قامت السيريالية على أنقاض الدادية ، وقد ساعد على ظهورها ، ظهور نظرية "فرويد" في علم النفس ، وبخاصة ما يتعلق بالعقل الباطن . وتهدف السيريالية إلى (ما فوق الحقيقية) أو (ما فوق الواقعية) وهي تتطلب من الفنان والشاعر التجوال في بواطن العقل المظلمة ، وتعتمد على التداعي النفسي وأشكاله المتضمنة في الأحلام .. ومن مهام الفنان التقاط دلالات اللاوعي خلال الصور المنبثة في اللاوعي النفسي .
فالسيريالية : هي لقاء بين الدادية التي تعني التمرد على حدود المنطق وبين نظرية "فرويد" التي تعني الاهتمام بالعقل الباطن والعمل على الكشف عن أسراره ، وقد وضع بيان هذه المدرسة ، الكاتب الفرنسي "اندريه بريتون" (1896 ـ 1966) عام 1924 وبين فيه : أن مذهبهم الفني يعبر عن خواطر النفس في مجراها الحقيقي بعيدا عن كل رقابة يفرضها العقل . ثم الايمان المطلق بسلطان الأحلام .. كما أشار إلى أهمية (الوهم) الذي يفتح الآفاق أمام التخيل ، ويبرز الحياة النفسية الحقيقية الكامنة في خلفية تفكيرنا العقلاني .
فالسيريالية ـ في رأيه ـ امتزاج حالتين تبدوان متناقضتين ، وهما : الحلم والواقع .
وقد اعتمد السيرياليون في تصويرهم على طريقتين :
* الأولى : الاعتماد على التجسيم الواقعي ، وهو الأسلوب الذي ابتكره الاسباني "سلفادور دالي" وأسماه بـ (الهلوسة الناقدة) والتي يستخدم فيها رموز الأحلام ليرتفع بالأشكال الطبيعية إلى ما فوق الواقع المرئي ، لكن مع التجسيم الطبيعي لها .
*الثانية :تشبه الأسلوب التكعيبي المسطح ذا البعدين ، فهي أقرب إلى الأشكال التجريدية ، وإن كانت تختلف عنها في أن السيريالية لاتهتم بالشكل ولا بالصور ولا بالهندسة .. الأمر الذي يهتم به التجريديون .
وقد لقيت السيريالية رواجا كبيرا بلغ ذروته بين عامي 1924ـــ 1929 ،
وكان آخر معارضهم في باريس عام 1947.
والخلاصة: إن السيريالية في الفن ـ في رأي هذه المدرسة ـ اتجاه إلى تحرير الانسان من عبوديته ، ومن سيطرة العالم الخارجي ، بل وتحريره من العقد ، ومن الكبت النفسي ، فالواقع الدفين في أعماق الفنان هو الذي يحرك يده لكي ينتج معبرا عن رغباته وأحلامه وآماله ، وقد يظهر هذا التعبير في صورة أساطير خيالية خرافية تكون في بعض الأحيان كالطلاسم التي يستعصي على المشاهد فهمها .
والجميل ـ عند السيريالية ـ هو الغريب حقا فحسب .
ومن فنانين هذا الاتجاه دي كريلو – ماكس ارنست ، وميرو ، وبول كلي ، أما الرائد الحقيقي لهذا الاتجاه فهو سلفا دور دالي .
"السريالية هي أنا"
هذا ما قاله سلفادور دالي عن نفسه.
سلفادور فليب خاسنتو دالي (1904-1989).
ولد في شمال اسبانيا لأب يشغل وظيفة محترمة كمسجل وثقائق.
"سلفادور" هذا الإسم يعني المخلص. و من هنا اعتبر نفسه منقذ الفن من مساوئ التجريد..
ورث من بلدته اسبانيا العناد و القسوة و الخيال الجامح ، و من ميراث الدم الفينيقي جرى في عروقه عشق المال و الذهب.
بهذا الرصيد بدأت حركته في الحياة تأخذ مسارها خمسة و ثمانون عاماً عبر الزمن.
كان سلفادور اسم لأخيه الأكبر الذي توفي،و بعد ثلاث سنوات ولد و خرج للحياة سلفادور آخر الذي ورث عن اسم أخيه المتوفي و ملابسه و ألعابه...و مقارنة مستمرة من والده،هذا جعل سلفادور صورة ممسوخة ، مما أصابه بشعور العدوانية التي استمرت معه طوال حياته..فكان ملاذه و تعويضه المناظر الساحرة التي حوله و التي كان ينفرد بذاته و خياله فيها.
و من الطبيعة لجأ للرسم و كتابات الفلاسفة،ظهرت موهبته في السادسة و رسم أول لوحاته في التاسعة من عمره.
خطوته الأولى الى مدريد حيث التحق بأكادمية "سان فرناندو"للفنون الجميلة عام 1921و في امتحان منتصف يونيو 1926 رد بعدوانية على لجنة الأساتذة( لا أحد من أساتذة سان فرناندو كفء و مؤهل ليحكم على موهبتي) ... و انسحب.
المناخ السائد في أروبا في ذلك الوقت كان لمذهبي ( الدادية ) ثم ( السريالية ) . و سرعان ما فقدت ( الدادية ) دافعها تجاه العالم و تطورت ( السريالية ).
قرأ سلفادور كتاب ( تفسير الأحلام ) للعالم النفسي فرويد و تأثر به و قال ( هذا الكتاب كان لي كأهم اكتشافات حياتي ) .