TODAY - Friday, 21 October, 2011
فريق بي بي سي في ليبيا يزور مزرعة يعتقد انها تضم رفات موسى الصدر
قال عبد الحكيم بالحاج رئيس المجلس العسكري في طرابلس أن ثمة اعتقاد قوي مبني على معلومات لم يكشف عن مصدرها يؤكد احتمال وجود رفات الإمام موسى الصدر الذي اختفى في ليبيا خلال زيارة له عام 1978 في احدى المزارع.
في الطريق إلى الاحياء الواقعة جنوبي العاصمة الليبية، كل ما كان يشغلنا هو البحث عن مركز الاعتقال السري الذي احتجز فيه فريق بي بي سي في مارس/آذار الماضي من قبل كتائب القذافي.
نقطة اعلامنا الوحيدة كانت مقر قيادة كتيبة خميس على بعد نحو عشرين كيلومتراً عن مركز العاصمة.
عثرنا بعد طول عناء على المكان الاشبه بمزرعة لا تلفت الانظار، ليتبين لنا لاحقاً أن ثمة الكثير منها تحيط بمركز القيادة، لكنها عملياً تقع خارجه.
في هذه المزرعة كنا اعتقلنا، وتعرضت لضرب مبرح في إحدى غرفتيها بسبب محاولتنا دخول مدينة الزاوية للتصوير فيها، وذلك عشية بدء محاولات كتائب القذافي استعادة السيطرة على المدينة بعد سقوطها بيد المحتجين بعد نحو اسبوعين على بدء انتفاضة السابع عشر من شباط/فبراير ضد حكم العقيد معمر القذافي.
لكن ما عانيناه هنا يبدو يسيراً مقارنة بما حدث لبقية المعتقلين الذين ظلوا معتقلين، وربما انضم إليهم آخرون خلال الأشهر التي تلت، فقد تم إعدام الجميع وإحراق جثثهم قبل مغادرة كتائب القذافي المدينة بعد سيطرة مقاتلي المجلس الانتقالي على العاصمة.
مراسل بي بي سي يعود الى حيث سجن وعذب اثناء الانتفاضة
رائحة اللحم البشري المحترق لا تزال تفوح من المكان حتى بعد مضي أسابيع، وبقايا الجثث المحترقة لا تزال تفترش أرض البناء الحديدي الذي قضوا فيه.
ما هي إلا دقائق قليلة على تجوالنا في المكان، حتى فوجئنا، وفوجئت بوجودنا، وحدة امنية خاصة دخلت المزرعة مجهزة بكلاب ومعدات خاصة للكشف عن مقابر.
حاولوا سريعا دفعنا للمغادرة وعدم التصوير، ليتضح من خلال الحديث معهم بأنهم في مهمة سرية للبحث عن جثث مدفونة هنا، لكنها جثث لا تعود لليبيين على ما ابلغنا احدهم، رافضا الإدلاء بأي تفاصيل أخرى محذراً من نشر أي معلومة دون العودة لمراجع أمنية في المجالس العسكرية.
مقابر رموز
حملنا القصة وعدنا للعاصمة وفي أذهاننا اسماء كثيرة لمن يمكن أن تكون الجثث التي يتم البحث عنها.
طلبنا مقابلة الشخص الوحيد الذي يستطيع ان يخبرنا بحقيقة ما يجري هناك، إنه بالطبع رئيس المجلس العسكري في طرابلس الذي رحب على الفور.
يؤكد عبد الحكيم بلحاج أن ثمة معلومات موثقة تشير إلى أن هذه المزارع، التي كانت تستخدم كسجون ومراكز تعذيب سرية، تضم العديد من القبور لشخصيات هامة تم قتلها خلال فترة حكم العقيد معمر القذافي، ومن بينها رموز معارضة ليبية هامة، وأخرى إفريقية وعربية أيضاً.
