.. مُشَاجَرَةٌ بَيْنَ الألْوَانِ ~
. . . . . . . . . .
بسمة فتاةٌ تُحِبُّ الرَّسْمَ ، ترسُمُ الطبيعةَ ولا رُوحَ فيه .
أرادت يومًا أن تُعبِّرَ عن شيءٍ بداخلها ، فأحضرت عُلبة ألوانها ،
ووضعتها فوق ورقةٍ بيضاء .
خرجَت مِن حُجرتها ؛ لتقومَ ببعض الأعمال في البيت ، ثُمَّ تعود لترسُم .
وبمُجرَّد أن خرجَت ، بدأت تظهرُ أصواتٌ مُنخفِضةٌ مِن عُلبة الألوان ،
التي تحوي عِدَّة أقلام .
كُلُّ لونٍ منهم يقولُ : أنا الأفضل ، أنا الأجمل .
= قال اللونُ الأخضر : أنا لونُ الزروع والأشجار ،
مَن نَظَرَ إليَّ ارتاحَت عيناه ، وأحسَّ براحةِ البال .
وتجِدوني في البطيخ والتُّفَّاح والليمون وسَعف النَّخيل .
فهل هُناك أجملُ مِنِّي ؟!
= قال اللونُ الأزرق : أنا أجملُ مِنكَ ؛ فأنا لونُ السَّماءِ ،
مَن نَظَرَ إليها رآها صافيةً زرقاء ، فهَدَأ قلبُه ، وطهرت رُوحُه ،
وسَمَت نَفْسُه . فتأمَّل ، فلَستَ أفضل مِنِّي .
= قال اللونُ الأصفر : لا أنتَ ولا هو ، بل أنا الأجمل ؛
فأنا لونُ الشمس . هل يُمكِنُ لشخصٍ أن يعيشَ دُونَ أن يراني ؟!
وأنا أيضًا لونُ المِشمش والليمون والتُّفَّاح والبَرقُوق .
وكُلُّها أطعمةٌ مُفيدةٌ يَحتاجُها الجِسم .
= قال اللونُ البُنيّ : وهل هُناكَ أجمل مِن لون النَّخيل ؟!
تُعطيكم تمرًا لذيذًا ، وتستفيدون مِن سَعفها .
= قال اللونُ البنفسجيّ : وأنا لونُ الباذنجان ،
الذي يُزيِّنُ كثيرًا مِن الموائد ، ولا يكادُ يخلو منه بيت .
= قال اللونُ البُرتقاليّ : وأنا لونُ البُرتقال ،
الذي يحوي فيتامينات مُفيدة للجِسم
،
ويُخفِّضُ عصيرُه الحرارةَ ، خاصَّةً عند الأطفال
.
= قال اللونُ الأحمر : كَفَى كَفَى ، أنا أجملُ منكم ؛
فأنا لونُ التُّفَّاح الذي يُفيدُ الجِسمَ ، ويُمِدُّه بالحَديد
وغيره من المواد التي يَحتاجُها ، فيكونُ سببًا في عِلاج
كثيرٍ من الأمراض . وأنا أيضًا لونُ الطماطم التي تُستخدَمُ
في صُنع كثيرٍ من المأكولات . هل رأيتُم بيتًا يخلو منها ؟!
وأنا لونُ الفراولة والبرقوق والبطيخ . أرأيتُم فوائدي الكثيرة ؟!
= فقاطَعه اللونُ الأسودُ قائِلاً : لا ، بل أنا أجملُ الألوان ،
تجِدوني في زِيِّ المَرأةِ المُسلِمةِ ، أستُرُها ، وأكونُ أفضلَ منكم .
= فقال اللونُ الأبيض : اسكتوا ، اسكتوا ، وهل هُناكَ أجملُ
وأروعُ وأحلى مِنِّي ؟! لونُ الصَّفاءِ والنَّقاءِ ، ولونُ اللبن الذي
هو مِن أفضل المشروبات ، والذي يحتوي على كثيرٍ من المَواد
التي يحتاجها الجِسمَ . وكذلك لونُ الفّلِّ ذي الرائحةِ الجميلة .
وأنا الأفضلُ على الإطلاق في ملابس الرِّجال .
كانت بسمة تستمعُ إليهم مِن بعيدٍ وتبتسِم .
ثُمَّ بدأت أصواتُهم تعلو ، وكُلُّ لَونٍ يُحاولُ أن يُبرِزَ نَفْسَه ،
ويُقنِعَ الآخَرينَ بمِيزاتِهِ وفوائده وجماله .
فأقبلَت بسمة إليهم ، وأمسكَت بهم ، وقالت : كُلُّكم أحبابي ،
كُلُّكم أصحابي ، كُلُّكم لا يُمكِنني الاستغناءَ عنكم .
فالأزرقُ يُهَدِّئُ قلبي ، والأخضرُ يُريحُ عيني ،
والبُنيّ يَجذِبُني ، والأسودُ يَستُرُني ،
والأبيضُ يُشعِرُني بالطُّهرِ والنَّقاء ،
والأحمرُ والبنفسجيّ والبُرتقاليّ ألوان أطعمةٍ أُحِبُّها ،
وملابس أتزيَّنُ بها ، والأصفر لونُ شمسٍ في الشتاءِ تُدفِئني ،
وفي الصيف تُطهِّرُ ملابسي .
فلِكُلٍّ منكم فائدةٌ يا ألواني ، ولا داعي للشِّجار والخِصام .
لا يُمكِنُ للونٍ أن يبقى وَحده في هذا الكون ،
وأن يَدَّعي أنَّه الأكثر فائدةً ونَفعًا .
ولا يُمكِنُ للونٍ أن يَستأثِرَ بحُبِّ الناس دُونَ إخوانِهِ مِن الألوان الأخرى .
ثُمَّ أمسكَت بسمة بألوانِها ، وبدأت ترسُمُ على الورقة .
رَسَمَت شمسًا – باللون الأصفر – دليل الأمل ،
وسُلَّمًا – باللون الأسود – دليل الصّعود نحو العَطاء
.
ورَسَمَت كُوبًا به لَبَن – باللون الأبيض – دليل الصَّفاءِ
.
ورَسَمَت أشجارًا وحَشائِش – باللون الأخضر – دليل التَّفاؤل .
ورَسَمَت شجرتيْ باذنجان لونه بنفسجيّ ، وبُرتقال لونه بُرتقاليّ .
ورَسَمَت سماءً بها غيوم باللونين الأزرق والأبيض .
ورَسَمَت باللون البُنيّ نخلةً بها تمرٌ أحمر .
وبعد أن أنهَت رَسْمَتها ، وَضَعَت ألوانَها بجانِبِ بعضِها داخل العُلبة ،
وقالت : كُونوا هكذا دائِمًا مُتعاونين . أرأيتُم كيف استفدتُ منكم جميعًا ؟!
فاتَّحِدُوا ولا تختلِفوا ، واجتمِعوا ولا تفترِقوا .
للاأمانه
بقلم / الساعية إلى الجنة