عاهِدِيني يا رفيقة ()"
جلستا على أريكة.
نظرت إحداهما إلى صاحبتِها، وقالت: أحِبُّكِ يا رفيقة.
فأمسكت بيدِها، وقالت: وأنا أُحِبُّكِ أكثر يا أغلى صديقة.
قالت: بل حُبِّي لكِ أكبر في الحقيقة.
فاحتضنتها، وقالت: حُبُّكِ في قلبي بمِقدار حُبِّي في قلبِكِ، وأشواقي لكِ عميقة.
قالت: عاهِديني يا توأمَ القلبِ، ويا رفيقةَ الدَّرب، على أن نلتقِيَ في الجِنان،
نتصافَحُ، ونتكلَّمُ، ونتذكَّرُ اجتماعَنا في الدُّنيا، ونرى سَويًّا رَبَّنا الرَّحمَن.
فتعجَّبَت، وقالت: وكيف أُعاهِدُكِ يا حبيبة على غَيْبٍ هو في عِلم اللهِ؟!
قالت: بأن تتكاتفَ أيدينا، ويكونَ رِضا اللهِ وجَنَّتُهُ أغلى أمانِينا،
وتكونَ الدُّنيا تحت أقدامِنا لا في قلبَيْنا. فنفعلُ الطاعاتِ،
ونسيرُ سويًّا في دُرُوبِ الخيراتِ، لا تُعيقُنا المُثبِّطاتُ،
ولا تُثني عزائِمَنا المُحبِطاتُ، ولا تُوقِفُ مَسيرَنا الضائِقاتُ.
قالت: أُعاهِدُكِ يا رفيقة. وأنتِ عاهِديني على ألَّا تتركيني،
وأن تُمسِكي بيدي دومًا وعلى الخير تُعينيني،
وإنْ رأيتيني على معصيةٍ تنصحيني وتُوجِّهيني،
وإنْ زلَّت قدمي يومًا تأخُذي بيدي وتنتشليني،
وإنْ أبعدتنا المسافاتُ لا يبتعِدُ قلبُكِ ولا تنسيني،
وإنْ فرَّقنا المَوتُ تبقين على العَهدِ وتُكملين المَسيرَ على أمل
أن تلحقي بي وفي الجنَّةِ أنتظِرُكِ أو تنتظريني.
فأدمعَت عيناها، وقالت: آهٍ لذاكَ الحُلْمِ يا رفيقة،
يا صاحبةَ الحِسِّ المُرهَفِ والمَشاعِر الرقيقة.
ولا تنسي أُمَّتنا مِن دُعائِنا وأحلامِنا.
قالت: أُمَّتي في قلبي جُرحٌ نازِفٌ، فكيف أنساه؟!
ومع ذلك فما زال للأمل مكانٌ بين شلالات الدِّماءِ،
وما زالت الحياةُ موجودةً رغم كثرة الجُثَثِ والأشلاءِ،
وما زال الإيمانُ يملأ القلوبَ رغم المَعاصي والذنوب.
والفَجرُ سيبزُغُ بلا شَكٍّ، والشمسُ ستُشرقُ لا مَحالة،
والنَّصرُ قادِمٌ. فلا يأسَ ما دامَ للكونِ إلهٌ مُطَّلِعٌ على عِبادِه،
يُدبِّرُ أمورَهم، وكُلُّ شيءٍ عنده بأَجَلٍ.
قالت: آمَنتُ باللهِ.
وأمسكَت بيدِها، وبدأتا المَسيرَ، مُستعينتين باللهِ.