الحب من منظور أخلاقي إسلامي
الحب شعور إنساني عظيم، يدل على الحياة، كما يدل على الإنسانية، وهو أحد مشتقات الرحمة وآثارها، فالرحيم هو الذي يحب، ومن أحب دل على أنه رحيم، والحب عطاء، والحب كرم، والحب حالة فريدة؛ ولذا قالوا: من أحب لا يكره، وإذا فُقد الحب دل ذلك على فقد الرحمة، وإذا فُقدت الرحمة فلا تسأل بعد ذلك عن مدى الفساد في الأرض، ومدى الظلم المنتشر ومدى التدهور المستمر.
1- إلا أن الحب في الإسلام تعدى كونه شعورًا وأحاسيس إلى كونه فريضة وواجبًا، وتعدى الحب بمعناه الفردي بين الرجل والمرأة إلى معناه الشامل الذي يجعله مقياسًا للحياة، وأساسًا للسلوك، ومفتاحًا للأخلاق، فالحب للحياة بأشيائها وأحداثها وأشخاصها ومبادئها أمر مقرر في القرآن الكريم، ولكن بعد تحويله إلى طاقة فاعلة للخير والحق والقوة والتعمير.
2- ولنبدأ بما يحبه الله وما لا يحبه، وهي مجموعة من الآيات التي ترسم دستور الحب الحقيقي غير المزيف؛ حيث يختلط الحب حينئذ بالشهوة والرغبة ويختلط حينئذ بالمصلحة الخاصة المشبوهة، في حين أن الحب الحقيقي شفاف دائم، قد يشتمل على الشهوة دون فساد، وقد يشتمل على المصلحة دون أنانية، وقد يشتمل على الغاية دون خيانة، إنه حب اشتقنا إليه.
فيقرر القرآن حب الأشياء ولا يجعلها دليلا على الخير دائمًا يقول الله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(1)، ويقول سبحانه: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ}(2)، ويقول في حب المبادئ: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(3).
3- فما يحب الله؟ قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ}(4). وقال سبحانه: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ}(5). {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ}(6). {وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}(7). {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ}(8)، {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ}(9). وقال تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}(10).
4- فهذه ثمان صفات أخبر القرآن الكريم بأن الله يحبها في عباده، فهو يحب من عبده إذا أخطأ أن يرجع عن خطئه، حتى لو تكرر الخطأ أو الخطيئة، فهو يقبل التوبة من عبادة ويعفو عن كثير، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون»(11). والتوبة فلسفة كبيرة في عدم اليأس، وفي وجوب أن نجدد حياتنا وننظر إلى المستقبل، وأن لا نستثقل حمل الماضي، وإن كان ولابد أن نتعلم منه دروسًا لمستقبلنا، لكن لا نقف عنده في إحباط ويأس، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. التوبة فيها رقابة ذاتية تعلمنا التصحيح وتعلمنا التوخي والحذر في قابل الأيام، وهي من الصفات المحبوبة فلنجلعها ركنًا من أركان الحب.