الفصل العشائري هل هو حلاً للنزاع أم تجارة مربحة
بعدما كانت العشائر تدافع عن المظلوم دون غاية أصبحت بعضها تدافع حتى على الظالم من أجل غاية
• كثيراً من الأنظمة العشائرية مخالفة للشريعة ومع ذلك نرى لها قوة في التطبيق
• أما الأستاذ مسلم أبو غنيم فقال "نحن قبل لا ننتمي الى الحكومات المدنية التي تحكم وتعمل بالقانوشائرياً
• الدولية نيوز / حسام الخياط
إن المقصود بالفصل العشائري هو إنهاء النزاع وإجراء المصالحة بين طرفين او أكثر (من أطراف العشائر) المتخاصمة وإنهاء الخصومة بينها، وإحلال (السلام) حسب القواعد والأعراف المعمول بها وحسب التقاليد في تلك المنطقة أو القاعدة المتعارف عليها بين العشيرتين المتخاصمتين ، وصورة الفصل العشائري الحقيقية هي الدفاع عن المظلوم وأخذ الحق من الظالم لكن هذه الصورة تحولت الى صورة أخرى وهي أشبه بالعملية التجارية الربحية ، وتفاعلت بالآونة الأخيرة من أجل كسب المال .
ما قاله السيد الشهيد الصدر ( قد س ) في كتابه فقه العشائر
نرى كثيراً من الأنظمة العشائرية والتقاليد المتبعة فيها مخالفة صراحة للشريعة ومع ذلك ترى لها قوة في التطبيق أشد من قوة الشريعة فيرضخ لها الإنسان وينصاع وإن كان في ذلك معصية الله سبحانه ودخول جهنم فبالرغم مما تنطوي عليه الأنظمة من حسنات وإيجابيات كالاتحاد والتآزر والتواصل وسد الحاجة وما تنطوي عليه من خصال حميدة كالكرم والشجاعة والوفاء والغيرة والنخوة لكن هذا كله يجب أن يكون في قالب الدين والشريعة ولا يزيغ عنها ولا يجوز أن يكون ضغط العرف العشائري أكثر من الوازع الديني بل يجب تهذيب وتعديل هذا العرف بما ينسجم مع الشريعة وان الشيطان ليومي إلى أوليائه بأنه النار ولا العار والإمام الحسين (ع) يقول (العار أولى من دخول النار) ،على أنه ليس في تطبيق الشريعة المقدسة أي عار بل العار في مخالفتها والشرف في الالتزام بها كما في الحديث (من أراد عزا بلا عشيرة وشرفا بلا سلطان فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله) .
الفصل العشائري أصبح لبعض العشائر الشغل الشاغل
المحامي علي حسين قال " بما ان أغلب الناس لا يعطوا أهمية للقانون وأصبحوا يحلون مشاكلهم عن طريق العشيرة فأصبحت العشائر تعطي جل اهتمامها الى قضية الفصول وأصبحت هذه القضية شغلها الشاغل وبالطبع فإن إعطاء الوقت لهذه الظاهرة لم يكن بالمجان فهي أصبحت ترحب بل تبحث عن أبسط المشاكل من أجل مقاضاة عشيرة أخرى ( مقاضاتها عشائرياً وليس قانونياً ) كما أضاف بأن في يوم من الأيام تشاجر طفلان وهم يلعبان فوالد الطفل الذي تعرض للضرب كان مسالماً ويحاول تهدئة الأمور فذهب الى بيت الطفل الذي ضرب ابنه لكن تفاجأ بخروج والد الطفل وهو متعصب وغاضب ومباشرةً قال للرجل سوف أبلغ إخوتي وعشيرتي بما جرى وسوف أنتقم منك ومن ابنك عشائرياً وفي المقابل كان الرجل الذي تعرض ابنه للضرب المبرح هادئاً فرجع الى بيته لم يستطع حتى أن يتحدث مع الرجل لأن ما شاهده كان غريباً ، وبالتالي تحولت القضية الى العشيرة وكانت نهايتها فصل مادي "
مواقف غير مقصودة تحولت الى عشائر وفصول
يقول المواطن أحمد علي انه اتصل بأحد أقاربه وهو يعمل سائق تكسي في سيارته نوع (سايبا) الإيرانية، ولما سأله على الهاتف أين أنت الآن أجابه صاحب التكسي (وين يعني أفتر بهل سايبه). وقد كانت في سيارته امرأة يقوم هذا السائق بتوصيلها سمعت هذا الحديث فظنت أنها المقصودة بكلمة (سايبه)، فعند وصولها الى البيت طلبت من السائق الانتظار بحجة أنها ستأتي بالأجرة من المنزل، ثم دعت أولادها وزوجها الذين انهالوا على الرجل بالضرب المبرح ومن ثم تحولت القضية الى العشيرة ووصلت لحد الفصل .
فيما يقول ابو حمزة انه ذهب برفقة مجموعة من أقاربه الى احد مجالس العزاء وفيهم شخص كبير السن، وعند تناول العشاء قام صاحب العزاء بتقطيع اللحم ووضعه أمام الرجل كبير السن، فالرجل المسن عد ذلك إهانةً له وقال لصاحب العزاء لماذا عملت هكذا هل تشبهني بالكلب لترمي اللحم أمامي فزعل وخرج من مجلس العزاء وقام بتهديد أصحاب العزاء وفرض عليهم فصلا عشائريا .
