عقيدة الشيعة في الإمام المهدي عليه السلام
الاعتقاد بإمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم السلام ، من أصول مذهبنا .. بل هو محوره الذي سمي لأجله « المذهب الامامي » و « مذهب التشيع » و « مذهب أهل البيت » عليهم السلام . وسمينا لأجله « الامامية » و « الشيعة » شيعة أهل البيت .
وأول الأئمة الأوصياء المعصومين عندنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وخاتمهم الإمام المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري عليه السلام ، الذي ولد في سنة 255 هجرية في سامراء ، ثم مد الله في عمره وغيبه إلى أن ينجز به وعده ، ويظهره ويظهر به دينه على الدين كله ، ويملأ به الأرض قسطا وعدلا .
فالاعتقاد بأن المهدي الموعود عليه السلام هو الامام الثاني عشر ، وأنه حي غائب جزء من مذهبنا . وبدونه لا يكون المسلم شيعيا اثني عشريا ، بل مسلما سنيا ، أو زيديا أو إسماعيليا .
ويستغرب بعض إخواننا اعتقادنا بإمامة الأئمة عليهم السلام ، وبعصمتهم ، وبغيبة المهدي المنتظر أرواحنا فداه . ولكن الميزان في الأمور الممكنة ليس هو الاستبعاد ولا الاستحسان ، بل ثبوت النص عن النبي صلى الله عليه وآله ، وقد ثبتت عندنا النصوص المتواترة القطعية ، الدالة على إمامته وغيبته عليه السلام .. ومتى ثبت النص وقام الدليل ، فعلى المسلم أن يقبله ويتعبد به ، وعلى الآخرين أن يعذروه أو يقنعوه . ورحم الله القائل :
نحن أتباع الدليل * أينما مال نميل
وإخواننا السنة وان لم يوافقونا على انطباق المهدي الموعود على الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام ، إلا أنهم يوافقوننا على كل ما ورد بشأنه من الأحاديث الشريفة ، من البشارة به ، وحركة ظهوره ، وتجديد الاسلام على يده ، وشموله العالم ، حتى أنك تجد أحاديثه عليه السلام واحدة أو متقاربة في مصادر الفريقين ، كما سترى في الفصل التالي إن شاء الله . على أن عددا من علماء السنة يوافقنا أيضا على أنه هو الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام ، مثل ابن عربي والشعراني وغيرهم ، ممن صرحوا باسمه ونسبه ، وثبت عندهم أنه حي غائب . وقد ذكر أسماء مجموعة منهم صاحب كتاب « المهدي الموعود » وهذا الاشتراك في عقيدة المهدي عليه السلام بين جميع المسلمين ، يجب أن يستثمره العلماء والعاملون لنهضة الأمة ، لأنه عقيدة ذات تأثير حيوي في جماهير المسلمين ، من شأنها أن ترفع مستوى إيمانهم بالغيب ، وبوعد الله تعالى لهم بالنصر ، وترفع معنوياتهم في مقاومة أعدائهم ، والتمهيد لامامهم الموعود عليه السلام .
ولا يصح أن يكون عدم ثبوت انطباقه على الإمام محمد بن الحسن عليه السلام عند إخواننا السنة ، موجبا لانتقاد من يعتقد بذلك ، ويتقرب به إلى الله تعالى .
وليس غرضنا هنا أن نطرح بحثا كلاميا في عقيدتنا في الإمام المهدي عليه السلام .. بل أن نعطي فكرة عن هذه الروحية الفياضة التي تعيش بها أوساطنا الشيعية عقيدة المهدي ، والتي كونت في ضمير المسلم الشيعي ، عبر الأجيال وتربية الاباء والأمهات ، مخزونا عظيما من الحب والتقديس والتطلع إلى ظهوره عليه السلام .
فالإمام المهدي أرواحنا فداه هو بقية الله في أرضه من أهل بيت النبوة ، وخاتم الأوصياء والأئمة ، وأمين الله على قرآنه ووحيه ، ومشكاة نوره في أرضه .. ففي شخصيته تتجسد كل قيم الاسلام ومثله ، وشبه النبوة وامتداد نورها . وفي غيبته تكمن معان كبيرة ، من الحكم والاسرار الإلهية ، ومظلومية الأنبياء والأولياء والمؤمنين ، على يد حكام الظلم وسلاطين الجور .. وفي الوعد النبوي بظهوره ، تخضر آمال المؤمنين ، وتنتعش قلوبهم المهمومة ، وتقبض أكفهم على الراية ، وإن عتت العواصف ، وطال الطريق .. فهم وصاحبها على ميعاد ..
