حامية رومانية08/06/2014 06:49
حميد المختار
الحامية الرومانية هي عمان، وقد أطلق عليها هذا الاسم منذ عهد الرومان، وحسناً فعل أخي وصديقي الشاعر هادي الحسيني، حين وثق فترة من أهم فترات المثقف العراقي التي قضاها في عمان المدينة التي استقبلت المثقف العراقي، وهو استقبال له سيئاته الكثيرة وبعض الحسنات التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، لقد وثق هادي تلك الحيوات الخائفة المختنقة والضائعة التي لا تعرف ما يخبئ لها المستقبل، أسماء كثيرة وصلت إلى عمان قبل وبعد هادي.
وحدثت أحداث كثيرة استطاع أن يلحق بها ويوثقها ويؤرشفها بصور فوتوغرافية ذيل بها كتابه، ثمة الكثير من الأدباء والفنانين يغادرون بغداد في تسعينيات القرن المنصرم هرباً من موت وحصار مدمر إلى عمان.. عمان الجاحدة التي سرقت أحلام الكثير من المثقفين وحاصرتهم بتشجيع من النظام المقبور، فعاش المثقفون هناك بجوع وتشرد ومحنة، لكنها على الأقل محنة خالية من رعب النظام وقلقه اليومي الذي يحدث في بغداد. وردت هناك بعض الأخطاء وسوء الفهم في الكتاب منها... إنني وصلت إلى بغداد بعد ستة أشهر حجرية قضيتها باحتضار حقيقي حتى كتبت فيها قصيدة تبدأ بهذا المطلع: "طويلة أنت يا أيام عمان/ كأنك وقرون الدهر سيان"، كانت معي في عودتي إلى الوطن بالة كبيرة من الملابس المستعملة اشتراها أخي ليوصلها إلى عائلته، فصادف وجود وفد منغولي ذاهب إلى بغداد للاشتراك في مهرجان بابل الدولي، فرجوت السائق أن يزجني معهم حتى أصل بسلام إلى بغداد، أنا وبالة الملابس، وبالفعل جلست بين المنغوليين حتى وصولي إلى بغداد مع تلك البالة سالماً، بينما يقول هادي إن حرس الحدود صادر الملابس برواية سعدي شقيق الراحل كامل شياع، وبالمناسبة سعدي لم يكن معي في عودتي تلك. كنت وحيداً مع الوفد المنغولي الذي أدخلني بغداد سالماً غانماً بالبضاعة المستعملة.
أما الخطأ الكبير الذي وقع فيه هادي حيث ذكر في الصفحة (14) من الكتاب بأن حميد سعيد كان من ضمن الشخصيات الكبيرة التي حملت العريضة وتواقيع الأدباء لرفعها إلى صدام لخلاص القاص حاكم محمد حسين من الإعدام، وكان على هادي أن يسألني قبل أن يكتب هذه المعلومة، لأنني أنا كنت من حمل العريضة التي وقعها الكثير من أدباء العراق، ودخلت بها إلى مكتب حميد سعيد في جريدة "الثورة" آنذاك، وحين قرأ حميد سعيد العريضة ارتعب كثيراً وقال لي بالحرف الواحد: أرجوك لاتزجني بهكذا أمور خذ عريضتك واخرج.. وقد ذكرت هذه الواقعة في كتابي عن الراحل حاكم ( طائر المسرات والألم) الصادر عن دار الشؤون الثقافية. إن هذا الخطأ الشنيع صار وثيقة براءة للقتلة الذين تسببوا بموت واحد من أهم الساردين العراقيين بينما الحقيقة تقول غير ذلك بالمرة.
أتمنى على صديقي الحسيني أن يحاول تصحيح هذه المعلومة، وأن يفضح حميد سعيد وسامي مهدي وعبد الأمير معلة وسعد البزاز الذين كانوا ادوات النظام الثقافية، فكانوا يجملون جرائم صدام و"يطمطمون" عاره وشناره. وبالمناسبة وعذراً لأخي هادي فليس هو المقصود في ذلك، ولكني رأيتها مناسبة لعرض هذه الملاحظة.
هناك الكثير من الأدباء في الداخل والخارج مازالوا يتملقون هؤلاء ويصادقونهم في الفيس بوك ويعجبون بآرائهم، وكأنهم مازالوا بسطوتهم القديمة عليهم، ولا أدري هل هو حب الجلاد والحنين لتعذيبه إلى الدرجة التي صاروا بها ماسوشيين؟؟.. على أية حال إن كتاب ( الحياة في الحامية الرومانية) وثيقة مهمة جداً، سجلت وقائع الحياة الثقافية العراقية التي تركت أثرها في عمان بطريقة سردية وحكائية محببة وقريبة إلى النفس، آملاً من أخي الحبيب هادي الحسيني تصحيح ذلك اللبس الكبير.