تطرق أسماعنا دائماً كلمة العشق وما يشتق منها من قبل الشعراء وبعض الخطباء وكثير ما نسمعها من قبل الناس وخصوصاً في المناسبات الدينية وهم يطلقونها على المعصومين (عليهم السلام) تعبيراً عن فرط حبهم لهم كما ونسمع البعض يستعمل كلمة العشق مع الله ويسمي الذات المقدسة معشوق, مع اننا نعلم بأنّ أسماء الله توقيفية, وحيث إننا لم نجد في القرآن الكريم هذه الكلمة بل وجدنا إن القرآن قد استخدم كلمة الحب وما يشتق منها في أكثر من ثمانين موضعاً كما في الآية : (( قُل إِن كُنتُم تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ اللَّهُ )), وعبّر عن الأفراط في الحب بالشدة كما في الآية : (( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ )) , ولم نجد أهل البيت (عليهم السلام) استعملوا كلمة العشق في أدعيتهم ومناجاتهم مع الله عزوجل, بل وجدنا بعض أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) يذمون فيها العشق, كما وردعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال : (( مَن عَشَقَ شَيئاً أَعشى بَصَرَهُ, وَأَمرَضَ قَلبَهُ, فَهُوَ يَنظُرُ بِعَينٍ غَيرِ صَحيحَةٍ, وَيَسمَعُ بأذُنٍ غَيرِ سميعَةٍ, قَد خَرَقَتِ الشَهَواتِ عَقلَهُ, وَأَماتَتِ الدُّنيا قَلبَهُ, وَوَلهَتِ عَلَيها نَفسَهُ, فَهُوَ عَبدٌ لها وَلمِنِ في يَدَيهِ شَيء مِنها ...)), وكما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) حين سُئل عن العشق؟ فقال : (( قُلوبٌ خَلَت عَن ذِكرِ اللهِ فَأَذاقها اللهُ حُبَّ غَـيرِهِ )), كما إنّ أقصى ما عبر به النبي عن المودة وقرب المنزلة في حديثه بالحب حين قال في حق أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ).
ولو كانت كلمة العشق تعبيراً عن الأفراط في الحب لكان الأولى أن يطلقها النبي (صلى الله عليه وآله) في حق أمير المؤمنين (عليه السلام) بدل كلمة الحب, ولكان الأولى إختصاص نبيُّنا (صلى الله عليه وآله) بالعاشق لا الحبيب لأنه ليس ثمة مخلوق في الوجود أحب الى الله منه.
السؤال :
1- هل يجوز إطلاق لفظ العشق وما يشتق منه على المعصومين (عليهم السلام), وهل مايقوله بعض الناس ( أنا عاشق الحسين) و(أنا عاشق الزهراء"عليها السلام") صحيح أم لا ؟
2- هل يجوز إطلاق لفظ العشق على الله وتسمية الله بالمعشوق كما يقول البعض ( أنا عاشق الذات المقدسة)؟
3- إذا كان لفظ العشق يشير الى أعلى مراتب الحب, فهل يعني هذا إنّ رسول الله وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) لم يصلوا الى هذه المرتبة, حيث لم يُعهد التعبير به عنهم في أحاديثهم وأدعيتهم ومناجاتهم ؟
4- وهل صحيح اعتقاد البعض إن العشق ينقسم الى حقيقي ومجازي, والحقيقي هو عشق الله وصفاته وأفعاله, والمجازي هو العشق النفساني للشخص الانساني, والعشق المجازي يكون قنطرة وموصل الى العشق الحقيقي, ويوصون من أراد السلوك العرفاني الإبتداء بالعشق النفساني الانساني للوصول الى العشق الحقيقي وهو عشق الله؟
الجواب:
الأخ إحسان العبيدي المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك من يقول أن لفظ العشق لا يطلق إلا على حب الأمور الباطلة, لكن قد يرد ذلك بأن لفظ العشق استعمل بخلاف ذلك.
ففي رواية عن أبي عبد الله الحُسين (عليه السلام ) أنّه قال, قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها وأحبها بقلبه وباشرها بجسده وتفرغ لها فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عسر أم على يسر).
ثم أنه بناءاً على توقفية أسماء الله تعالى لا تطلق الأسماء والأفعال المشتقة من العشق عليه سبحانه وتعالى.
ثم انّه لا يمكن إطلاق لفظ عاشق على الله تعالى لان العشق لا يحصل إلا عند الفقد بخلاف الحب الذي يحصل عند الـفقد والوجد.
ويمكن القول أن المعصومين عليهم السلام لم يطلقوا لفظ العشق على الله تعالى لانه دائماً حاضراً عندهم موجوداً في قلوبهم فلا يصح ان يطلق عليه معشوقاً لهم بل هو محبوب عندهم, ومن هنا يتضح صحة قول البعض بأنه عاشق للأئمة عليهم السلام وذلك لأنه يفتقد اللقاء بهم.
ودمتم برعاية الله وحفظه ...