إن قسما من الناس -هكذا شاءت الأقدار- عاش في وسطٍ غير متدين، فبلغ وهو في بلاد الكفر.. أو في بلاد المسلمين، ولكن في بيئة منحرفة، وأصبح من مدمني الحرام.. وبعد عشرين، أو ثلاثين، أو أربعين سنة، يرى نفسه على تلٍّ من الحرام والمنكر.. فهذا الإنسان إذا تاب توبةً نصوحة، هل يحسُن أن يتذكر الماضي؟.. وهل يحسُن أن يعيش هاجس عدم المغفرة الإلهية؟..
إن من طرق الشيطان لإبقاء الإنسان في أوحال المنكر، إلقاء حالة اليأس في نفس ذلك الإنسان.. فالشيطان يلقّن الإنسان: بإنك لا تستحق الرحمة الإلهية، فقد أمضيت عمراً في المعصية، فأكمل الطريق، ولا سبيل لك إلى العودة!.. إن هذا الكلام خلاف منطق الإسلام.. فهل هناك تاريخ أشد سواداً من الجاهلية؟!.. فقد كان الإنسان في الجاهلية مشركا عابد وثنٍ، ويئد البنت، ويشرب الخمر، ويغير على قومه، ويزني... الخ.. ومن المعلوم أن الذين قاتلوا في بدر وأُحد وحنين، هم هؤلاء الذين عاشوا مآسي الجاهلية.
يقول الإمام الباقر(عليه السلام): (إن ناساً أتوا رسول الله بعد ما أسلموا.. فقالوا: يا رسول!.. أيؤخذ الرجل منا بما كان عمل في الجاهلية بعد إسلامه)؟.. أي أن أحدنا يذكر ماضيه الأسود أيام الجاهلية.. فماذا يعمل؟..
فقال لهم النبي (ص) - وهو رحمة للعالمين -: ( من حسن إسلامه، وصح يقين إيمانه، لم يأخذه الله تبارك وتعالى بما عمله في الجاهلية ).. الجاهلية وما أدراك ما الجاهلية؟!.. وإذا بكلمتين خفيفتين -أي بالشهادتين- وإذا بالإسلام يجبّ ما قبله.. ولكن النبي (ص) قال أيضاً: ( ومن سخف إسلامه، ولم يصح يقين إيمانه، أخذه الله بالأول والآخر).. فإن الذي يعود إلى الباطل -بعد الهداية وبعد التوبة- فإن الله عز وجل قد ينتقم منه مصداقا لقوله: {وإن عدتم عدنا}.