حفلت حياة الزعيم عبد الكريم قاسم بالكثير من المواقف والاحداث والاسرار وقد عرف الناس بعضا منها وظلت اشياء كثيرة لا يعرفونها ومنها جوانب تتناقل شفاهيا وتتداول مثل الحكايات غير مدونة ورواتها هم المعصارون لها او ارتبطت بهم واخرى ترد في كتب المذكرات والوثائق والسير الذاتية لشخصيات سياسية وثقافية وادبية ومؤرخين وباحثين ورجال اقتصاد وحتى فنانين.
فقبل ايام وقع في يدي كتاب (يوميات بغداد) وهو مذكرات سيدة هولندية امضت في بغداد ثلاثة اشهر عند ولدها الذي كان يعمل مهندسا في العراق العام (1959) ومما جاء فيه انها رافقت ولدها رينيه لحضور حفل استقبال في السفارة الهولندية ببغداد اقيم في (29/4/1960) بمناسبة عيد صاحبة الجلالة ملكة هولندا واثناء وجود في الحفلة حضر الزعيم عبد الكريم قاسم (1914 ـ 1963) وهو رئيس الدولة العراقية جاء مهنئا بالعيد الوطني الهولندي واستقبل بتصفيق الحاضرين حيث كان يتجمع الناس خلف جدار الحديثة واخذ يتجول في طول الحديقة وعرضها مصافحا هذا وذاك. وذكرت انها في يوم عيد الثورة (14) تموز 1960 استيقظنا من نومنا مبكرين حيث سمعنا في السادسة صباحا اصوات (21) اطلاقة مدفع فكان اليوم يصادف الذكرى الثالثة للثورة. كما انطلقت ثماني طائرات حربية في السماء وهي تشكل اشكالا منتظمة لقد كان احتفالا بديعا استمر ستة ايام كما انطلقت مواكب واستعراضات ضخمة بدأت في السادسة صباحا وانتهت في الرابعة عصرا كانت هناك العاب نارية في اماكن متعددة ومسيرات للزوارق في نهر دجلة وغيرها.
ذكريات عطرة
وفي جلسة ضمت مجموعة من بعض كبار السن كان من بينهم من يحتفظ بشيء عن الزعيم.
ذكر الحاج سعدون جافل بانه لم يكن يمتلك قطعة ارض وبعد التوزيع لمدينة لـ(الثورة) لم يحصل على قطعة فذهب بعريضته الى الزعيم الذي سرعان ما وجه بشموله بقطعة بالمدينة وذكر السيد فرحان عيسى بانه شارك في احتفال عند جسر ديالى حضره الزعيم وشاهد بام عينه الزعيم وهو يوزع المشروبات الغازية بين المواطنين وسط ابتسامة كبيرة.
وذكر السيد محمد شلش نقلا عن والده الذي كان عائدا من زيارة اقربائه في منطقة الاورفلي التي كانت تحوي بيوتات متناثرة هنا وهناك وصادف الوقت ليلا وعند وصوله (قناة الجيش) التي كان يعمل في انجازها افراد القوات المسلحة طلب منه بعض الحراس حرف طريقة وعندما استفسر منهم عن السبب قيل له ان الزعيم نائم في هذا المكان بعد جولة في المشروع وعند زيارته منطقة باب الشيخ وعند الرابية العالية (السدة) المطلة على موقع (السيد حمد الله) رحمه الله وقفت سيارته وسط حشود ضخمة من الناس والجماهير.
وكان السيد سلمان شلكام من بينهم يتدافع لرؤية الزعيم وحين اقترب من السيارة الشوفرليت شاهد الزعيم فصافحه ووقتها حملت الجماهير الغفيرة سيارته وتتنوع الاحاديث الشائقة عنه او تعدد القصص والحكايا المثيرة.
ان الزعيم لم يكن رجل سياسة فحسب وقائدا جماهيريا بل كان عسكريا لامعا حيث تميزت حياته العسكرية بالتفوق والتألق فقد منح نوط الشجاعة تقديرا لبسالته في الحركات الفعلية وما ابداه من شجاعة فائقة وتثمينا بساعته في (الاول من تشرين الثاني 1948) وكذلك منح نوط الشجاعة تقديرا لاعماله الممتازة بين تاريخ (التاسع من اب والعشرين من تشرين الاول 1945) في منطقة قضاء الزيبار والمناطق المجاورة لها وقد تنبأ له امر جحفل لواء المشاة الثالث في تقريره السنوي بانه سيكون في المستقبل من ضباط الجيش القديرين لانه ضابط ركن خلوق جدا كريم النفس شهم مخلص لامره دقيق في اعماله وثقافته العامة جيدة جدا وشغل منصب مقدم اللواء بكل جدارة واخلاص وانه ضابط جيد جدا من جميع الوجوه
وكتب عنه ايضا بعد تعيينه امرا للفوج الثالث في نفس اللواء بانه رقيق القلب عفيف النفس لايبالي بالمتاعب الجسمية والفكرية مادامت تتعلق بالواجب
وحصل على كتاب شكر من قائد القوات العراقية في الاردن حين قام بهجوم على مواقع الصهاينة على رأس الرتل المسمى برتل المجامع الذي يأتمر بامرته والذي كان فوجه جزءا منه وذلك في (13 حزيران 1948 وقد وصف قائد القوات العراقية اعماله في (كيشر) بالمجهود المنطوي على العزيمة والجرأة.
موقف نادر
وحصل على كتاب شكر اخر من قائد القوات عندما قام فوجه بصد هجوم للعدو واسترجع المواضع التي احتلها وكبده خسائر فادحة كما غنم بعض الاسلحة
في نيسان (1955) اوفد ضمن بعثة عسكرية لحضور مناورات الجيش التركي كتب عنه قائد الفرقة الثالثة في تقريره السنوي لسنة (1955) بانه امر لواء قدير وحريص ونزيه يتفانى في اداء واجبه، طيب النفس كريم اليد يناصر الحق ويعين الضعيف، وفي تقدير آخر لقائد الفرقة الثالثة انه من الضباط الكفوئين المخلصين لواجباتهم الامينين في اعمالهم، لطيف المعشر رحيم ونزيه وجرى ومندفع وله نظرة طيبة في الامور الادارية والتنظيم ويمتاز بالحرص والامانة في اداء واجبه وادراك التبعات الملقاة على عاتقه.
ومع هذا الكم الهائل من الروايات والحكايات والمواقف المعروفة عنه على مدى هذه السنين نعتقد ان هناك قصصا وانطباعات ستكشف في قابل الايام ان كان ذلك في وثائق تطلق من قمقمها او مذكرات جديدة او مرويات جديدة تناقلت شفاها او مواقف مازالت حبيسة الذاكرة مثل مارواه احد الشعراء من التيار القومي قبل ايام في احدى الجلسات الادبية، حينما ذكر انهم كانوا يوزعون المنشورات المضادة للزعيم ويلصقونها على الجدران في احدى الليالي فمر بهم الزعيم وتوقف عندهم وسألهم عن اسباب تأخرهم في هذا الليل وكأنه علم بما يرومون فاجابوه بانهم بلا عمل وقد فصلوا من وظائفهم لاسباب سياسية وطلب من مرافقه تسجيل اسمائهم واعادتهم الى وظائفهم وعدنا الى وظائفنا وهو موقف لن انساه ابدا للزعيم.
عبد الكناني
منقول