ولئن كان الشيعة معروفين بغنى حياتهم الروحية مع النبي وآله صلى الله عليه وآله ، فإن شخصية الإمام المهدي أرواحنا فداه ومهمته الموعودة ، بجاذبيتها الخاصة ، رافد حيوي في إغناء روح الشيعي بالأمل والحب والحنين .
ينتقد البعض شدة احترام الشيعة لعلمائهم ، بينما يعجب به آخرون ويقدرونه . ويزداد الاعجاب أو الانتقاد إذا رأوا احترام الشيعة لمرجع التقليد نائب الإمام المهدي أرواحنا فداه ، وتقديسهم له وتقيدهم بفتواه ..
أما إذا وصل الامر إلى الأئمة المعصومين عليهم السلام فيتهمنا البعض بالمبالغة والمغالاة ، ويفرط بعضهم في التهمة فيقول إن الشيعة يؤلهون النبي والأئمة والمراجع ويعبدونهم ، والعياذ بالله ..
ولكن المشكلة ليست في شدة احترام الشيعة وإطاعتهم وتقديسهم لعلمائهم وأئمتهم .. بل هي ، في الواقع ، ابتعادنا نحن المسلمين جميعا عن النظرة الاسلامية إلى الانسان والتعامل بها معه ..
فنحن نلاحظ في القرآن الكريم ثلاثة مذاهب في مسألة قيمة الانسان : المذاهب البدوي ، الذي تذكره آيات الاعراب والمنادين من وراء الحجرات . والمذهب المادي ، الذي تذكره آيات أعداء الأنبياء وأصحاب الحضارات الكافرة . والمذهب الاسلامي ، تذكره آيات تكريم الانسان والتوجيه إلى عالمه العقلي والروحي والعملي .. وأحسبنا في عالمنا الاسلامي نعيش تأثيرات كثيرة للبداوة وللمادية الغربية في نظرتنا إلى الأنبياء والأئمة والأولياء والشهداء والمؤمنين . والى جمهورنا وشعوبنا الاسلامية . بل إلى أنفسنا أيضا .
لقد أوجد الانحطاط الحضاري والتسلط الغربي في مجتمعاتنا ظروفا قاسية سياسية واقتصادية واجتماعية ، لم تعد معها حياة الانسان المسلم في أصلها محترمة ، فكيف نطمح إلى احترام أبعاد وجوده الأخرى وتقديسها ؟!
كما حول أذهاننا إلى أذهان بدوية تنزع دائما إلى « البساطة » بمفهومها المنطقي وتعادي الجمع والتركيب ..
فترانا نريد الشيء ببعد واحد ، ونرفض أن تكون له أبعاد متعددة في آن .. ونريد في قلوبنا لونا واحدا من العاطفة ، ولا نسمح لها أن تحمل ألوانا متعددة في آن .. ونرى في الأولياء والأئمة والأنبياء صلوات الله عليهم ، ظاهر أمرهم وحالهم ، ولا نرى قممهم الشامخة ، وعوالمهم العقلية والروحية العالية .. وإذا رأى أحد شيئا من ذلك نقول عنه مغال ، وإذا جاش بذلك عقله أو قلبه ، نقول مجنون أو منحرف .
ويبلغ الامر أقصى خطورته عند ما نلبسه ثوبا دينيا فنقاوم تقديس الأولياء والأئمة والأنبياء بحجة أنه يتنافى مع تقديس الله تعالى وتوحيده .. فكأن معنى أنهم بشر عليهم الصلاة والسلام أن يكونوا حفنة من رمل الصحراء . وكأن الامر يدور بين رمل الصحراء والسماء ، ولا ثالث .. فلا رياض ولا أنهار ، ولا روابي ولا قمم ..
وكأن مثل النور الإلهي الذي حدثنا عنه الله تعالى في سورة النور « مثل نوره كمشكاة فيها مصباح » موجود في غير أرضنا ، ومتجسد في غير هؤلاء العظماء ، صلوات الله عليهم .
