مَن يُنافِسُني ؟!
قال: مَن أجمَلُ مِنِّي لَحنًا؟! مَن أعذَبُ مِنِّي صَوتًا؟!
أنا المُغنِّي المَشهور، بصَوتي فَتنتُ النِّساءَ، وبمكاسِبي بَنَيْتُ القُصُور.
فمَن يَستطيعُ أن يَقِفَ أمامي ويُنافِسَني؟!
قالت: أنا مَلِكَةُ جمال العالَم، بجَمالي صِرتُ في القِمَّةِ،
وأراد الكثيرونَ رُؤيتي، فبَذَلُوا لذلكَ كُلَّ غالٍ وسَعَوْا إليَّ بنشاطٍ وهِمَّة.
لَبستُ أرقى الموضات العالمِيَّة (بل إنْ شِئتِ فقولي: العارية)،
وظَهَرتُ على الشاشات، وأصبحت تتهافَتُ على اللِّقاءِ بي مُختلَفُ القنوات.
وَأَدْتُ حيائي لأكونَ نجمَة، ولِتَتَّجِهَ إليَّ الأنظارُ، ولِيُقبِلَ إليَّ الرِّجالُ.
فمَن في جَمالي يُنافِسُني؟!
قال: افتدَيْتُ الكُرةَ بحياتي، ولأجلِها أفنيتُ زَهرةَ شبابي.
أردتُ أن أكونَ لاعبًا مَشهورًا، وعند الجَميع مَعروفًا.
قَدَمي ذهبيَّةٌ تقودُني للأهدافِ، حَركتي رشيقةٌ تُساعِدُني على الفَوز.
فمَن يَستطيعُ أن يُنافِسَني؟!قالت: أنا طالبةٌ مُتفوِّقةٌ، معلوماتي لِنفسي،
لا أتعبُ في البَحثِ والجَمع ثُمَّ أُعطيها بسُهولةٍ لغيري.
كيف أكونُ حِينها مُتميِّزة؟!
فمَن في تفوُّقي تُنافِسُني؟!
تنافَسَت القنواتُ على طَرحِ الأفلامِ والمُسلسلاتِ،
ونَشر الرذيلةِ بين الشبابِ والفتيات.
وقالت: مَن يَستطيعُ أن يَكتسِحَ الساحةَ مِثلَنا ويُنافِسِنا؟!
تنافَسُوا في جَمْع الأموال، لم يُبالوا إنْ كانت مِن حرامٍ أم مِن حلال.
تنافَسُوا في كَثرةِ الأولادِ، دُونَ اهتمامٍ بتربيتِهم على الإسلام،
ودُونَ إعطائِهم أيِّ رعايةٍ أو اهتمام.
تنافَسُوا على الدُّنيا وشَهَواتِها، وسَعَى كُلٌّ مِنهم للاستئثار بمَلَذَّاتِها،
وظَنُّوا أنَّ هذا تنافُسٌ شريفٌ، وأنَّه يَعتمِدُ على الذكاءِ والمَهارة.
وقفوا في وَجه مَن قَطَعَ عليهم الطريقَ، ولم يُفرِّقُوا في ذلك بين عَدُوٍّ وصَديق.
بذلُوا الغاليَ والنَّفيس لأجل متاعٍ زائِلٍ، وتنافَسُوا على حُطامٍ فانٍ.
فماذا بعد أن هَزَمْتُم المُتنافِسينَ، ووَصلتُم لِمَا تُريدُونَ؟!
أشَعَرتُم بلَذَّةِ المُنافسةِ الشريفةِ أم بلَذَّةِ الانتصار على عَدُوٍّ لَدُودٍ؟!
أخبِرُوني أيَّ الطُّرقِ سَلَكتُم لِتَصِلُوا لِمَا أردتُم؟!
وكم مِن الأموال دَفعتُم لِتَتَفوَّقُوا على مَن نافَسَكُم؟!
وكم مِن الأوقاتِ ضَيَّعتُم لِرُؤيةِ نتيجةِ مُنافستِكم؟!
أخبِرُوني ماذا كَسَبتُم بعد أن سِرتُم طويلاً وتَعِبتُم؟!
وما الذي حَقَّقتُم بعد أن تخلَّصتُم مِن مُنافسيكم وللقِمَّةِ المزعومةِ صَعدتُم؟!
أبِفِعلِكم هذا حَقَّقتُم لأنفُسِكم الأمان؟! أم ازداد في قُلُوبِكم الإيمان؟!
أم ارتقيتُم في دَرجاتِ الجِنان؟! أخبِرُوني ماذا حَقَّقَ لكم ذلك التَّنافُسُ المزعوم.
بل دَعُوني أُخبِرُكم بما يَفعلُه ذلك التَّنافُسُ على الدُّنيا.
إنَّه يَملأ القُلُوبَ بالضَّغائِن والأحقادِ، ويَجلِبُ للنُّفُوس القلقَ والتَّوتُّرَ والضُّغُوطَ،
ويشغل عن العِباداتِ، ويُلهِي عن الطاعاتِ، ويُفسِدُ العلاقاتِ بين الإخوة والأخوات.
وفي المُقابِل أُناسٌ تنافَسُوا على الخيراتِ، على الصيامِ والقيام والصَّلواتِ،
على مُساعدةِ المُحتاجين وإخراج الصَّدقاتِ، لم يتركوا للطاعةِ مَجالاً إلَّا وسَلَكُوه،
ولم يَعرفوا لله طريقًا إلَّا وساروا فيه. تنافَسُوا بلا حِقدٍ ولا بُغضٍ،
تنافَسُوا بلا حَسَدٍ ولا ضَغينة، تنافَسُوا ولم يَحمِلُوا في قُلُوبِهم شيئًا على أحد.
(( وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ )) المطففين/26.
فارَقَتهم الغَيْرةُ المذمومة، وخَرَجَت مِن نُفُوسِهم الأفكارُ المسمومة.
إنْ نَجَحوا وحَقَّقُوا مآرِبَهم شكروا اللهَ وحَمِدُوه،
وإنْ أخفقُوا لم ييأسُوا وواصلُوا تنافُسَهم.
كُلُّ المنافَساتِ خاسِرةٌ إلَّا ما كانت للهِ.
كُلُّ النَّجاحاتِ فاشِلَةٌ إلَّا ما كانت في سبيل الله.
قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: (( إذا فُتِحَت عليكم فارسُ والرُّومُ،أيُّ قومٍ أنتم؟