النتائج 1 إلى 4 من 4
الموضوع:

رقيه من الحله

الزوار من محركات البحث: 9 المشاهدات : 480 الردود: 3
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    صديق فعال
    تاريخ التسجيل: August-2013
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 624 المواضيع: 618
    صوتيات: 0 سوالف عراقية: 1
    التقييم: 318
    مزاجي: نحمد الله ونشكره على كل شيئ
    آخر نشاط: 17/May/2016
    مقالات المدونة: 64

    رقيه من الحله

    كان التعب مستحوذاً على خلايا جسدي كلها حين عدتُ من العاصمة بعد نهار قضيت نصفه في نقاشات ساخنة ونصفه الآخر جالساً خلف مقود سيارتي ، كم صار الوصول الى بغداد والتنقل فيها مملا ومرهقا ، طرق مغلقة وزحامات خانقة وسيطرات لا تحسن غير تمثيل دور عنق الزجاجة .
    ما ان وصلت البيت متلهفا لارتشاف دقائق من الاسترخاء في حديقتي التي اقضي فيها جل وقتي حين اكون بالبيت حتى استقبلتني قرة عيني ذات الخمسة اعوام ، بتوددها المعتاد : ماذا جلبت لي معك ؟ حقا ان البنات حسنات ، يعرفن كيف يملكن قلوب آبائهن ، سألتني وعيناها تتراكضان في أرجاء السيارة علّها تعثر على بغيتها .
    عاجلتها لامنع إحباطها : بنيتي لقد أتعبتني رحلة اليوم ولم أشأ ان أشتري لك ما لا ترغبين ، سنذهب غدا الى سوق الحلة سوية لتختاري ما تريدين .
    لم يقنعها ذلك ، اصرت ان اشتري لها (الموطا) من حانوت جارنا الذي لا يبعد عنا اكثر من مئة متر .
    حسنا، لا حيلة لي غير الامتثال : لنذهب.
    مثقلةٌ قدماي أجرّهما على شارعنا المترب ، فبقاؤك غاطسا لا تتحرك في مقعد سيارة ثلاث ساعات يصيب عضلات جسمك بالتصلب والفتور ، لكني وجدت المشي فرصة لتحرك الدم وعودة النشاط والتودد للجيران والتواصل معهم .
    في طريق عودتنا وحيث كانت هي مشغولة بالموطا تلطع منها مرة واخرى تنظر الى كلب اعتاد الجلوس باسطا ذراعيه في منعطف الزقاق لا يؤذي أحدا ، سمعت صوتا من خلفنا ينادي : رقية... رقية ... رقية ...
    كانت طفلة تصغر ابنتي بشهور ، ترتدي ثوبا أحمر نظيفا وقد صنعت لها أمها خصلتين من شعرها جانبيتين كابنتي تماما .
    كررت الطفلة : رقية... رقية ... رقية ...
    اسمعي يا قرة العين هذه البنت تناديك ، تظن ان اسمك رقية .
    شغلني صوت هذه الطفلة ، أمتعني ، بل شدني .
    قصّت قرة العين حكاية النداء لامها وأشّرت لها مكان البيت الذي كانت الطفلة تقف على عتبته .
    ذكرتني ابنتي بشأن الطفلة في اليوم التالي ، لقد نادتها اليوم حين راحت برفقة امها للحانوت مرة اخرى : رقية... رقية ... رقية ...
    ماذا يكون سر هذا النداء ، ولاي شيء استأثر بروحي واهتمامي حتى راح يتردد صداه في ذهني : رقية... رقية ... رقية ؟!!!
    لقد عرفت اسم الطفلة ، انها مريم . لقد نادتني اليوم رقية أيضا . قالت لي ابنتي بفرح .
    قلت لها بلطف : حسنا بنيتي لن أذهب اليوم لاي مكان، فأنا متعب أكثر من أي يوم مضى ، رافقيني للحديقة لاصلي المغرب . لا تفتأ تجلس قربي تنتظر انتهائي من الصلاة مهما أطلت ، تصلي معي مرة وتضرب عن الصلاة مرات .
    حين انتهيت من الصلاة ، تناهى الى سمعي صوت هاتفي النقال يرن بنغمته الهادئة المفضلة لدي ، ها إنه الوالد : السلام عليكم بني اين انت ؟
    أجبته : وعليكم السلام أنا في البيت ابي ، خيرا إن شاء الله ؟
    عقّب بتوتر بدا لي من صوته المتسرّع : لقد حدث انفجاران قبل قليل ، حمدا لله على سلامتك ، إبق حيث أنت ، الوضع خطير بني .
    طمأنته : حسنا أبي لا تقلق انا في البيت مع السلامة.
    إن هي إلا لحظات حتى رن الهاتف ثانية ، إنه العبد الصالح كما أسميه : السلام عليكم ، حاج ، التفجيران اللذان وقعا قبل قليل استهدف أحدهما مسجد الوردية والآخر حسينية زين العابدين التي افتتحناها قبل شهور ثلاثة ، ويبدو أن الضحايا كثر ، سأذهب الى هناك لأرى ما حدث .
