دراسة محفزات الخلايا توضح الإحساس بالألم والطعم الحار والمنعش
اكتشف العلماء كيف يمكن للمرء الإحساس بالطعم الحار، وتوصلوا إلى فهم الآلية التي تعمل بها بعض نكهات الطعام الحراقة، مثل نكهة الفلفل الحراق و«الوسابي»، فضلاً عن النكهات المهدئة والمبردة، مثل النعناع. وهم يقولون إن آثار هذا الاكتشاف تمتد لأبعد بكثير من عالم الطبخ.
فالآلية ذاتها هي المسؤولة عن بناء نظام حرارة جسم الإنسان الداخلية. وبفهم هذه الآليات الحديثة تشرع أبواب جديدة للبحث العلمي في مجال علاج السمنة المفرطة والسرطان والآلام المزمنة.
وذكرت مجلة «نيو ساينتست» العلمية المتخصصة، في تقرير حديث لها حول هذا الموضوع، أن الخبراء أكدوا استخدام بعض الحيوانات هذه المنكهات للرؤية في الظلام. وتعود جذور هذا الاكتشاف إلى أوائل عام 1997، عندما بدأ ديفيد يوليوس، من جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأميركية وفريقه دراسة تأثير مختلف النكهات على جسم الإنسان.
وعلى الرغم من أن الناس تكهنوا لفترة طويلة من الزمن بمصدر الحرارة الذي يتشكل بعد تناول الفلفل الحار، فقد استطاع ديفيد يوليوس وفريقه اكتشاف أن مراكز الإحساس في الفم هي المسؤولة عن تكوين الإحساس الحار المتأتي من تناول بعض أنواع الطعام.
تحفيز الخلايا
وأكد الخبراء أن معظم الإدراك الحسي لدينا يعتمد على «قنوات» محددة موجودة على سطح خلايا بعينها. وكل نوع من هذه الخلايا يستجيب لأنواع مختلفة من التحفيز. ولدى تفعيل هذه «القنوات»، تُفتح المسام الموجودة في الخلايا، بشكل يسمح للشحنات الكهربائية بالمرور على شكل أيونات، أي «أجسام مشحونة».
وتوجد قنوات الأيونات هذه عادة في الأعصاب. ويحفز هذا التدفق الأيوني على إطلاق الخلايا لدفعة من الشحنات الكهربائية.
واكتشف العلماء وجود أكثر من مستجيب لهذه المحفزات. وبدراسة الجينات المتعلقة بهذا الشأن استطاع ديفيد يوليوس وفريقه تحديد قناة معينة تسمى «تي آر بي في 1». وأوضح الخبراء أن هذه القناة تستجيب أيضاً لدرجات حرارة الجسم المرتفعة مثل 43 درجة أو الأعلى منها، وهذه الحرارة قد تكفي لتدمير الخلايا. وهذا يفسر لماذا يشعر المرء كأن فمه يحترق لدى تناول الفلفل الحار.
ويختصر الخبراء اسم القناة المُكتشفة إلى لفظ «تريب»، مؤكدين أنها مسؤولة أيضاً عن أنواع أخرى من الإدراك الحسي، ولكنها تعتبر أول قناة حسية تعكس «حرارة الجسم الداخلية». وفي عام 2008، اكتشف ديفيد يوليوس قناة «ريب 8» التي تُحفز بواسطة درجات الحرارة المتوسطة، أي بين 10 إلى 30 درجة. وهذه القناة تحفز عبر أنواع الغذاء المُبردة مثل النعناع لتوجد ذلك الشعور بالبرودة.
تعطيل الأحاسيس
وواصل فريق البحث تجاربه على القنوات المُبردة عبر تهجين جينات فأر، ووضعه تارة في غرفة باردة وتارة في غرفة أعلى حرارة، ودرسوا التغيرات التي طرأت على خلاياه، وقارنوها بالتغيرات التي أحدثت على خلايا فئران غير مهجنة.
وأظهرت الأخيرة لدى وضعها في غرفة تصل درجة حرارتها إلى 30 درجة أداء قوياً. أما الفأر المُهجن فاستطاع المكوث في الغرفة الباردة مدة أطول، وبدأت خلاياه بإنتاج الحرارة فقط لدى انخفاض درجة حرارة الغرفة عن 15 درجة. وكانت أقل قدرة على الإحساس بالفروقات الحرارية. ويدرس الخبراء كيفية تطبيق هذه النتائج على جسم الإنسان.
وركز الخبراء في دراستهم على القناة الأولى المكتشفة. ووجدوا أن إيصال هذه القناة لأحاسيس الألم أضعف بكثير من غيرها. وذلك لأن هذه القنوات مسؤولة عن الإحساس بالحرارة، وبالتالي، فلدى ارتفاع درجة حرارة الجسم، فإنها تعمل على توقف عمل خلايا الإحساس. وعليه، لا تعود الخلايا تحس بالألم.
وهذا يعني أن هؤلاء الناس أكثر عرضة للإصابة بالجروح وغيرها، نظراً إلى تعطل حالة الإحساس لديهم. وفي هذا الصدد يقول جون وود، الباحث في أعراض الألم بجامعة «كوليدج لندن»: «أنفقت جميع شركات الأدوية نحو 60 مليار دولار أميركي في محاولة لصنع أدوية بالاعتماد على الاكتشافات الخاصة بالقناة تريب 1، ولكن لم نفلح في ذلك بعد».
ويأمل الخبراء عبر استهداف القنوات الحسية بمختلف الأدوية السيطرة على تكاثر الخلايا السرطانية والخلايا المصابة بأنواعها. وباتت هذه الأبحاث التي بدت يوماً ما فضولاً فقط أقرب إلى التطبيق واختراع الأدوية الملائمة لعلاج مختلف الأمراض منها إلى التفكير النظري.
متلازمة الألم
يشير الخبراء إلى أن درجات الحرارة المرتفعة جداً أو المنخفضة جداً قد تتسبب بالألم لأغلب الأشخاص. وبالنسبة للبعض، فإن أي تغير، ولو كان طفيفاً، في درجات الحرارة، قد يكون مزعجاً جداً. وفي عام 2010، اكتشف جون وود وفريقه ما أسموه بـ «متلازمة الآلام العرضية»، وذلك لدى عائلة كولومبية كانت تعاني من آلام حادة.
وقال وود: «عندما يشعر هؤلاء الأشخاص بالبرد أو يصابون بالتعب، فإنهم يشعرون بألم في الصدر، ويبقون متعبين مدى ساعتين كاملتين بعدها. وتشعر النساء من هذه العائلة بألم يفوق ألم الولادة». وعلى الرغم من اكتشاف فريق الخبراء أن للقنوات الحسية أثراً في علاج هذا الداء، إلا أنهم يقولون إن الشركات لن تنفق المزيد من المال لتطوير أدوية خاصة لعلاج هذه المتلازمة