السياب ثانية
07/06/2014 08:52
ما نتناوله هذه المرة، ليست لياقة الاحتفال برائد الشعر العربي الحديث بروتوكوليا في عام خمسينية رحيله هذا، وإنما ضرورة تدارسه من جديد على الصفحات والمجلات الثقافية وإصدار كتب، تدارس يتركز في نقطة واحدة: هل من حيز في تجربة السياب لم يقرأ بعد؟ هل كثرة ماكتب عنه من كتب نقود وأطاريح جامعية أوفت قراءة السياب، حيث لم يعد هناك مدخل جديد لقراءته؟.
وإذ ننشر في صفحة اليوم مقالة نقدية جديدة عن إحدى قصائده (مدينة بلا مطر) نفتح الباب أمام نقادنا وشعرائنا في دعوتهم للكتابة لنا بشأن ما يمكن أن يكون قراءة جديدة للسياب. سننشر على مدار هذا العام مايردنا من جديد، مساهمة متواضعة منا في الاحتفاء بعام السياب.
أكثر من باحث وناقد وشاعر يرون أن السياب لم يتجاوز القصيدة الكلاسيكية تماما، ومن هؤلاء أدونيس إذ يرى" ليس السياب جديدا دائما، وصل إلى طرف العالم القديم، لكنه لم يتجاوزه، بل ظل عالقا به، لم يحيا فنيا على الشفير الذي يفصله عما سلف ويقذف به في هاوية عما يأتي". بالطبع، هذا كلام يثير التساؤلات عن الأهمية الموضوعية للريادة السيابية، هل تنحسرإلى انها مهدت الطريق الصحيحة لما يجب عليه أن يكون الشعر العربي في القرن العشرين، أو هل يمكن القول انها ريادة ناقصة، وفي الوقت ذاته لاينسى دورها في تعبيد التحولات من قصيدة التفعيلة إلى قصيدة النثر؟. أدونيس يعود للقول في المقدمة ذاتها لمختارات من شعرالسياب نشرتها دار الاداب العام 1967، أي بعد رحيله بثلاثة أعوام، ومن ثم ضمنها أدونيس في كتابه" زمن الشعر" العام 1983" هذا لا يعني من جهة ثانية ان شعر السياب ليس جديدا، انه طليعة الجدة في عصرنا، وهذه الجدة عميقة أصيلة". وهنا نتساءل هل من رؤية جديدة لشاعر وناقد وباحث مثل أدونيس بشأن شعرية السياب بعد 50 عاما من رحيله، غير تلك التي نشرت قبل سبعة وأربعين عاما، فهو هنا كمن يريد القول بالأطروحة المتوازنة التي لاتنقص قدر السياب، وبالقدر ذاته لا تهول حجم ريادته.
هناك من يضفي على أطروحة جدة السياب وقدمه توصيفا آخر.. اقتراب شديد من الرومانسية، في بداية تجربته الشعرية، ومن ثم ابتعاد عنها مرحلة نضجه الشعري، ومن ثم اقتراب جديد منها عند اشتداد الوهن والمرض عليه أواخرعمره القصير.
أرى أن السياب سيظل أكثر الشعراء العراقيين الرواد إثارة للجدل، في جوانب حياتية أكثر منها شعرية.. صراع القروية والمدينية في حياته، علاقاته مع النساء، انتماءاته السياسية والفكرية، الحالة المعيشية المتدنية، مصادر ثقافته أو مستواه الثقافي بشكل عام.
نريد أن نخلص هنا إلى ندرة الطروحات الصافية بشأن شعرية السياب، أي عدم تداخل العوامل العاطفية والسياسية والنفسية، فضلا عن التقليل من مستواه الثقافي، مع الحكم الموضوعي على شعريته.
هذه الندرة بحاجة إلى تعضيد وتجديد، يبلورهما ابن مدينته الناقد جميل الشبيبي "أن تتجه القراءات إلى متون قصائده الشامخة وحياته في كامل عافيته، لتكتمل صورة الشاعر الذي تجاوز عصره، فأصبح جذرا قويا في الحداثة الشعرية العربية، وقامة شعرية عملاقة نتباهى ونفخر به". أليس كذلك؟!