شارع النجفي في الموصل
تحقيق / واثق الغضنفري
في زمان جميل مضى قبل دخولنا عصر الحاسوب والبث الفضائي والأنترنت وتحول العالم إلى قرية إلكترونية. كان للكتب قراءها وللجرائد عشاقها وكان الموصليون يتهافتون على زيارة شارع النجفي لقراءة ومعرفة أخر الأخبار والتطورات في العالم ولاقتناء المجلات المصرية والكتب القادمة من دمشق ولبنان والقاهرة ولهذا الشارع قصة..
من فتحه ؟ من عمل فيه ؟ لماذا سمي شارع النجفي؟ ...............إليكم القصةفي سنة 1914 باشر الوالي العثماني على الموصل سليمان نظيف بفتح شوارع عديدة منها شارع سوق الشعارين وشارع نينوى وبوشر بفتح هذا الشارع وباشر العمال بهدم البيوت الموصلية لشق الطريق ونتيجة لهذا هدمت بيوت عديدة منها دار السيد محمد بك النجيفي والذي يعود بأصوله إلى قرية النجيف بالجزيرة العربية كما ذكر الأستاذ أزهر العبيدي في كتابه أسماء وألقاب موصلية وكون هذه الدار كبيرة وتأخذ مساحة واسعة أصبح مكانها نقطة دالة للموصليين فأطلقوا عليه اسم شارع النجفي لسهولة اللفظ فاكتسب الشارع تسميته هذه ولا زال ، ولقد أكمل الكولونيل لجمن وهو أول حاكم انكليزي للموصل سنة 1918 توسيع الشارع واستقدم السجناء الموصليون لكسر الحجر كما أفاد بذلك المرحوم الحاج عبد القادر ابن الحاج زكريا التاجر لولده الكاتب والباحث معن عبد القادر والذي بدوره أعلمني إياها لأضيفها في كتابة موضوعي هذا وأمانة تاريخية انقلها للقراء
كان الشارع ولا زال يلبي احتياجات الطلبة من القرطاسية والكتب ويزود المثقفون أخر إصدارات دور النشر بل كانت الأحزاب السياسية تملك مكاتب يرتادها مناصروها من قوميين وشيوعيين وبعثيين وكم كانت النقاشات تسخن بينهم وتتحول إلى عراك أحيانا كما سمعت. ويذكر الموصليون المرحوم الصحفي عبد الباسط يونس عندما قاد مظاهرة تندد بمعاهدة بورت سموث في نهاية شارع النجفي وكان يصرخ (يسقط أكبر رأس بالحكومة ......) شارع يفيض بالحياة لكل الموصليون فهو يمنح العائلة الموصلية وضيوفها الهدايا والحلويات وخير مثال حلاوة من السما التي اشتهرت بها الموصل عن باقي مدن العراق . وكم شاهدنا امهاتنا وقريباتنا وهن يدخلن شارع النجفي للذهاب إلى سوق الصياغ لشراء نيشان الخطوبة لزيد أو عمر من أقرباءنا وكم شربنا من أقداح شربت الزبيب الموصلي أو (طاسة) عرق السوس التي يعج الشارع ببياعهما. أو ذهبنا لزهير الخطاط ليصنع لنا نشرة مدرسية نغيض بها زملائنا في المدرسة وكم مرة أخذنا صور للمعاملات عند أستوديو محفوظ (رحمه الله).شارع النجفي ايها الغريب ببنائك وكثرة وتنوع محلاتك ألوان وعناوين وذهب يلمع ورائحة الحلوى كأنها رائحة الورد يزكو أنوفنا وكم بكينا لأننا لم نتذوقها.؟؟ تفرعاتك تشبه شرايين القلب تدور كلها وتعود إليك يا قلب الموصل وغريب بأبنيتك ففيك أبنية رائعة بشناشيلها ولكن ألوان القرطاسية وألوان المشروبات وجمال الفتيات منعتنا من أن نرفع رأسنا لمشاهدتها؟؟.وسط الشارع يوجد مسجد (عداس) والذي يعرف خطأ باسم مسجد العباس. فلقد بنى الموصليون هذا المسجد وأسموه حباً بابن مدينتهم عداس النصراني الذي اطعم الرسول (صلى الله عليه) العنب بعد خروجه من الطائف حزيناً من موقفهم ضد الرسالة فلنتصور مسجد يحمل هذا الاسم قبل استيرادنا للطائفية والمذهبية والقومية وقبل مجيء الديمقراطية المسلفنة للاحتلال الأمريكي.ورد في كتب التاريخ أن الوالي العثماني سليمان نظيف أثناء فتحه للشارع هدم صحن المشهد وأدخله ضمن الشارع فقام الحاج عبد الباقي الشبخون سنة 1927م ببناء المسجد وبنى مدرسة وأضاف له مأذنة حديدية والغريب في الأمر أن الحداد الذي بنى المئذنة وضع في أعلاها (الجاكوج والبلايس) ومنذ ذاك اليوم ولحد الآن موجودة وقد أراني اياها أبي رحمه الله في السبعينيات وأريتها لأبني كرم قبل أيام ولعلها حكمة من الحداد يخبرنا فيها أن الموصليين شيدوا المئذنة والجامع بسواعدهم فابنوا مدينتكم يا أحفادي؟وقد أضاف حفيده السيد رضوان الشبخون قيصرية كبيرة سنة 1984 فأعطت الشارع جمالاً واتساعاً أكبر وللقراء أوضح أن الشبخون كلمة فارسية معناها (شب خونده) وتعني قارئ الليل حيث كان جدهم يقرأ القران طيلة الليل فأطلق الموصليون عليه هذا اللقب وأعمار الشارع قديماً وحديثاً ميزة تمنح لهم فمبروك لهم.والشارع لم يعمر بجدية إلا عام 2008 حيث قامت بلدية الموصل بتسقيف الشارع بأسلوب حضاري يذكرنا بالأسواق التركية والسورية ورصف الأرضيات بالشتايكر التركي فاستبشرنا خيراً وفجأة توقف المشروع وتركت أرصفة الشارع مهملة فاحترنا كيف نمشي فلقد اغتال أصحاب المحلات الأرصفة سابقاً وأصبحت معرضاً لبضاعاتهم وأجبرنا للسير في الشارع كونه مغلق بوجه السيارات بطريقة (zigzag) بسبب العربات والبسطات !!!والشارع اغتيل اليوم فكيف نمشي الله اعلم ؟ فيا سادتي المسؤولين في الموصل الحدباء ارحموا شارع النجفي فهو تاريخ مدينتكم وقلبها النابض بعوائله وتجاره الذين عاشوا في أزقتها يوم كانت الموصل مسورة. كم اتمنى ان يقيم مركز دراسات الموصل ندوة عن تاريخ شارع النجفي ونذكر فيه أول من صنع حلاوة من السما في الموصل وأول المطابع الأهلية وأشهر ميزان في الموصل (ميزان ابن خروفة) وأعذب شربت زبيب واقدم بائعي السوس وأقدم المركبات وأقدم تجار القرطاسية (آل العسلي) وأقدم الناشرين (آل الكركجي) وأول رجالات السياسة وأول أعضاء جمعية العهد (محمد النجيفي وآل حديد والغلامي) ولو استمريت بذكر مميزات شارع النجفي فلن انتهي وانا متعب وقلبي مريض وهذه مسؤوليتكم يا مؤرخي الموصل وختاماً اكرر سؤالي للمسؤولين (متى ينتهي اعمار شارع النجفي؟) اللهم اشهد اللهم اني بلغت.