعرض في شاشات عملاقة يوم القيامة!..
___________
نسألكم الدعاء