أعتقد أن هذه الصحوة الاسلامية المباركة ، وحركة الأمة نحو إسلامها ومقاومة أعدائها ، هي الطريق لان نجد ذاتنا الاسلامية وإنساننا المسلم ، ونجد من جديد نبينا صلى الله عليه وآله ، وأئمتنا وعلماءنا ، ونتعامل معهم بما يليق بغنى شخصياتهم الربانية ، ومقاماتهم العالية ، وتمتلئ قلوبنا مجددا بمخزون الحب والعشق المقدس لهم ، الذي يهيؤنا ويفتح لنا باب الحب والعشق الأكبر لمولاهم ومولانا تبارك وتعالى . إن على من تحجبه الشجرة عن الغابة أن يعذر من يرى الشجرة والغابة معا ، والجبال والسماء . وعلى من يرى أن تقديس العلماء والأولياء والأئمة والأنبياء ، والعيش في عوالمهم ، مانعا عن تقديس الله تعالى وتوحيده .. أن يعذر من يرى ذلك درجات من التعظيم شرعها الاسلام ، لتنتظم بها الحياة ، وتفتح الطريق إلى تعظيم وتقديس وتسبيح الذي ليس كمثله شيء ، تبارك وتعالى .
فإذا كان إناء عقلي محدودا ، وإناء قلبي صغيرا ، يمتلئ ويغص بحب عظماء المخلوقين فلا يبقى فيه لحب الخالق مجال .. فعلي أن أعذر أصحاب العقول الوافرة ، والقلوب الكبيرة ، التي تتسع للجمع والتركيب ، وفهم قمم الأرض وآفاق السماء ، ومعايشتها جميعا ..
مقام الإمام المهدي عند الله تعالى
ومن المناسب قبل أن نقدم مقطوعات من الأحاديث والأدعية والزيارات ، لتكون نماذج عن عقيدتنا بالامام المهدي أرواحنا فداه ، ومشاعرنا نحوه .. أن نذكر شيئا من الأحاديث التي وردت في مقامه ، فقد ورد في مصادر الفريقين أن مقامه أرواحنا فداه مقام عظيم عند الله تعالى ، وأنه سيد في الدنيا والآخرة ، وأنه من سادة أهل الجنة ، وطاووس أهل الجنة ، وأن عليه من نور الله تعالى جلابيب تتوقد ، وأنه ملهم مهدي من الله تعالى وان لم يكن نبيا ، وأن الله تعالى يجرى على يديه كثيرا من الكرامات والآيات والمعجزات .. بل إن الحديث المعروف الذي روته المصادر المعتبرة عند الشيعة والسنة يدل على أنه أرواحنا فداه في مصاف الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم .. فعن النبي صلى الله عليه وآله قال « نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة ، أنا وحمزة وعلي والحسن والحسين والمهدي » غيبة الطوسي 13 وصواعق ابن حجر 158 .
وقد وردت في مصادرنا أحاديث مفصلة في فضائل الأئمة الاثني عشر عليهم السلام ، ومقامهم العظيم عند الله تعالى ، ومنها أحاديث خاصة بالامام المهدي المنتظر أرواحنا فداه ، وأنه نور الله في أرضه ، وحجته على خلقه ، والقائم بالحق ، وخليفة الله في الأرض ، وشريك القرآن في وجوب الطاعة ، ومعدن علم الله تعالى ومستودع سره .. إلى آخر ما فصله العلماء في كتب العقائد والتفسير والحديث . وقال أكثرهم بتفضيله على بقية الأئمة بعد أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام ، ووردت به الرواية . وقد ورد عند السنة تفضيله على أبي بكر وعمر ، فعن ابن سيرين ، قيل له « المهدي خير أو أبو بكر وعمر » ؟ قال « أخير منهما ويعدل بنبي » ابن حماد ص 98 .
من كلمات الأئمة في الإمام المهدي
من الملفت في هذا المجال ، أن نجد أن الأئمة عليهم السلام كانوا في طليعة المعبرين عن مشاعرهم وحبهم للإمام المهدي عليه السلام قبل ولادته ، إيمانا بوعد النبي صلى الله عليه وآله به ، وتطلعا إلى ولدهم الموعود ، وما سيحققه الله تعالى على يده .. ونكتفي من ذلك بذكر كلمات عن الإمام علي والإمام الصادق ، عليهما السلام .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : ألا إن مثل آل محمد ، صلى الله عليه وآله ، كمثل نجوم السماء : « إذا خوى نجم طلع نجم .. فكأنكم قد تكاملت من الله فيكم الصنائع ، وأراكم ما كنتم تأملون » نهج البلاغة - خطبة رقم 100 .
