مقال رائع نشرته جريدة القدس
وسع تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) نطاق هجماته خلال
اليومين الماضيين، فشن عمليات عسكرية مفاجئة في مدينة سامراء ومنطقة في
غرب الموصل، ما اشعل معارك عنيفة مع قوات الجيش العراقي، التي سرعان ما
اعلنت «تطهير المدينة» وقتل اكثر من مائة من عناصر التنظيم.
وحسب تقديرات متداولة في الاوساط البحثية، فان داعش لا تملك اكثر من ستة
الى سبعة الاف مقاتل مع تسليح جيد في اغلب الجبهات. اما الواقع على الارض
فيشير الى ان تلك الارقام ربما اساءت تقدير القوة الحقيقية لتنظيم يتمتع
بنفوذ قوي في الغرب العراقي او ما يعرف بـ «المثلث السني» بما في ذلك
مدينة الفلوجة، الى جانب محافظات الرقة وحلب وريف اللاذقية وريف دمشق
ودير الزور وحمص وحماة والحسكة وإدلب، في سوريا.
واذا كان المراقب ليصدق بيانات الحكومة العراقية بشأن الاعداد الهائلة
للقتلى في صفوف التنظيم خلال الشهور الاخيرة، الى جانب قتلاه في المعارك
متعددة الجبهات في سوريا مع جبهة النصرة والجيش الحر وجيش النظام وقوات
حزب الله، فان مجرد قدرة داعش على البقاء حتى اليوم، تعني انها تملك جيشا
جرارا، وليس مجرد عصابات او ميليشيات متفرقة.
ومن الواضح ان التنظيم يملك زمام المبادرة العسكرية، وقادر على التصعيد في
الزمان والمكان المناسبين له، والسؤال الرئيسي الذي تطرحه غزوات داعش
وفتوحاتها وجرائمها التي لا تتوقف، هو من يقف وراء ذلك التنظيم، و«دويلة
الارهاب» الذي يعمل على اقامتها بالفعل، بل ويعمل على توسيعها حاليا؟
حسب المصادر البحثية، فان جهات عشائرية تدعم داعش العراق، بينما يأتي دعم
داعش سوريا من افراد في دول خليجية. الا انه يصعب على المراقب ان يصدق هذه
الاجابات البسيطة، خاصة ان تسليح داعش في عدة جبهات يتفوق على تسليح
جيوش نظامية من التي يقاتلها. فمن اين تأتي الاسلحة التي تجد فصائل في
المعارضة السورية الحصول عليها مستعصيا بل من رابع المستحيلات؟. واذا كان
دعم داعش العراق يهدف الى اطاحة حكومة المالكي، فهل يخدم استمرار دعمها في
سوريا الهدف المعلن لاطاحة نظام بشار؟
المؤكد ان داعش تشعر بقدر من الثقة في النفس مكنها من الخروج عن عباءة
زعيم تنظيم «القاعدة»، بعد ان اصبحت تملك مواردها الاقتصادية المستقلة بعد
استيلائها على ابار نفط في شمال سوريا، وبيعه مباشرة لتجار محليين، الى
جانب تأمين الموارد البشرية بفضل جهاز فعال لتجنيد المقاتلين الاجانب. ومع
انشاء «محاكم شرعية» تطبق ما تعتبره «الشريعة الاسلامية»، تتوالى صور
الجرائم التي ترتكبها داعش باسم الاسلام، ومن بينها صلب عشرة افراد بينهم
طفلان، الى جانب الذبح وغير ذلك.
وهكذا فان «دويلة الارهاب» التي اقامتها داعش، وتبدو على الخريطة مثل خنجر
يمتد من وسط العراق الى شمال سوريا، قد اصبحت قابلة للحياة، ما لم تتغير
المعطيات الاستراتيجية التي سمحت بوجودها في المقام الاول.
ولعل اهم تلك المعطيات هو «ثقافة التكفير» التي تستغل الدين لتمد فروعها المسمومة بين الشباب مستخدمة احدث وسائل التواصل الاجتماعي.
لقد اصبح اهتمام كثير من الحكومات الاوروبية بشكل خاص بالمأساة السورية
ينحصر حاليا في كيفية مراقبة الشباب ومنعهم بالقوة من السفر الى سوريا
للقتال، وبالفعل تبنت تسع دول أوروبية خططاً لزيادة تبادل معلومات
المخابرات وإغلاق المواقع الإلكترونية للمتشددين في محاولة لمنع توجه
مواطنين أوروبيين للقتال في سوريا ثم العودة محملين بأفكار العنف. <br>
ان مواجهة داعش واخواتها من التنظيمات الارهابية التي باتت تنتشر كالسرطان
هنا وهناك، لا يمكن ان تبدأ الا باعلان العرب والمسلمين حربا حقيقية على
«ثقافة التكفير» وتجفيف منابعها الفكرية والتمويلية والاجتماعية، والا
فعلينا ان ننتظر «دواعش» اخرى كثيرة لا تعترف بحدود ولا جنسيات في حربها
ضد قيم الحضارة والانسانية.