    أرعبني الخبر ، قلت في نفسي ، حرب المساجد قد عادت ، حرب قذرة ملعونة ، أبطالها كأعواد الثقاب التي تحترق لتحرق ما حولها .
    ناديته : لا حول ولا قوة الا بالله ، اذهب أنت وسأحاول اللحاق بك بأسرع ما تسمح به السيطرة التي لا شك انها أغلقت الشارع كما تفعل مع كل انفجار .
    حين وصلت حسينية زين العابدين كان قد مر على الانفجار أقل من ساعة ، كان الناس يتراكضون ، أحدهم يسأل الآخر : هل رأيت حيدر ؟ وما هي أخبار عباس ؟ وهلا شاهد أحد ثائراً ؟ والشرطة قد ملأت مكان الإنفجار . حين شاهدت الحطام الملطخ بالدماء كادت عيناي تصرخان بالبكاء . أي مجنون فعل هذا يا رب ، أي مفتون بالعشاء مع الرسول فجر نفسه هنا ليحيل المكان ركاما من اشلاء ودموع ودماء وأنقاض ؟!!
    لم يكن مسجد الوردية أهون حالا ، وهو لا يبعد سوى بضع مئات من الامتار عن موقع الانفجار الأول .
    لم نمكث كثيرا ، فقد ذهبنا الى المشفى وكان الوقت قد تأخر قليلا ، فوجدناها تغص بالناس الذي كانوا يتحركون بعشوائية ويملأون المكان كله . الوضع في غاية الفوضى، الناس تتناقل أخبار الجرحى والشهداء: فلان استشهد، وفلان مجروح، وفلان لم يعثروا عليه ..
    عدت الى البيت يتمكلني الحزن والتعب لا ألوي على شيء ، لكنني قاومت نفسي وجلست امام حاسبتي أكتب على الفيس تفاصيل الانفجارين ، وحين شارفت على الانتهاء انطلق من بيت جارنا صراخ وعويل نساء ، انه صوت الثكل ، استطيع ان أميزه بوضوح ، تعجلت إنهاء الخبر لانهض مسرعا نحو مصدر الصوت ، واذا بالناس يتجمعون أمام الباب الذي كانت تقف عليه الطفلة مريم ذات النداء الرخيم : رقية... رقية ... رقية ...
    ماذا حصل أخبروني ؟ سألت الواقفين.
    أجابني جاري أبو عمار : لقد ذهب علي برفقة ابنته عصر هذا اليوم الى الطبيب، فلما انتهى من الطبيب كان الاذان قد رفع في المسجد القريب ، فدخل مع ابنته ليصلي المغرب ، فدخله انتحاري فجر نفسه بين جموع المصلين . لقد عثر اخوته على ابنته الصغيرة ميتة قد مزق جسدها الطري حقد لئيم ، ولم يعثروا على علي ، لعل ملامحه شوّهتها الحروق فلم يميزوه بين جثث الأموات .
    سألت وكادت نفسي تزهق : ما عمر الطفلة ؟
    انها صغيرة ، عمرها اربع او خمس سنوات . أجابني بهدوء
    أتكون هي مريم ؟ سألت كمن يسأل عمن يعرف .
    نعم هي مريومة . أجابني ابو عمار مطرق الرأس بحزن شديد ، وأما الواقفون حولنا ، فظلوا كأن على رؤوسهم الطير .
    أسرعت للبيت أكتب بقية مأساة هذا المساء ، كنت أطبع على أزرار حاسبتي وعيناي نصف مغمضتين ، والحزن والتعب والنعاس قد أخذ مني مأخذا عظيما . فما ان اكملت الخبر حتى شعرت ان عليّ أن أغادر هذا اليوم ، أن أغرق في النوم ، أن أرحل مع الاموات ولو لساعات .
    استيقضت باكرا ككل يوم ، لكنه لم يكن كباقي الايام ، فأول ما سمعت فيه، ذات العويل والصراخ الذي افزعني في الليل ، ياحي يا قيوم ، لعلهم وجدوا جثة علي فاستأنفوا العويل .
    وبينما رحت أجري صوبهم لحقت بي طفلتي ، فلما وصلت، واذا بسيارة تحمل فوقها تابوتا صغيرا لا يتجاوز طوله متراً واحداً ، والاطفال والنساء متعلقون بالتابوت يبكون بحرقة ولوعة ، الجميع كان يبكي ، الرجال والشباب مع النساء .
    لقد وصلت متأخرا بعض الشيء ، كان الاهل يودعون طفلتهم الى مثواها الخير.
    تحركت السيارة ذات التابوت الصغير لتجتازني ، شعرت أن قشعريرة استولت عليّ ، انها مريم ... لقد رحلت مريم ، لن نسمع بعد اليوم نداءها الرخيم ..
    وحين انعطفت السيارة بالقرب مني وراحت تبتعد مسرعة عاد ذلك الصوت مخترقا عنان السماء ليتناهى إليّ من بعيد : رقية... رقية ... رقية ..