« فانظروا أهل بيت نبيكم ، فإن لبدوا فالبدوا ، وإن استنصروكم فانصروهم .. فليفرجن الله بغتة برجل منا أهل البيت . بأبي ابن خيرة الإماء . لا يعطيهم إلا السيف ، هرجا هرجا موضوعا على عاقته ثمانية أشهر ، حتى تقول قريش لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا .. » .
« يعطف الهوى على الهدى ، إذا عطفوا الهدي على الهوى . ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي ..
وتخرج له الأرض أفاليذ أكبادها ، وتلقي إليه سلما مقاليدها . فيريكم كيف عدل السيرة . ويحيي ميت الكتاب والسنة » خطبة 138 . « قد لبس للحكمة جنتها ، وأخذ بجميع أدبها ، من الاقبال عليها والتفرغ لها ، فهي عند نفسه ضالته التي يطلبها ، وحاجته التي يسأل عنها . فهو مغترب إذا اغترب الاسلام ، وضرب بعسيب ذنبه ، وألصق الأرض بجرانه .. بقية من بقايا حجته ، خليفة من خلائف أنبيائه » . خطبة 182 .
عن سدير الصير في قال : دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب ، على مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام فرأيناه جالسا على التراب وعليه مسح خيبري مطوق ، بلا جيب مقصر الكمين ، وهو يبكي بكاء الواله الثكلي ، ذات الكبد الحري ، قد نال الحزن من وجنتيه ، وشاع التغير في عارضيه ، وأبلى الدموع محجريه ، وهو يقول : سيدي ، غيبتك نفت رقادي ، وضيقت علي مهادي ، وأسرت مني راحة فؤادي .. سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد ، وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد ، فما أحس بدمعة ترقأ من عيني ، وأنين يفتر من صدري ...
قال سدير : فاستطارت عقولنا ولها وتصدعت قلوبنا جزعا من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل ، وظننا أنه سمة لمكروهة قارعة ، أو حلت به من الدهر بائقة ، فقلنا لا أبكى الله يا بن خير الورى عينيك ، من أي حادثه تستنزف دمعتك ، وتستمطر عبرتك ، وأيه حالة حتمت عليك هذا المأتم .
قال : فزفر الصادق عليه السلام زفرة انتفخ منها جوفه ، واشتد منها خوفه ، وقال : « ويحكم إني نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم ، وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، الذي خص الله تقدس اسمه به محمدا والأئمة من بعده عليه وعليهم السلام ، وتأملت فيه مولد قائمنا وغيبته ، وإبطاءه وطول عمره ، وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان ، وتولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته ، وارتداد أكثرهم عن دينهم ، وخلعهم ربقة الاسلام من أعناقهم ، التي قال الله تقدس ذكره : « وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه » يعني الولاية ، فأخذتني الرقة ، واستولت علي الأحزان .
فقلنا : يا بن رسول الله كرمنا وشرفنا باشراكك إيانا في بعض ما أنت تعلمه من علم قال : إن الله تبارك وتعالى أدار في القائم منا ثلاثة أدارها في ثلاثة من الرسل ، قدر مولده تقدير مولد موسى عليه السلام ، وقدر غيبته تقدير غيبة عيسى عليه السلام ، وقدر إبطاءه تقدير إبطاء نوح عليه السلام ، وجعل من بعد ذلك عمر العبد الصالح أعني الخضر دليلا على عمره . فقلت : إكشف لنا يا بن رسول الله عن وجوه هذه المعاني .
قال : أما مولد موسى فإن فرعون لما وقف على أن زوال ملكه على يده أمر باحضار الكهنة ، فدلوه على نسبه وأنه يكون من بني إسرائيل ، ولم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من ( نساء ) بني إسرائيل حتى قتل في طلبه نيفا وعشرين ألف مولد ، وتعذر عليه الوصول إلى قتل موسى لحفظ الله تبارك وتعالى إياه . كذلك بنو أمية وبنو العباس لما وقفوا على أن زوال ملكهم والامراء والجبابرة منهم على يد القائم منا ، ناصبونا العداوة ، ووضعوا سيوفهم في قتل آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وإبادة نسله ، طمعا منهم في الوصول إلى قتل القائم عليه السلام ، ويأبى الله أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلى أن يتم نوره ولو كره المشركون .