لكن ما يؤكده بلحاج هو أن ثمة اعتقاد قوي مبني على معلومات لم يكشف لنا عن مصدرها يؤكد احتمال وجود رفات الإمام موسى الصدر الذي اختفى في ليبيا خلال زيارة له عام 1978 في ذات المكان.
تجري عمليات بحث عن جثث مفقودين اختفوا في ظل نظام القذافي
وكانت أخبار المرجع الشيعي اللبناني موسى الصدر ومرافقيه محمد يعقوب وعباس بدر الدين قد انقطعت نهائيا منذ ذاك الحين، وقالت حكومة الجماهيرية في أكثر من مناسبة إن الرجل غادر الأراضي الليبية باتجاه إيطاليا ولا علم لهم بمكانه.
وتنفي إيطاليا وصول الرجل إلى أراضيها، وقامت بتحقيق كبير مع جهات امنية لبنانية خلص إلى ذات النتيجة، علماً أن حقائب بإسم الإمام الصدر ورفيقيه وصلت بالفعل إلى مطار روما على متن إحدى الطائرات القادمة من ليبيا.
وتتهم السلطات والمراجع والأحزاب الشيعية اللبنانية العقيد معمر القذافي بالمسؤولية شخصياً عن اخفاء الإمام الصدر ورفيقيه.
وجواباً على سؤال لبي بي سي بخصوص معلومات سابقة عن دفن الإمام الصدر في منطقة "سبها" وسط البلاد كان ادلى بها احد المنشقين عن نظام العقيد القذافي، يؤكد بلحاج إن هذه التصريحات وغيرها مما ذكر بأن الصدر مدفون في منطقة القلعة غير صحيح، وأن المعلومات تشير إلى أن رفاته موجودة في إحدى المزارع قرب مقر قيادة كتيبة خميس القذافي الذي كان فريق بي بي سي اعتقل فيها.
سجون سرية
وخلال تجولنا في مزرعة اخرى اكبر من تلك التي اعتقل فيها فريق بي بي سي، تبين أنها تضم ممرات سرية تحت الارض تستطيع أن تسير فيها السيارات وتتفرع في اتجاهات مختلفة لم نستطع الولوج إليها بسبب الحواجز والبوابات المغلقة.
رئيس المجلس العسكري بطرابلس في لقائه مع مراسل بي بي سي
ويؤكد بلحاج أن كتائب القذافي كانت تقتاد معارضيها إلى هذه المراكز التي لا يعلم بوجودها سوى قلة قليلة جداً.
وأوضح مصدر أمني لبي بي سي بأن مئات المعتقلين لا يزالون في معتقلات سرية لم تستطع قوات المجلس الانتقالي او المجالس العسكرية الوصول إليها، ويعتقد على نطاق واسع بأنهم ماتوا من الجوع والعطش بعد مضي أسابيع على هروب كتائب القذافي.
ويؤكد المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه بأن ثمة تقديرات تشير إلى أن نحو أربعين ألف شخص لا يزالون مفقودين في ليبيا لا يعرف مصيرهم.
وتأمل عدة أطراف، بينها ليبيا ولبنان وإيران، أن تؤدي عمليات البحث المستمرة في مراكز الاعتقالات التي تم اكتشافها، بالمساعدة على الإمساك بأولى الخيوط التي ستسهم في فك لغز اختفاء الإمام الصدر خلال زيارته للجماهيرية قبل اكثر من ثلاثة عقود.
ويعتقد أن العملية التي بدأت أولى مراحلها بالبحث عن رفات الإمام الصدر ستأخذ بعض الوقت لحين اكتشاف مكان الرفات والتأكد منها بفحص الحمض النووي.
ولن تشكل، على ما يؤكد رجل طرابلس القوي عبد الحكيم بلحاج الذي كان اعتقل في سجن أبو سليم عام 2004 بعد أن سلمته الاستخبارات الأميركية للقذافي، سوى حلقة صغيرة في كشف مسلسل طويل من الانتهاكات التي أقدم عليها نظام العقيد معمر القذافي خلال فترة حكمه التي استمرت لأربعة عقود ونيف.