تعميق الفكرة واستلهام مأساة الإنسان11/06/2014 08:51
لا تبتعد المنحوتات التي تطل علينا ضمن تجليات عالم سامي محمد عن تحريك وفاعلية الحدث الواقعي في البيئة العربية والإنسانية، وبقدر ما تفرض طابعا مأساويا/ثوريا، فإنها تظهر حدا فاصلا بين مجريات الحدث وانصهارها الجمالي من جهة ثانية، وقد ولدّت تلك المنحوتات أهميتها البنائية والتراكيبية من منطلق التوازن بين الأصالة والالتزام في قواعد النحت العالمي وأسسه الجمالية وبين متطلبات الالتزام بأواصر البعد الاجتماعي وتعقب السياق التاريخي للشخصية العربية.
الاستعانة بالرمزية
واتسعت دوائر المنحوتات بمعونة النص البصري المعاش من دون أن توفر المخيلة نماذج لأسطورة ما، وهذا الأمر يفرض وجهة واقعية خالصة يتعذر علينا الابتعاد عن طرازها التركيبي وبنائيتها الاسلوبية، وإذا كان لأسلوبيته في الشكل والتوثيق سبيل يتعين عليه اللجوء للواقعية، فإن خيار الاستعانة بالرمزية وإثارتها عدت نسخة حاضنة مكنت صياغة النحت عند هذا الفنان من عدم الابتعاد عن شفرات العمل الفني. ولهذا نرى المحمولات الدلالية ضمن فضائه التأويلي تمثل جسدا ذات نسق جلي لا يرتكن للغموض ولا يلتحم بغير وصايا التعاظم الشكلي الذي ينشده سامي محمد.
وإذا كان الجوهر الجمالي الذي تسري عليه كتلة النحت ذات إيقاع يستجيب لدوافع الوعي المتعالي صوب جهة الإنسان، فإن مراكز الفعل الجمالي والتعبيري تحيل الصياغات والمادة الاساسية لعمله إلى قراءة متعددة تنم غالبا عن مألوفيتها وتشكلها الصوري الأخير.
تمظهرات الغرابة
فلقد رأينا أعمالا كثيرة للنحات تركت تبجيلا في أنفسنا ومثلت سجلا فنيا رصينا له، وكان لذلك عدة أسباب منها إصراره على إعطاء العمل جاذبية ترشدنا الى أن الجسد الانساني المنحوت، بكل لوازمه واطره التركيبية، يدفعنا لشحناته الدلالية وفقا لقوة الاستلاب وإعلاء قيم الغرابة الإنسانية التي يعيشها المرء... وحمولة البعد الفكري والتعبيري في تلك المنحوتات ألحقت برؤيته البنائية الالتزام بأسلوبية اصبحت ذات التصاق لا يمكن التخلي عنه، وكأن متاهة شخوصه ورغبتهم في الانعتاق تلزمنا معرفة ظلال تلك الشخصية واتساع قدرتها في التحرر. وما يهمنا في مثل هذا السياق التنويع المظهري والغنى المثقل بالتعبيرية يضاف له البحث في معرفة الخطوط الداخلية المتشنجة وراء حركة تلك المنحوتات.
نداء باطني
وكل تلك التكوينات ينطبق عليها التحول والاستجابة لمعايير النداء الداخلي ولكن السؤال المقلق هنا.. كيف نواجه الحقيقة الإنسانية عبرمعالم رؤية النحت؟
قبل الإجابة علينا أن نعي تماما بأن خلاصة حضور تلك الشخصيات في عالم النحت عند سامي محمد وظفت لاستكمال مشروع تعبيري ذات صبغة ودراية واضحة تستمد هويتها وتشخصها بحضور عنيد، حضور جدير بالتأمل مثلما جدير بصياغاته الرمزية وحمولالته الدلالية، وما تأسيس هذا الحشد من الكتل البشرية وعنفوانها واغترابها إلا تلخيص المساحة الموصوفة من هواجس المرء وربط هيكلية الاجساد بتابعية الثورة، ومن هنا أصبح الجسد بحد ذاته شفرة محملة بالسيمياء التي تدل على ممكنات الخطوط الحمر من مسارات التوتر أو الجاذبية للاشتغال الفكري الاخير الذي ينشده سامي محمد.