بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين والصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم ..

اخوتي و أخواتي القراء الكرام .. سلام الله عليكمو رحمته و بركاته ،،

يقول الله تعالى:



{إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذينآمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما }





من اعلام الاسلام



الفضيل بن العياض


الخشيةمن الله والبكاء يلازمانه، لا يُرى إلا وعيناهٍ تفيض من الدمع، كلما ذكر اسم اللهتعالى عنده ظهر عليه الخوف والوجل، وارتعشت كل أعضاء جسده، ترى من يكون هذا الرجلالذي غمر الإيمان قلبه ؟!
كانعاصيًا فتاب الله عليه، وجعله من عباده المؤمنين، تحول من قاطع طريق يروع الآمنينإلى عابد زاهد، وكان سبب توبته؛ أنه كان يتسلق جدران أحد المنازل بالليل؛ فسمعصوتًا يتلو



قولهتعالي: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر اللهوما نزل من الحق} [الحديد: 16] فلما سمعهاقال: بلي يا رب، قد آن.
فرجع فمرَّ على أرض خربة، فوجد بها قومًا، فقال بعضهم: نرحل،وقال بعضهم: ننتظر حتى نصبح، فإن الفضيل يقطع علينا الطريق، قال (أي:الفضيل): ففكرت وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي وقوم من المسلمين هاهنايخافونني !! وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع (أي أن الله قدر لي أن آتي إلىهذا المكان لأتوب وأرجع إليه) اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام.. لقدجعل مظاهر توبته مجاورته لبيت الله حيث الرحمة والبركة، يدعو الله ويستغفره، ويندمعلى ما فرط في حقه.
في أرض خراسان ولد (الفضيل بن عياض) ثم رحل إلى الكوفة فيالعراق، فسمع الأحاديث النبوية الشريفة والفقه من العلماء؛أمثال (الأعمش) و(يحيي بن سعيد الأنصاري) و(جعفر الصادق) فأثرتتأثيرًا كبيرًا في شخصيته، حتى أصبح من الزهاد الذين يرون أن الدنيا لا تساوي عندالله جناح بعوضة، ولا تستحق أن يتكالب الناس عليها، ويتصارعون من أجلها، فهي فانيةزائلة، بل الأولى أن يعمل الناس
لأخراهم، فهي الباقية الدائمة بفعل الخير، وتجنب المعاصي، ثمانتقل إلى مكة وأقام بها حتى توفي.
وكان إذا خرج في جنازة مع الناس، يعظهم ويذكرهم بالآخرة، حتى إذاوصل إلى المقبرة، جلس في حزن شديد، وظل يبكي ولا ينقطع بكاؤه، سأله الخليفة
(هارون الرشيد) ما هي صفات المؤمن أيهاالزاهد؟ فقال له الفضيل: صفات
المؤمن؛ صبر كثير، ونعيم طويل، وعجلة قليلة، وندامة طويلة.
ومرَّ الفضيل بن عياض على جماعة أغنياء، فوجدهم يلعبون ويشربونويلهون؛ فقال لهم بصوت عال: إن مفتاح الخير كله هو الزهد في الدنيا، وقد سألهأحدهم: وما الزهد في الدنيا ؟ فقال: القناعةوالرضا وهما الغنى الحقيقي، فليس الغنى في كثرة المال والعيال، إنما الغنىغنى النفس بالقناعة والرضا في الدنيا، حتى نفوز في الآخرة، ثم توجه إلى اللهداعيًا: اللهم زهدنا في الدنيا، فإنه صلاح قلوبنا وأعمالنا وجميع طلباتنا ونجاححاجتنا.
وحجَّ هارون الرشيد ذات مرة؛ فسأل أحدأصحابه أن يدله على رجل يسأله؛ فدله على الفضيل، فذهبا إليه، فقابلهما الفضيل وقالللرشيد: إن عمر بن عبد العزيز لما ولِّي الخلافة دعا أناسًامن الصالحين فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء
(يعني الحكم) فأشيروا علي.. فعدَّ عمرالخلافة بلاء، وعددتها أنت وأصحابك
نعمة، فبكى الرشيد، فقال لهصاحب الرشيد: ارفق بأمير المؤمنين، فقال الفضيل: تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا ؟(يقصد أن عدم نصحه كقتله) فقال له الرشيد: زدني يرحمك الله..
فأخذ يعظه وينصحه، ثم قال له: يا حسن الوجه أنت الذي يسألك اللهعن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل، وإياكأن تصبح
وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك، فإنالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
(ما منوالٍ يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاشٌ لهم إلا حَرَّمَ الله
عليه الجنة) [متفق عليه] فبكي هارون وقال له: أعليك دينأقضيه عنك؟ فقال:
نعم، دين لربي لم يحاسبني عليه، والويل لي إن ناقشني، فالويل ليإن لم ألهم
حجتي، قال: إنما أعني من دين العباد.
قال: إن ربي لم يأمرني بهذا؛ أمرني أن أصدق وعده وأطيع أمره، فقالالرشيد: هذه ألف دينار خذها فأنفقها على عيالك وتقوَّ بها على عبادة ربك، فقال الفضيل:سبحان الله،أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا، سلَّمك الله
ووفَّقك، ثم صمت فلم يكلمنا؛ فخرج الرشيد وصاحبه، وكانالفضيل شديد التواضع، يشعر دائمًا بأنه مقصر في حق الله، رغم كثرة صلاته وعبادته.
وتمضي الأيام، ويتقدم السن بالفضيل بن عياض وذات مرة كان بعضالناس جلوسًا عنده، فقالوا له: كم سنك ؟ فقال:
بلغتُ الثَّمانين أوجُزْتهَــــــا
فَمَاذا أُؤمِّلُ أَو أَنْـَتظِــــــرْ
عَلَتْني السِّنُون فأبْلَيْننَــــــي
فَدَقَّ العِظامُ وَكَلَّ البَصَــــــرْ
ومرض الفضيل، فسُمِع يقول: ارحمني بحبي إياك، فليس شيء أحب إلي منك، وأقامالزاهد العابد الفضيل بن عياض بـ(مكة) حتى توفي عام 187هـ وأطلق عليه
هناك (شيخ الحرم المكي)