وأما غيبة عيسى عليه السلام فان اليهود والنصارى اتفقت على أنه قتل ، وكذبهم الله عز وجل بقوله : « وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم » كذلك غيبة القائم عليه السلام فان الأمة تنكرها لطولها ...
وأما إبطاء نوح عليه السلام فإنه لما استنزل العقوبة على قومه من السماء ، بعث الله عز وجل جبرئيل الروح الأمين بسبعة ( سبع ) نويات فقال : يا نبي الله إن الله تبارك وتعالى يقول لك : إن هؤلاء خلائقي وعبادي ولست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجة ، فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فاني مثيبك عليه ، واغرس هذا النوى فان لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص ، فبشر بذلك من تبعك من المؤمنين . فلما نبتت الأشجار وتأزرت وتسوقت وتغصنت وأثمرت وزها الثمر عليها بعد زمن طويل ، استنجز من الله سبحانه وتعالى العدة ، فأمره الله تبارك وتعالى أن يغرس من نوى تلك الأشجار ويعاود الصبر والاجتهاد ، ويؤكد الحجة على قومه ، فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به ، فارتد منهم ثلاث مائة رجل وقالوا : ولو كان ما يدعيه نوح حقا لما وقع في وعد ربه خلف .
ثم إن الله تبارك وتعالى لم يزل يأمره عند كل مرة أن يغرسها تارة بعد أخرى ، إلى أن غرسها سبع مرات ، فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتد منهم طائفة ، إلى أن عاد إلى نيف وسبعين رجلا ، فأوحى الله عز وجل عند ذلك إليه وقال : يا نوح الان أسفر الصبح عن الليل لعينك ، حين صرح الحق عن محضه وصفي ( الامر للايمان ) من الكدر ، بارتداد كل من كانت طينته خبيثة ...
قال الصادق عليه السلام وكذلك القائم عليه السلام تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه ، ويصفوا الايمان من الكدر ... » البحار ج 51 ص 219 - 222 .
نماذج من الأدعية له وزيارته
« اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن ، صلواتك عليه وعلى آبائه ، في هذه الساعة وفي كل ساعة ، وليا وحافظا وقائدا وناصرا ، ودليلا وعينا .. حتى تسكنه أرضك طوعا ، وتمتعه فيها طويلا » .
« اللهم وصل على ولي أمرك ، القائم المؤمل ، والعدل المنتظر ، وحفه بملائكتك المقربين ، وأيده منك بروح القدس يا رب العالمين » .
اللهم اجعله الداعي إلى كتابك ، والقائم بدينك . استخلفه في الأرض كما استخلفت الذين من قبله . مكن له دينه الذي ارتضيته له . أبدله من بعد خوفه أمنا يعبدك لا يشرك بك شيئا .
اللهم أعزه وأعزز به ، وانصره وانتصر به ، وافتح له فتحا يسيرا ، واجعل له من لدنك سلطانا نصيرا .
اللهم أظهر به دينك وسنة نبيك حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق .
اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة ، تعز بها الاسلام وأهله ، وتذل بها ( الكفر ) والنفاق وأهله ، وتجعلنا فيها من الدعاء إلى طاعتك ، والقادة إلى سبيلك ، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة .
اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه ، وما قصرنا عنه فبلغناه .
اللهم المم به شعثنا ، واشعب به صدعنا ، وارتق به فتقنا ، وكثر به قلتنا ، وأعزز به ذلتنا ، وأغن به عائلنا ، واقض به عن مغرمنا ، واجبر به فقرنا ، وسد به خلتنا ، ويسر به عسرنا ، وبيض به وجوهنا ، وفك به أسرنا ، وأنجح به طلبتنا ، وأنجز به مواعيدنا ، واستجب به دعوتنا ، وأعطنا به سؤلنا ، وبلغنا به من الدنيا والآخرة آمالنا ، وأعطنا به فوق رغبتنا .
يا خير المسؤولين وأوسع المعطين ، اشف به صدورنا ، وأذهب به غيظ قلوبنا ، واهدنا به لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ، وانصرنا به على عدوك وعدونا إله الحق آمين .
اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا صلواتك عليه وآله ، وغيبة ولينا ، وكثرة عدونا ، وقلة عددنا ، وشدة الفتن بنا ، وتظاهر الزمان علينا ، فصل على محمد وآل محمد ، وأعنا على ذلك كله بفتح منك تعجله ، وضر تكشفه ونصر تعزه ، وسلطان حق تظهره ، ورحمة منك تجللناها ، وعافية منك تلبسناها ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
« ... اللهم صلى على محمد وعليهم صلاة كثيرة دائمة طيبة ، لا يحيط بها إلا أنت ، ولا يسعها إلا علمك ، ولا يحصيها أحد غيرك .
اللهم صلى على وليك المحيى سنتك ، القائم بأمرك ، الداعي إليك ، الدليل عليك ، وحجتك على خلقك ، وخليفتك في أمرك ، وشاهدك على عبادك .
اللهم أعز نصره ، ومد عمره ، وزين الأرض بطول بقائه .
اللهم اكفه بغي الحاسدين ، وأعذه من شر الكائدين ، وازجر عنه إرادة الظالمين ، وخلصه من أيدي الجبارين .
اللهم أعطه في نفسه ، وذريته ، وشيعته ، ورعيته ، وخاصته ، وعامته ، وعدوه وجميع أهل الدنيا ما تقربه عينه ، وتسر به نفسه ، وبلغه أفضل أمله في الدنيا والآخرة . انك على كل شيء قدير .
اللهم جدد به ما محي من دينك ، وأحي به ما بدل من كتابك ، وأظهر به ما غير من حكمك ، حتى يعود دينك به وعلى يديه غضا جديدا خالصا مخلصا ، لا شك فيه ولا شبهة معه ، ولا باطل عنده ولا بدعة لديه .
اللهم نور بنوره كل ظلمة ، وهد بركنه كل بدعة ، واهدم بعزته كل ضلالة ، واقصم به كل جبار ، وأخمد بسيفه كل نار ، وأهلك بعدله كل جبار ، وأجر حكمه على كل حكم ، وأذل لسلطانه كل سلطان .
اللهم أذن كل من ناواه ، وأهلك كل من عاداه ، وامكر بمن كاده ، واستأصل من جحد حقه واستهان بأمره ، وسعى في إطفاء نوره ، وأراد إخماد ذكره » .
« ... اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك ، الذين استخلصتهم لنفسك ودينك ، إذا اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم ، الذي لا زوال له ولا اضمحلال ، بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها ، فشرطوا لك ذلك ، وعلمت منهم الوفاء به ، فقبلتهم وقربتهم ، وقدمت لهم الذكر العلي ، والثناء الجلي ، وأهبطت عليهم ملائكتك ، وأكرمتهم بوحيك ، ورفدتهم بعلمك ، وجعلتهم الذرائع إليك ، والوسيلة إلى رضوانك . فبعض أسكنته جنتك إلى أن أخرجته منها . وبعض حملته في فلكك ونجيته ومن آمن معه من الهلكة برحمتك . وبعض اتخذته خليلا ، وسألك لسان صدق في الآخرين فأجبته ، وجعلت ذلك عليا . وبعض كلمته من جشرة تكليما ، وجعلت له من أخيه ردءا ووزيرا .. وبعض أولدته من غير أب ، وآتيته البينات ، وأيدته بروح القدس .
وكلا شرعت له شريعة ، ونهجت له منهاجا ، وتخيرت له أوصياء ، مستحفظا بعد مستحفظ ، من مدة إلى مدة ، إقامة لدينك ، وحجة على عبادك ، ولئلا يزول الحق عن مقره ، ويغلب الباطل على أهله ، ولا يقول أحد : لولا أرسلت إلينا رسولا منذرا ، وأقمت لنا علما هاديا ، فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى ..
إلى أن انتهيت بالامر إلى حبيبك ونجيبك محمد صلى الله عليه وآله فكان كما انتجبته ، سيد من خلقته ، وصفوة من اصطفيته ، وأفضل من اجتبيته ، وأكرم من اعتمدته ، قدمته على أنبيائك ، وبعثته إلى الثقلين من عبادك ، وأوطأته مشارقك ومغاربك وسخرت له البراق وعرجت به إلى سمائك ، وأودعته علم ما كان وما يكون إلى انقضاء خلقك » ..
« فعلى الأطائب من أهل بيت محمد وعلي صلى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم فلتذرف الدموع ، وليصرخ الصارخون ، ويضج الضاجون ، ويعج العاجون .
