فتحَت نافِذتَها، فإذا بالليلِ قد أقبلَ.
نظَرَت إلى السَّماءِ، وقالت: أقبلَ الليلُ بظَلامِهِ، وملأ الكَونَ بسَوادِهِ.
ظُلمةٌ حالِكةٌ كظُلمةِ القلبِ حينَ تُنكَتُ فيه نُكَتٌ سَوداءَ من إدمان المَعاصي،
فلا يَعرفُ مَعروفًا ولا يُنكِرُ مُنكرًا إلَّا ما أُشرِبَ من هواه،
وسَوادٌ كسَوادِ الغُرابِ حينَ تلقاه.
آهٍ ثُمَّ آهٍ لِحياةٍ بَعيدةٍ عن الله.
ويا حَسرةً على عَبدٍ تملَّكَ منه الشَّيطانُ وأغواه.
سَوادٌ كسَوادِ نار جهنَّمَ، فيها يُلقَى الكُفَّارُ والعُصاة،
ولا يستطيعونَ منها النَّجاة.
كُلُّ شيءٍ في عيني يَبدو أسودًا.
نظَرَت إليها أُختُها، وقالت: ما بالُكِ أُختاهُ تُبغِضينَ الحياة؟!
وتنظُرينَ لِكُلِّ شيءٍ حولَكِ نظرةً تشاؤميَّةً سَوداء؟!
ألَا ترينَ في إقبال الليل دُعاءً ومُناجاة، وتقرُّبًا إلى اللهِ بالصَّلاة؟!
ألَا ترينَ في هذا الظَّلامِ نُجومًا تملأ السَّماءَ، وقَمرًا يُنيرُ الأرجاءَ؟!
نورُه كنُور القلبِ حينَ يَملؤه الإيمانُ،
وكنُور الوَجه حينَ يَستقيمُ العَبدُ ويَلزمُ الطَّاعةَ.
فاخلعي تلكَ النَّظَّارةَ السَّوداءَ، ودَعِي عَنكِ تلكَ النَّظرةَ العَمياء.
وانظُري للحياةِ نظرةً تفاؤليَّةً مُشرِقة.
مِنَ النَّاسِ مَن يُحِبُّ أن يتذكَّرَ الأحزانَ، ويَجلِبَ لِنفسهِ الهُمومَ والآلامَ.
يُبكيه ماضيه، ويُؤرِّقُه حاضِرُه، ويَشغلُه مُستقبلُه.
فإذا لَقيتَه عَبَسَ في وَجهِكَ،
ومهما حاولتَ رَسمَ الابتسامةِ على مُحَيَّاه لم يبتسِم،
ومهما حاولتَ إضحاكَه لم يَعبأ بكلماتِكَ،
ورُبَّما ابتسَمَ ابتسامةً باهِتةً من بابِ المُجاملَة.
إذا أحسنتَ لم يَشكرك، وإذا أسأتَ رُبَّما ذَمَّكَ وعابَ عليكَ وعَيَّركَ.
الحَياةُ لا تخلو من الهُموم، والبُيُوتُ لا تخلو من المُشكلات،
والإنسانُ دائِمًا ما يُعاني. لكنْ لا يعني ذلك أن نستسلِمَ لِمَا يُصيبُنا،
أو أن نيأسَ من حياتِنا، أو أن نتشاءَمَ من واقِعِنا.
تبسُّمُ الآخرينَ في وجوهِنا لا يَعني أنَّهم يَعيشونَ حياةً مِثاليَّة،
ومِزاحُ غيرنا معنا لا يَعني أنَّهم يَعيشونَ بلا آلام،
وتواصُلُ أحبابِنا معنا وسُؤالُهم الدَّائِمُ عنَّا لا يَعني أنَّ أوقاتَهم فارغةٌ
لا يَجدونَ ما يَشغلونها به.
كُلُّ إنسانٍ عنده من الهموم ما يَكفيه.
لكنْ مِن النَّاس مَن يَستطيعُ التَّكيُّفَ مع واقعه وهمومه،
وإخفاءَها عَمَّن حوله؛ حتى لا يُؤلِمهم،
ومنهم مَن يُفضفِضُ لِيُخَفِّفَ عن نَفسه قليلاً،
ومنهم مَن يَشكو ويتسخَّطُ ولا يَرضى بحاله،
ومنهم مَن يَحمدُ اللهَ على ما أصابَه، ويَصبِرُ ويَحتسِبُ.
ليس جميلاً أن تعيشَ مُتشائِمًا، وأن تنظُرَ للحياةِ نظرةً بائِسةً يائِسة.
كُن مع اللهِ بقلبِكَ، بلِسانِكَ، بكُلِّ جوارحِكَ.
ادعُه، استعِن به، توكَّل عليه، واسأله حاجتكَ ولا تَمَلّ.
ارضَ بنصيبِكَ، واصبِر على ما يُصيبُكَ.
ليَكُن لَكَ أمـــلٌ تعيشُ به، وتسعى لتحقيقِهِ.
انظُر بعينين لامعتين، سترى شمسَ الأمـلِ تُشرِقُ من بعيد،
سترى سعادةً تُناديكَ أن اقترِب، سترى جنَّةً تنتظِرُكَ، فاعمَل لها،
ووَدِّع الألَم، واغرِس بُذُورَ التَّفاؤل والأمل،
وامضِ في طريق الخيرِ والعَطـاءِ، ولتَعِش بين خَوفٍ ورَجاء.