بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم

وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته




ونقل عن هرثمة بن أعين وزير المأمون العباسي أنه قال: في خلافة موسى الهادي العباسي، وعندما كان أخوه هارون ولياً للعهد، جاء في حراس القصير في ظهيرة يوم قائض من أيام الهجير ونادوني أن أجب الخليفة، فخفت على نفسي وقلت لعله يريد قتلي في هذه الساعة، فأوصيت أهلي بوصيتي، ثم ودعتهم وذهبت إلى قصر الخلافة، فلما صرت إلى الخليفة، صاح الخليفة بالغلمان أن اتركوا المكان وخلّوه، فلما بقيت والخليفة لوحدنا، التفت إليّ وقال: اسمع، لقد دعوتك لأجل أن تنجز عدة أمور عظام، فبادرت بالقول من فرط هلعي وخوفي منه: لبيك يا مولاي فلك السمع والطاعة، وهنا شرع الخليفة بتعريف تلك الأمور قائلاً: أمّا الأمر الأول، فأريد منك أن تقتل أخي هارون ولي العهد في ليلتنا هذه ولا تبرح حتى تأتيني برأسه، فلقد جاءني السعادة والعيون بأخبار مؤكدة تقول أنه قد أزمع على قتلي، وهنا قلت له: الأمان يا سيدي، قال: هات ما عندك، قلت: يا مولاي دع عنك ما نويت من قتل هارون فأنه من ارحامك، فردّ عليّ مغضباً: إن تفعل وإلاّ عدمتك حياتك ثم تابع قوله، أمّا الأمر الثاني فهو أن تبادر إلى الذهاب إلى السجن بعد فراغك من قتل هارون, فتبحث عن ولد علي وفاطمة (ع) فتعدمهم الحياة جميعاً، والويل لك لو بقي منهم أحداً. وامّا الأمر الثالث فهو أن تذهب إلى الكوفة بعد فراغك من قتل السادة العلويين والفاطميين، وتنادي على رؤوس الناس، من كان من أولاد العبّاس فليخرج عن المدينة، ثم تعطي أوامرك باحراق الكوفة، بعد ذلك تتفحص دورها فان بقي فيها دار سالم تخربها، ومن عثرت عليه وبه رمق من الحياة فأذقه الحمام، ولما أتم قوله صاح بي: والآن قم وأعدد نفسك لما أُمرت به.
يقول هرثمة، ثم ولّى عني موسى الهادي وتركني ارتجف كالسعفة في الريح العاصف حتى جنّ عليّ اللّيل وأنا افكر فيما أمرني به، وقد غلبت عليّ الهواجس وإذا بي اغظّ في نومة، وفجأة حضرني من قال لي: أجب حرم الخليفة فقد دعوك لأمر عاجل، فذهبت مسرعاً وإذا بصوت الخيزران أم الخليفة يُناديني: أدخل يا هرثمة انه والله لأمر عظيم، فلمّا دخلت اعلمتني الخيزران بموت موسى الهادي! فعجبت من قولها وسألتها عما جرى وامسك بيد الخليفة وأتحسسها فإذا هو جثة هامدة لا حراك فيهان فأجابتني الخيزران محدثةً: لقد كنت أنصت إلى ما حدّثك به ولدي موسى عندما استدعاك واختلى بك، وسمعت الأمر كلّه بقتل ولدي هارون وذرية علي وفاطمة وشيعتهم, ولما ولّى عنك ودخل إلى مقصورته ذهبت إليه وجعلت أتلّطف به وأتوسّل إليه عسى أن ينصرف عما عزم عليه، فلم يلتفت إليّ، فأمسكت ذوائبي البيض وسألته أن يعزف عما نوى، فازداد حنقاً وضربني على صدري ثم صاع بي (تنّح جانباً)، فأصررت عليه أن لا يفعل، وهنا شخر غيضاً وغضباً وأمتشق سيفه وأقبل نحوي وهو يصيح: إن لم تسكتي قتلتك أنت الأخرى، فأحسست أن ما من معين ولا من مغيث إلاّ الله وحده، فتوجّهت إليه أبث شكواي وقد فاضت عيناي بالدموع، ووقفت أصلي ركعتين، ثم كشفت عن رأسي ونشرت شعري، وشرعت بالنحيب والبكاء والانين والدعاء إلى الله (تعالى) وشكوت إليه ولدي موسى حتى خنقتني الآهات وأخرستني العبرات، وفي هذه الاثناء جاءني من يقول هلّمي فقد اختنق موسى، فقفزت من مكاني وذهبت إليه وأنا اصرخ بهم: آتوني ماءً، فلما جاؤوني بالماء أخذت أسقيه فإذا بالماء لا يدخل في جوفه، ولم يمض طويلاً حتى مات!!
هناك تقلّد هارون زمام الأمور وجلس على كرسيّ الخلافة بكل عظمة وجلال بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من الموت المحتوم، ولكنه أمسى الخليفة الحاكم قبل موعد قتله بساعة واحدة، بينما يموت الخليفة السابق، (أو يقتل خنقاً كما في بعض المنقولات) الذي أمر بقتل ولي العهد والخليفة الجديد، قبل أن يُنفّذ ما عقد العزم عليه. ولكن تُرى هل اعتبر هارون بما آل إليه مصير أخيه؟! لقد فعل هارون فعالاً، (وأي فعال) بآل علي (ع)، ولم يلبث أن جاء ولده المأمون ليكمل المشوار، فيفعل فعالاً منكرة بالامام الرضا (ع) والسادة العلويين.