حتى لا تَعمَى الأبصار.. ولا تُصَمُ الآذان
.
.
إنَّ اعتدال النفس سببَ صفاء الذهن الذي يتحقق معه حسن النظر وتصور المسائل تصوراً صحيحاً،
فإذا ما اعترض للنفس شيء من الهوى والجنوح يُخرجها عن حدِّ الاعتدال، حصل لها شيء من النفور والتشويش،
فذهب بلبِّ صاحبها وصفاء ذهنه، وشخص به لمجانبة الحق والصدور عنه،
فإن كان له قبولاً عند أتباعه وعامة الناس، حجبتهم هذه المحبَّةِ عن ملاحظةِ خطئه وردِّه، فيَعْظُم تأثيره عند محبيه
في رواج أقواله وإن كان باطلاً، ويَعجبُ بنفسه، ويستشعر الفضل لها، ويرى أن الحقَّ لا يصدر إلاّ عنه،
فيجتهدُ في ترويجِ أباطيلِه وتزييفها بالتأويلاتِ الفاسدةِ والأجوبةِ النادرةِ التي يبثها في محبيه من الشباب،
وضعافِ العلم والبصيرةِ ، ليزيدَ في إضلالِهم وصرفِهم عن الحق، والترجيح لأصول ح*#**#*ه الذي انضوى في ظلّه،
وردّ ما يخالفه بما رَسم له الحِ*#**#*ُ من حدودٍ وأطرٍ، يَأْبَاها ميزان الشرعِ ومنهاجِ النبوةِ.
ولا تعجبَ فإنَّ صغارَ السنِ حُدثاءَ الأسنانِ أسرعُ الناس نفوراً مع أدنى المهيجات،
لما يغلبُ عليهم من فورةِ الشبابِ وحدّتِه، حتى صاروا مادةَ الباطلِ وحُطامَ الفِتنْ، فَحُبُّ الشَيءِ يُعمِيْ ويُصِمُّ
عن تأَمُلِ قبائِحهِ ومساوئِه، فلا يَرَوها ولا يَسمَعوها وإنْ كانت فيه.
والعاقلُ إذا نظرَ في كثيرٍ ممنْ ظلّ من قبله ومن أهلِ زمانِه، رأى أن كثيراً منهم كان معروفاً بنجابتِه وذكائه وفطنتِه،
فالذكاءُ وحدَه لا يقودُ إلى الهدايةِ والحقِ، بل اللهُ جلَّ جلاله هو المتَفضِلُ على المهتدين بهدايتهم،
وأنه لمّا حضرت أبو طالبٍ الوفاة، والرسول صلّى الله عليه وسلّم يقول له: قل لا إله إلاّ الله، أبى، وقال
أنا على ملّة عبدالمطلب، فنزل قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ}
( القصص 56).
وإنّ المتأملَ في تاريخ الأمة الإسلامية، يلحظُ أن أهل الباطل يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم
من الرميّة، وينسبون أقوالهم وأفعالهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والصحابة، وممَّن له قدَرٌ وذكْرٌ في الأمّةِ،
لأن الناس تُحِبُّ وتُعظّم هؤلاء، فَتَذعَنُ لهذِه الأقوالِ والأفعالِ وتنقادُ لها انقيادا،
كما فعل عبدالله بن سبأ ونسب مذهبه إلى أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم منه براء،
فانبرت حيلتِه على الأمّة، وصار الشقاق بين المسلمين، وتشعبت بهم السبل، فظهرت الفِرقُ المارقةِ،
وتجلَّت مع المذاهبُ الضالةِ حتى اللحظة،
وهي تَدُق في كَعْبِ سلف هذه الأمّة الذين بهم يَصْلح ويَنهضُ الدّين الصحيح.
فسبحان الله عمّا يصفون وسلامٌ على المرسلين
وصلّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
للقراءة والتَّفَكُّر