نشرت شبكة CNN، مقالا تحليليا للاحداث الامنية الحالية في العراق للخبير الامني بيتر بيرغن الذي يرأس مؤسسة أمريكا الجديدة، وهو مؤلف كتاب: "أطول الحروب: الصراع المستديم بين أمريكا والقاعدة".
ويقول بيرغن ان تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" – داعش – الحركة الإرهابية الوحشية/الجماعة الإرهابية، التي عرفت سابقا باسم "القاعدة في العراق"، سيطرت مؤخرا على عدد من المدن والبلدات غرب وشمال العراق، كما أنها تهدد الآن بلدات غير بعيدة عن العاصمة بغداد.
من أين انبثقت "داعش"؟ واحد من إرث الرئيس السابق، جورج بوش، الأكثر سمية، هو استحداث القاعدة في العراق، التي ولدت "داعش" من رحمها.
إن لم يكن الأمر مأساوي، فعلى أقل تقدير أنه مثير للسخرية، فقبل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، تمسك كبار المسؤولين إبان ولاية بوش بوجود محور شر يجمع بين العراق والقاعدة، بزعم أن أعضاء التنظيم يتلقون تدريبات بواسطة رجال صدام لكيفية صنع أسلحة دمار شامل، ضمن واحدة من أكثر الحجج اللازمة لشن حرب كانت بالانتظار.
وبعد سقوط نظام صدام، لم يعثر على أي وثائق تثبت ارتباطه بالقاعدة، رغم الهائل من السجلات الدقيقة التي كان يحتفظ بها كسائر الأنظمة الاستبدادية.
فقد ترجمت وكالة الاستخبارات العسكرية الأمريكية عام 2006 أكثر من 34 مليون صفحة من وثائق صدام ولم تعثر على أي أثر لأدلة تشير إلى شراكة بينه والقاعدة.
وبعد ذلك بعامين، خلص "معهد التحليلات الدفاعية" المرتبط بالبنتاغون، بعد فحص 600 ألف وثيقة رسمية، بجانب الاستماع إلى تسجيلات صوتية ومرئية، مدتها آلاف الساعات، إلى ذات الاستنتاج.
أضف إلى ذلك، تحقيقات لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ عام 2008، التي توصلت لنتائج كسائر التحقيقات السابقة،، بعدم وجود علاقة تعاون بين نظام صدام والقاعدة قبل الحرب.
وعوضا من أن تقطع الحرب أي علاقة محتملة بين الطرفين، فقد عجلت بوصول القاعدة إلى العراق، رغم أن تعتيم إدارة بوش على حقيقة أن القاعدة رسخت نفسها رسميا في العراق، بعد عام ونصف عام من الغزو.
في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2004، تعهد زعيم التنظيم الوحشي، أبو مصعب الزرقاوي، في بيان، بالولاء إلى زعيم تنظيم القاعدة، أسامه بن لادن.
عبقرية الزرقاوي الشيطانية قادت العراق نحو طريق الحرب الأهلية، وفي مطلع عام 2004، اعترض الجيش الأمريكي رسالة منه إلى بن لادن اقترح فيها إشعال حرب أهلية بين السنة والشيعة.
وتمثلت استراتيجيته في ضرب الشيعة لينتقموا من السنة، مطلقا بذلك دائرة من العنف نصبت فيها القاعدة نفسها دور المدافع عن السنة، وأثبتت الإستراتيجية نجاحها البالغ بإشعال جذوة صراع طائفي تحول لاحقا لحرب أهلية.
دأبت "القاعدة في العراق" على استهداف مواكب الزوار الشيعة، والمزارات ورجال الدين، وبلغ العنف ذروته في فبراير/شباط 2006، بالهجوم على "المسجد الذهبي" في سامراء، أكثر المزارات قدسية لدى الشيعة.
وبعد مرور ثلاث من الحرب العراقية، بدا التنظيم أكثر قوة، فقد أظهرت تقديرات استخباراتية لقوات المارينز الأمريكية، يعود تاريخها إلى 17 أغسطس/آب 2006، بأن القاعدة هي الحاكم الفعلي على محافظة الأنبار، شرقي العراق، وهي منطقة استراتيجية مهمة حدودها متاخمة لثلاث دول عربية هي سوريا والأردن والسعودية
بالإضافة إلى ذلك، سيطرت القاعدة على حيز كبير من الحزام المحيط ببغداد – "مثلث الموت" ويمتد من شمال العاصمة مرورا بعدد من البلدات بالشمال وحتى نهر دجلة للحدود السورية، وبذلك، سيطر التنظيم على مناطق أكبر من "نيو إنغلاند" وبسط قبضة حديدية على سكان المنطقة السنة.
بعبارة أخرى، إدارة بوش عملت، وبدقه، على بروز نجم القاعدة، مناقضا بذلك أبرز أهداف الحرب على العراق، وهي تدمير الملاذ الآمن للتنظيم في قلب العالم العربي.
بحلول 2007، استفز عنف القاعدة وتبنيها أيديولوجيات حركة طالبان، العشائر السنية، وتمثل ذلك بانقلابها على التنظيم، وتشكيل جماعات "الصحوة"، وتلقى العديد منهم رواتب تحت برنامج العم سام المسمى "أبناء العراق."
الجمع بين المعلومات الاستخباراتية التي وفرها "أبناء العراق" والقوى العسكرية الأمريكية، كان مزيجا فعالا في تدمير التنظيم، وفي الفترة ما بين 2006 و2008، تقلصت القاعدة بالعراق، من تنظيم مسلح يسيطر على مناطق شاسعة، إلى مجرد تنظيم إرهابي.
لكن تنظيم القاعدة لم يختفي، بل توارى، وأيقظته الحرب السورية، وتحول خلال السنوات الثلاث الماضية، إلى "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام"، الذي يزحف الآن نحو غرب وشمال العراق، فقط هذه المرة لا يوجد جيش أمريكي لوقفه.
المصدر