  2. #2
    من المشرفين القدامى
    المدد ياعلي
    تاريخ التسجيل: June-2013
    الدولة: ♥ iЯắQ ♥
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 16,534 المواضيع: 4,408
    صوتيات: 1 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 8446
    مزاجي: இ qúỉэt இ
    المهنة: ☼ CŀVịŀ ŞẹŖΰĄnT☼
    أكلتي المفضلة: ◕ fłşĦ ◕
    موبايلي: ღ ĜắĽАxỴ ѕ3 ċ7 ღ
    آخر نشاط: 3/September/2022
    الاتصال: إرسال رسالة عبر Yahoo إلى حيدر الطائي
    مقالات المدونة: 229
    انها مريم ... لقد رحلت مريم ، لن نسمع بعد اليوم نداءها الرخيم
    مأساة حلت بجميع العراقيين في كل حدب وصوب
    لا نعرف متى تنتهي
    احزنتني كثيرا هذه القصة
    بطلتها ( مريومة ) من الحلة
    الى رحمة الله واسكنها الله فسيح جناته
    مع من استشهد معاها
    في الانفجار
    تحية لك عزيزي
    ابو مصطفى

  3. #3
    المشرفين القدامى
    simple beauty
    تاريخ التسجيل: April-2013
    الدولة: الديوانية
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 11,248 المواضيع: 488
    صوتيات: 5 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 3352
    مزاجي: متفائلة
    المهنة: Lawyer
    أكلتي المفضلة: السمك
    موبايلي: Galaxy A5
    آخر نشاط: 11/June/2018
    مقالات المدونة: 2
    شكرا لك

  4. #4
    مساعد المدير
    الوردة البيضاء
    تاريخ التسجيل: February-2013
    الدولة: بغداد
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 258,324 المواضيع: 74,494
    صوتيات: 23 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 95950
    مزاجي: الحمدلله على كل حال
    المهنة: معلمة
    أكلتي المفضلة: دولمه - سمك
    موبايلي: SAMSUNG
    آخر نشاط: منذ 3 ساعات
    مقالات المدونة: 1
    شكرا لك

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال