ما هي المعجزة ؟
هل المعجزة منافية لسنن الله ؟
وما دور المعجزة في زمن التمهيد المباشر لحركة الظهور ؟
المعجزة أو الفعل المعجز هو كل كل فعل وأمر خارق عن عادة البشر والظواهر الطبيعية من خصال ومميزات تعجز سائر الناس الاتيان بمثلها ولا تؤتى إلا بقوة إلهية مباشرة تدل على أن الله تعالى قد خص رسوله أو نبيّه أو عبّده الصالح بها تصديقا على رسالته ونبوّته ، فيصير ذلك دليلا على صدقه في إدعاء النبوة أو الرسالة .
وقد تكون المعجزة كونية أو بشرية وأمام أنظار الناس مجتمعين و مفترقين أو أمام فرد واحد على حسب مقتضى الأمر والدعوة وهي خارج عن حدود الأسباب المعروفة والمألوفة يجريها الله تعالى على أيدي رسله وأنبيائه إلا إنّ لهذه المعجزة أيضا شروط وأسباب ومسببات أن تكون مقرونة بالتحدي للمكذبين والشاكين للنبوة أو في حال تأخر أسباب النصر فتتدخل المعجزة وهكذا وأن تكون المعجزة سالمة من المعارضة فمتى ما أن يُؤتى بمثلها من قبل غيره بطلت تسميتها معجزة ، وقد تختلف المعجزة عن أخرى ومن نبي إلى نبي فبعضهم كان بإمكانه أيّ وقت العمل بها و آخرين كانت تؤتى مرة واحدة تسديدا وتأييدا لحركتهم..
إن المتأمل في أوضاع وأحداث الساحة السياسية اليوم يجد تقارب شديد بين ما وصف في كتبنا التاريخية في فتنة الشام وأطرها وطولها والتي نراها ونرى الأمم واللاعبين الكبار يحاولون إيجاد مخرج لها حتى لكأنّ عقد النظام العالمي قد انفطر سلكه وانفرطت حباته في تتابع منتظم فقامت الفتن والثورات وكل الحزازيات المذهبية والطائفية فأصبحت المنطقة على صفيح ساخن تدخل في نفق فتنة إلى أخرى ..
وعلينا أن نستوعب جيدأ إن الرايات المحتومات الحاسمة التي وُعدنا بها للسفياني واليماني والخراساني لن تُولد فجأة ودفعة واحدة ودون سابقة إنذار أو تنبع كماء بالمعجزة أو تظهر كثمر الفطر هكذا بلا ارتواء ، أو دون تجربة ميدانية و خبرة تراكمية و ممارسة عملية ..
إن الحديث الذي تداول في الآوانة الأخيرة بأن العبد اليماني سيأتي بالمعجزات والآيات الربانية الخارقة للعادات هذا الحديث فضلا عن كونه غير عقلائي ومنطقي هو لايستند إلى أيّ دليل علمي ونقلي روائي واحد ، وحديث لافائدة منه وغير مُوفق ومن قبيل الاشتباه والمبالغات والمغالاة الظنية من بعض الخطباء والمؤلفين المتحمسين وخلق الأساطير التي لاطائل منها لهذا العبد المؤمن ما ترسم صورة مشوشة في أذهان الكثيرين، وإن الهدى والصلاح في هذا العبد تكمن كونه من شيعة آل البيت الاثني عشرية من الطائفة الناجية والعقيدة الحقة ، أما القول بأن أي هذا العبد المؤمن والهادي بأنه إذا خرج ستستقبله الرؤساء ووفود الحكومات الرسمية العربية وغيرها الأجنبية ويضربون التحية له وتسلم حكوماتها له وتسلم الحوزات والمرجعيات الفقهية ورسائلهم العملية له طواعية هكذا من باب المعجزة و كلمة سر المغارة "افتح يا سمسم" هو ضرب من الادعاءات المجازفة ونسج القصص والخيال لا أكثر، فإن ولاية الفقهاء ومراجع الأمة ونظام المرجعية الشرعية التي وضع لبنتها الأولى وحجرها الأساس وليّ الأمر نفسه (عجّل الله فرجه) واغلق باب نظام السفارة نهائيا لن تنتهي وتتوقف في زمن عصر الغيبة الكبرى حتى لحظة خروج صاحب الأمر (عجّل الله فرجه) فهو الآية الكبرى وحجة الله العظمى حينها ولا احد غيره .!
فكان من باب أولى أنّ منْ يقول بحل الأمور والمسائل على منطق المعجزة والمعجزات أن يقوم بها ويفعلها جده أمير المؤمنين وسيد الموحدين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) حينما أحُرقت داره وانتزعت منه الخلافة وفي حربه في الجمل وصفين عند رفع المصاحف ومثوله لاحتكام القوم و وكذلك حينما هاجر الحسين إلى كربلاء وقاتل وقُتل فيها وسُبيت حريمه وعيالاته، إن نفس هذا المنطق ينفي الحكمة من كل هذه الغيبة وتكامل المسيرة الانسانية والعقل البشري ولما غيّبه الله تعالى عن أيدي الظالمين من العصر العباسي إلى الآن .. كان بالإمكان إسقاط العباسيين والأمويين بنفس هذه المعجزات التي يتحدثون عنها لم كل هذه العصور والقرون الممتدة من الغياب!
نحن هنا لاننكر أصل المعجزات والكرامات التي يجريها الله على أيدي وألسن عباده وأوليائه الصالحين ولا نرى تنافي بين المعجزة وسنن الله .. والتعريف الحقيقي للسنن هي النواميس أو القوانين التي أودعها الله تعالى في نظام كونه وقد خلق الله سبحانه هذا الكون وأجراه وفق قوانين وأسس دقيقة منظومة متكاملة ومتناسقة بها استقامت حياة الانسان ومسيرته وتطوره وتكامله ووجوده ((سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا )) 23 الفتح، حتى إن الله عز وجل عندما يضرب لنا مثالا للمعجزة أراد لنا الأخذ بالأسباب الاعتيادية والوسائل الطبيعية المتاحة وذلك وجوب التحرك الايجابي لتغير الداخل والواقع والأوضاع حتى في معجزات الأنبياء والأخذ بالأسباب والسنن الكونية العظيمة ..!فعندما أوشكت مريم بنت عمران (ع) أن تضع حملها ومولودها عيسى ابن مريم (ع) أراد الله تعالى أن ييُسر هذه الولادة المعجزة الأولى من نوعها وأمرها أن تهز جذع النخلة رغم آلامها فقال ((وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا )) أية 25 من سورة مريم ، ولا يخفى أن هز النخلة من إمرأة حامل وهي تضع حملها لايُراد منه كما يتوّهم البعض في التحليل والتفسير السطحي الساذج للنصوص من بعض المسلمين إن المراد والهدف منه تساقط الرطب وأكل التمر فحسب ففيه فوائد صحية جمة وطاقة إيجابية مؤثرة كسكر الجلوكوز على الدم ، هذه نظرة وقراءة سطحية إنما هي إقرار بالفعل وان هذا الفعل المعجز بحاجة الى المبادرة وهذه السنة الطبيعية مع وجود المعجزة في إيجاد الدواء أو ما يتداوى منه ، وكذا في قصة موسى (ع) وفرعون عندما كان موسى (ع) مطاردا من جند فرعون أمره الله أن يضرب بعصاه البحر فانفلق كل فرق كالطود العظيم فإن أي عاقل يدرك ولا يشك في إن ضربة موسى بالعضا ذاتها ليس لها تأثير فعلي في انشقاق البحر إنما تمت بالمعجزة الالهية وكان الفعل الضرب مجرد حركة رمزية معنوية في تأثيرها النفسي والواقعي على نفسيات الجماهير والتابعين لموسى في قوله تعالى ((فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)) آية 63 سورة الشعراء ، كان بالإمكان إن الله سبحانه وتعالى أن يشق البحر لعبده موسى دون أن يُأمر موسى ويقوم بهذا الفعل وهذه المبادرة الحسنة ، وكذا يجري نسق المعجزات الغيبية مضطردا في النبي أيوب (ع) عندما استجاب الله تعالى لدعائه وأصاخ لشكواه ورفع عنه البلاء وشافاه من مرضه فأوحى إليه يأمره بأن يضرب الأرض ويركض برجله إلى ينبوع فتفجر منه ماء متدفق ليغتسل ويشرب منه تعود إليه صحته وقوته وتنسل عنه أمراضه فهذا الجهد وان كان بسيطا فهو رمزيا بقول تعالى (( ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ)) أية 42 سورة ص، وكذلك في سنن أغلب الأنبياء كما في قصة يونس النبي (ع) استجاب الله له الدعاء وأوحى إلى الحوت في الماء أن ألقي بضيفك في العراء فقد أوفى الغاية ونال ما قُدّر له من بلاء وجزاء فألقاه على الساحل سقيما هزيلا مُدنفا عليلا مكروبا تلقفه رحمة الله فأوحى الله إليه أن اقطف من شجر اليقطين طعاما له فاستظل تحتها واقتطف منها وأكل طعامها، حتى دبت إليه الصحة والعافية وصحّ جسمه وبرئ جلده واندملت قروحه وصلح بدنه وعاد أكمل وأفضل مما كان يُرى وظهرت عليه تباشير الحياة وهذه السنة الكونية الالهية في الاخذ بالأسباب الطبيعية من تداوي بالأعشاب أو الطب الشعبي وغيره والاستعداد النفسي والعسكري كمثل قوله تعالى((وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ ..)) .. كان بالإمكان أن يشفي الله تعالى عبده يونس وما عاناه من افرازات ضارة داخل أمعاء الحوت وأن تلتلئم كل جروحه دون الأكل من ثمار الشجرة إنما الله سبحانه وتعالى ضرب لنا مثلا ليأمرنا ويعلمنا أن نبحث ونأخذ بالوسائل الطبيعية وفق شروطها مع الالحاح بالدعاء للنصر والتأييد والتمكين والشفاء ، مثلا لا ينبغي الذهاب إلى الطبيب وحده والاعتماد على دوائه دون طلب المعونة من الله ولا يكفي طلب الشفاء للأمراض المستعصية من الله دون الذهاب إلى الجهة المختصة .