روى الراوندي: إنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام حجّ في السنة التي حجّ فيها هشام بن عبدالملك ( وهو حاكم ) فاستجهر الناسُ منه ( أي من الإمام عليه السّلام ) وتشوّفوا له وقالوا لهشام: مَن هو ؟!
فقال هشام: لا أعرفه؛ لئلاّ يُرغَبَ فيه. فقال الفرزدق ـ وكان حاضراً ـ: أنا أعرف:
هذا الـذي تعرفُ البطحاءُ وَطْأتَه والبيتُ يعـرفه والحِلُّ والحَـرَمُ
هذا ابـنُ خيرِ عبـادِ اللهِ كلِّـهِمُ هذا التـقيُّ النقيُّ الطاهـرُ العَلَمُ
هذا الـذي أحمدُ المختارُ والـدُه صلّى عليه إلـهي ما جرى القلمُ
لو يعلم الركنُ مَن قـد جاء يلثمُه لخـرَّ يلثمُ منه مـا وطى القَـدَمُ
هـذا ابنُ سيّدة الـنسوانِ فـاطمةٍ وابنُ الـوصيّ الذي في سيفهِ نِقَمُ
إذا رأتْـه قـريشٌ قـال قـائلُها: إلى مكـارمِ هذا ينتـهي الكـرمُ
وليس قولُك: مَن هذا ؟ بضـائرِه العُرْبُ تعرف مَن أنكرتَ والعجمُ
وأنشد القصيدة إلى آخِرها، فأخذه هشام وحبسه، ومحا اسمَه من الديوان ( ديوان العطاء )، فبعث إليه عليُّ بن الحسين عليهما السّلام بِصِلة، فردّها الفرزدق وقال: ما قلتُ ذلك إلاّ دِيانةً. فبعث بها إليه أيضاً وقال: قد شكر اللهُ لك ذلك.
فلمّا طال الحبسُ على الفرزدق، وكان هشام يتوعّده بالقتل، شكا ذلك إلى الإمام عليّ ابن الحسين عليهما السّلام، فدعا له فخلّصه الله، فجاء إليه وقال: يا ابنَ رسول الله، إنّه محا اسمي من الديوان! فقال له: كم كان عطاؤك ؟ قال: كذا، فأعطاه لأربعين سنةً وقال عليه السّلام له: لو علمتُ أنّك تحتاج إلى أكثر مِن هذا لأعطيتُك.
فمات الفرزدق لمّا انتهت الأربعون سنة. ( الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي 267:1 / ح 10. مناقب آل طالب لابن شهرآشوب 169:4 ـ 172. إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل لنور الله القاضي التستري 136:12 ـ 149 نقله عن عدّة كتب من مصادر أهل السنّة، كما في: كفاية الطالب للكنجي الشافعي 451 ـ 453، والأغاني لأبي الفرج الإصبهاني 326:15 ـ 327 و 376:21 ـ 378، وحلية الأولياء لأبي نُعَيم الإصفهاني 139:3 ـ مختصراً، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي 207، وديوان الفرزدق 511. كذا روى ذلك الحرّ العاملي في إثبات الهداة 17:3 / ح 31 ).