أين الحسن ، أين الحسين ، أين أبناء الحسين ، صالح بعد صالح ، وصادق بعد صادق .. أين السبيل بعد السبيل ، أين الخيرة بعد الخيرة ، أين الشموس الطالعة ، أين الأقمار المنيرة ، أين الأنجم الزاهرة ، أين أعلام الدين ، وقواعد العلم ..
أين بقية الله التي لا تخلو من العترة الطاهرة ، أين المعد لقطع دابر الظلمة ، أين لمنتظر لإقامة الأمت والعوج ، أين المرتجى لإزالة الجور والعدوان ، أين المدخر لتجديد الفرائض والسنن ، أين المتخير لإعادة الملة والشريعة ، أين المؤمل لاحياء الكتاب وحدوده ، أين محيي معالم الدين وأهله ، أين قاصم شوكة المعتدين ، أين هادم أبنية الشرك والنفاق .
أين معز الأولياء ومذل الأعداء ، أين جامع الكلم على التقوى ، أين السبب المتصل بين أهل الأرض والسماء ، أين صاحب يوم الفتح ، وناشر رايات الهدى ، أين مؤلف الشمل الصلاح والرضا ، أين الطالب بذحول الأنبياء وأبناء الأنبياء ، أين الطالب بدم المقتول بكربلاء . « بأبي أنت وأمي ، ونفسي لك الوقاء والحمى ، يا بن السادة المقربين ، يا بن النجباء الأكرمين ، يا بن الهداة المهتدين يا بن الخيرة المهديين .. عزيز علي أن أرى الخلق ولا ترى ، ولا أسمع لك حسيسا ولا نجوى ، عزيز علي أن لا تحيط بي دونك البلوى ، ولا ينالك مني ضجيج ولا شكوى .. بنفسي أنت من مغيب لم يخل منا ، بنفسي أنت من نازح لم ينزح عنا .. إلى متى أحار فيك يا مولاي والى متى . وأي خطاب أصف فيك وأي نجوى . عزيز علي ان أجاب دونك وأناغى . عزيز علي أن أبكيك ويخذلك الورى . عزيز على أن يجري عليك دونهم ما يجرى . هل من معين فأطيل معه العويل والبكا . هل من جزوع فأساعد جزعه إذا خلا . هل قذيت عين فتسعدها عيني على القذى . هل إليك يا ابن أحمد سبيل فتلقى هل يتصل يومنا منك بغده فنحظى . ترى أترانا نحف بك وأنت تؤم الملا ، وقد ملأت الأرض عدلا ، وأذقت أعداءك هوانا وعقابا ، واجتثثت أصول الظالمين ، ونحن نقول الحمد لله رب العالمين . اللهم أنت كشاف الكرب والبلوى ، واليك أستعدى فعندك العدوى ، وأنت رب الآخرة والأولى .... اللهم ونحن عبيدك التائقون إلى وليك ، المذكر بك وبنبيك ، الذي خلقته لنا عصمة وملاذا ، وأقمته لنا قواما ومعاذا ، وجعلته للمؤمنين منا إماما ، فبلغه منا تحية وسلاما .... اللهم وأقم به الحق ، وادحض به الباطل ، وأدل به أولياءك ، وأذلل به أعداءك وصل اللهم بيننا وبينه وصلة تؤدي إلى مرافقة سلفه ، واجعلنا ممن يأخذ بحجزتهم ، ويكمن في ظلهم ، وأعنا على تأدية حقوقه إليه ، والاجتهاد في طاعته ، والاجتناب عن معصيته ، وامنن علينا برضاه ، وهب لنا رأفته ورحمته ودعاءه ، وخير ما ننال به سعة من رحمتك وفوزا عندك ، واجعل صلواتنا به مقبولة ، وذنوبنا به مغفورة ، ودعاءنا به مستجابا ، واجعل أرزاقنا به مبسوطة ، وهمومنا به مكفية ، وحوائجنا به مقضية ، وأقبل إلينا بوجهك الكريم ، واقبل تقربنا إليك ، وانظر إلينا نظرة رحيمة ، نستكمل بها الكرامة عندك ، ثم لا تصرفها عنا بجودك . واسقنا من حوض جده صلى الله عليه وآله ، بكأسه وبيده ، ريا رويا ، سائغا هنيا ، لا ظمأ بعده .. يا أرحم الراحمين » .
المصدر
من كتاب عصر الظهور
مؤسسة الامام علي عليه السلام-لندن