اما أبو زينب الحداد فتبدو قصته غريبة نوعا ما اذ يقول ان فتاة شابة ركبت أرجوحة مخصصة للأطفال في متنزه حكومي وبسبب عدم تحمل مقعد الأرجوحة لجسم الفتاة هطل المقعد وسقطت الفتاة وتسبب ذلك بكسر مرفق يدها.. وأوضح ان الغريب في الأمر بعد ان علم ذوو الفتاة ان المتنزه حكومي ولا يمكنهم محاسبة احد قاموا بالبحث عن الحداد الذي لحمَ هذه الأرجوحة حتى أوصلتهم الناس الي... ويضيف ابو زينب انه فوجئ في احد الأيام بطرق باب بيته مجموعة من الرجال يحاسبونه عن عدم اتقان لحم الأرجوحة فأجابهم بأنها مخصصة للأطفال وبنتكم كانت كبيرة لا تحملها الأرجوحة فتطاول الحديث وتحولت القضية عشائرية وكانت نهايتها الفصل المادي .
العشائر وطرق عملها في الفصل العشائري
تختلف طريقة الفصل حسب أهمية (الجريمة) او الحادث الذي وقع بين المتخاصمين وذلك فيما اذا كان المتخاصمان (من عشيرة واحدة) او (بيت او فخذ واحد) او من عشيرة أخرى وأول عمل يقوم به المتهم بارتكاب (الجريمة او الفعل الجنائي) هو اخذ (العطوة) من العشيرة المعتدى عليها وبواسطة وجهاء ورؤساء عشائر (يكونون الطرف الثالث) والعطوة بمعنى الإمهال للمتهم لإحضار وإبلاغ رؤسائه وأبناء عشيرته بالحادث الذي اتهم به ثم يقوم بإرسال مبلغ من المال الى العشيرة المعتدى عليها ويطلق عليه (الفرشة) وهو عبارة عن المصروفات لإعداد الوليمة (ليوم الفصل). وهناك عدد كبير لا يأخذ (الفرشة) باعتبارها ذلاً لعشيرته التي ستقوم بإعداد الطعام لمن يحضر من الوجهاء الذين يستنجد بهم (المتهم) لإحلال الصلح.
الشرع والقانون في الفصل العشائري
يقول الشيخ محمد رضا المنصوري ان الحكم الإسلامي الشرعي هو الأخذ بـ(الديّة) بالنسبة للقتل والجروح قصاص وقيمة الديّة تختلف باختلاف الأوقات والفعل الجنائي المؤدي الى القتل وإزهاق الروح وذلك بالرجوع الى (الحكم الشرعي) أولا والى الطريقة التي أدت الى وقوع الحادث ثانياً فهل كان القصد متعمداً فحكمه يختلف اذا كان غير متعمد كالسهو او الجهل في استعمال السلاح فان الحاكم الشرعي هو الذي يقدر الديّة وطريقة توزيعها بين الورثة ، وأما الطريقة التي تجري بها (الفصول العشائرية) فإنها لا تتقيد بالحكم الشرعي على الطالب بل يتم إقرارها حسب أراء ووجهات نظر الحاضرين وأما بالنسبة للإجراءات القانونية فان المعمول به حالياً ومنذ فترة ليست بالقصيرة، ان الفصل يعتبر من العوامل المخففة عند النظر في القضية من قبل المحكمة المختصة، وقد لاحظت سابقاً ان عدداً من المحكومين بجرائم القتل العمد لا يتم شمولهم بقرارات العفو ما لم يكونوا قد قاموا (واجروا الفصل العشائري) بينهم وبين ذوي المجني عليهم. وأما بالنسبة للمبالغ التي تدفع للوجهاء الذين يتوسطون لحل النزاع بين الأطراف المتنازعة فان ذلك ليس من الشيم او الأخلاق لأبناء العشائر .
الفصل العشائري تجارة مربحة
يقول الأستاذ محمد المعموري " أصبحت الفصول العشائرية تجارة لبعض العوائل التي أخذت تبحث عن أية مشكلة لكي تأخذ فصلاً على أبسط الأمور الحياتية وعزى المعموري ذلك الى ضعف السلطة والقانون في الحد من هذه الظاهرة التي أستشريت بشكل كبير" ، أما الأستاذ مهيب رشاد فقال " سيدي العزيز إن الفصل العشائري أصبح تجاره سائدة هذه الأيام هدفها ربحي أكثر من أن يكون توعوي وإرشادي بعيدا عن سيادة القانون الذي اخذ الجميع ﻻ يحترمه هذه الأيام فالمخالف اليوم يهدد بعشيرته ﻻ بالقانون ودولة القانون حتى ان احدهم في يوم ما قال لي وهو يخالف القانون والعرف الاجتماعي ( اذا لماذا نحن ندفع كل شهر الى دخل العشيره ) وكان هذا الدخل وضع للخارجين عن القانون وقطاع الطرق " ، أما الأستاذ مسلم أبو غنيم فقال "نحن قبل لا ننتمي الى الحكومات المدنية التي تحكم وتعمل بالقانون الذي وضعوه هم بأيديهم ننتمي الى الإسلام والإسلام موقفه واضح من هذه الخزعبلات والتي تسمى(الفصل) فليس اجتهادا مني رفضها بل الإسلام والشرع من رفضها وحرمها ، ففي الإسلام توجد الدية وليس الفصل .