دم الكتابة31/05/2014 08:57
لامناص من القول ان القراءة المستديمة هي الشريان الرئيس للكتابة، بتذبذب الأولى أو انقطاعها تشحب الأخيرة أو تموت.
غالبيتنا نعرف ذلك، وبعضنا، لأسباب موضوعية وذاتية، لايلتزم بتلك القاعدة، كمن يهرب من تناول عقار مشخص لتدارك شحوب وجهه وهزال جسده.
مناسبة هذا الحديث الاستطلاع المنشور في صفحتنا اليوم بجزئه الثاني عن القراءة وعاداتها (نشرنا الجزء الأول سابقا. حديث ينطلق من ضرورة ألا يمر ماننشر مرور الكرام، ينبغي تسليط أضوائنا ووجهات نظرنا على منشورات الصفحة، لتفعيل الجدل في موضوعات متجددة الطرح.
غالبا ما أؤمن بقاعدة ذهبية، أأمر بها نفسي: اقرأ أكثر مما تكتب.
أن تمارس الكتابة اليومية يعني أن تقرأ لساعات عديدة يوميا في مختلف حقول المعرفة. أكتب قبل أن تقرأ، كي لاتكون في دائرة تأثير مباشر لما قرأت، القراءة بعد الكتابة مؤونتك المعرفية المرحلة لليوم التالي. فضّل القراءة على الكتابة في تقاسيم يومك، وبذلك تجعلها غاية ووسيلة، تطابق الاثنين أو توحدهما في منظورك الستراتيجي لعمليتي القراءة والكتابة يشعرك أن القراءة ليست ممرا باتجاه واحد للكتابة، أي تقرأ لكي تكتب، وإنما ممر متعدد الاتجاهات، أهمها ان القراءة الصائبة إعادة إنتاج ماقرأت. تعلمنا التواضع مهما بلغنا شأوا في الكتابة ، ان هناك من هم أعلى شأنا منا في فضاءاتها. نشدان المتعة في تفاصيل يومنا البائسة. الإحساس بالجمال وسط قباحات السيئين المخربين لحيوات الطيبين.
القراءة ممارسة أساسية للحفاظ على جوهرنا الإنساني، تزيل عنا القدرة على اكتساب التوحش الحيواني، البائن في ظلم الإنسان لأخيه الإنسان واستغلاله أبشع استغلال، وقتله من دون ذنب.
القراءة المتواصلة تريك مشهدا مشهدا بانوراما المأساة البشرية، ومن يرمصائب الناس تتدفق من نوافير الحبر البشري تهن مصيبته الخاصة عليه، وتلك إحدى الفوائد العظمى للقراءة، انها متنفس واسع لمكبوتاتنا.
منذ اخترعت الكتابة ولغاية الآن، لم تترك الكتب السماوية والوضعية بشتى مجالاتها أمرا إلا وسطرته في متونها.
إذن ماذا يستطيع أن يقرأ القارئ– الكاتب المنتج، لو أفنى عمره في غرفة، لن يستطيع إيفاء المنجز الحضاري للبشرية جمعاء، دائما هناك مايخفى عليه. أيضا ما ذا يمكن أن يضيف القارىء– الكاتب المنتج جديدا إلى ما أنجز، شكلا ومضمونا، وقد خفي عليه الكثير من الأفكار والأشكال؟.
بذلك نبرر العودة ثانية إلى القاعدة الذهبية التي يفيد منها الكاتب الناشئ والكاتب الناضج أو المتميز أو المشهور: اقرأ أكثر مما تكتب. وهنا يمكن أن نضيف رأيا غريبا.. القراءة الغزيرة تصيبك بالإحباط إزاء اكتشافك المتواصل لمن يفوقونك، بينهم مغمورون لم تكتشف عوالمهم الإبداعية بعد، كأنهم قارات مجهولة، أما المشهور إعلاميا فيتلقف نتاجه نظراؤه كي يفككوه، بحثا عن مجاهل لم يطأها أو لم ينتبه إليها أحد.
نحن أسهبنا في القراءة وشجونها، وكأنها عالم كبير منفصل عن تقاسيم يومنا. الأمر ليس كذلك، عمليتا القراءة والكتابة تدوران في فلك يوم مقسم بين العمل والعائلة ومجريات الوضع السياسي والأمني، ولاننسى تعاطينا التقنيات الحديثة: القراءة الرقمية السريعة، مواقع التواصل الاجتماعي، الهواتف الذكية.
أتصورها، أنها تحوك مؤامرة جمعية لإبعادنا عن الكتاب الورقي، وأقصد القراءة الدقيقة الواعية.
اذن التحدي هنا، كيف نخلق عادات قراءة يومية عميقة وسط كل هذه التفاصيل اليومية المريعة المملة الشافطة لأيامنا كي تمر من دون جدوى؟
هي كلمة: مامدمنا لسنا كتابا محترفين، لا نعتاش على عوائد كتاباتنا، كما في دول العالم المتقدم. يبقى الأمر بعيد المنال في العراق، ونبقى كتابا هواة، نقرأ وقت مايحلو لنا، نكتب وقت مايروق لنا، لاطقوس قراءة "ولاهم يحزنون".