المنهج التعليمي يحصّن الأجيال من الفكر المتطرّف
نشر بتاريخ الجمعة, 30 أيار 2014 17:00






بغداد/المركز الخبري لشبكة الإعلام العراقي (‏IMN‏)-‏ لا يقاتل العراقيون التطرّف والتكفير في ساحات القتال فحسب، بل في المناهج التعليمية، طالما ظلت هناك ينابيع فكرية يستلهم منها الارهاب مبررات وجوده، وينشر عبرها القتل وسفك الدماء الذي يقترفه.


وفي كل المجتمعات، فإن المدرسة، هي صاحبة القول الفصل في تربية الأجيال، وهي المصدر الذي ينهل منه المجتمع أصول ثقافاته وأفكاره.

وإذا كانت "حتى" الجماعات الارهابية تولي اهتماماً كبيراً للنشأ الجديد، في المناطق التي تسيطر عليها،عبر تلقين مبادئ الكراهية، والسعي الى إعدام وجود الآخر المُختَلَف معه، فحريٌّ بالمجتمعات والحكومات أن تضاعف جهودها في تنقية مناهجها الدراسية من الأفكار التي يعتمد عليها الارهاب في ديمومة وجوده.

من الدكتاتورية إلى الارهاب

وإذا كانت الجهات العراقية المعنية ركّزت منذ عام 2003، على "تنظيف المناهج " من آثار "الدكتاتورية" و"عبادة الشخص"، فإن تنامي الارهاب والتكفير في سنوات العقد الأخير، تتطلب برنامجاً شاملاً، يقضي على ينابيع الارهاب الفكرية التي تخرّج أجيالا من المتطرفين ، هم نواة الجماعات المسلحة التكفيرية في المستقبل.

وفي أغلب الدول التي يتنامى فيها دور الارهاب، تبرز مناهج "تعليمية" شاذة ترعاها الجماعات المتطرفة ورجال الدين "التكفيريون"، موازية للمدراس والمعاهد الحكومية، تبث أفكارها في أوساط الجيل الجديد في التجمعات الدينية ودروس الوعظ.

وفي صلة واضحة، مع دور رجال الدين في الحرب على الارهاب، يؤكد نائب رئيس ديوان الوقف الشيعي علي الخطيب لـ(IMN)، على أن "تعزيز معاني الإخاء سيساهم وبشكل كبير في سحب البساط من تحت أرجل الطامعين الذين يحاولون إشعال الفتنة الطائفية".

و لجأت الجماعات المتطرفة في العراق منذ عام 2003 الى "تأويل" النصوص الدينية، لتعزيز ايديولوجيتها في عقول النشأ الجديد، عبر الإعلام المضاد المنطلق من الكهوف المظلمة والحواضن السرية في ديالي والموصل، في سنوات سابقة، وفي الفلوجة في الوقت الحاضر.

وكان نتيجة ذلك، أن هذه التنظيمات قطفت ثمار تركيزها على العقول، بولادة جيل جديد من المتطرفين الذين يسيرون على منهج "القواعديون" الأٌوائل.

بين المدرسة والانترنت

يقول المشرف التربوي قاسم السلطاني من بابل جنوبي بغداد لـ(IMN) إن "المناهج الجديدة في العراق تنبذ الارهاب والتطرف، ويمكن القول إنها محصنة في هذا الجانب، لكن المشكلة في الوقت الحاضر، أن المدرسة لم تعد النافذة الوحيدة لتلقين الأفكار وإيصال المعلومة، ذلك أن أغلب الطلاب والتلاميذ يتابعون مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات الرقمية، عدة ساعات في اليوم، ما يجعل منها منهلاً فكريا آخر يمكن توظيفه في خدمة الأفكار المتطرفة".


وقالوزير التربية العراقي محمد تميم إن "المادة التي يجب إيصالها للطلاب في مرحلة المراهقة من خلال المناهج الجديدة ، هي نبذ الارهاب والتطرف ، لتعرية مفاهيم الجماعات المسلحة التي تتغطى بالدين لتنفيذ أعمالها البشعة".


إلى ذلك فإن المشرف التربوي حسين علي، يدعو في حديث لـ(IMN)، إلى "تعزيز مفاهيم المواطنة والحوار ورفض العنف بين الأجيال الجديدة "، مؤكدا على "توظيف الانترنت وشبكات التو اصل الاجتماعي في تعزيز منهج الاعتدال، عبر حصص تعليمية وتدريبية في المدارس، تركز على وسائل تحصين الأجيال الجديدة من الارهاب الرقمي".

وفي الوقت الذي تطهّر فيه المدارس العراقية مناهجها الدراسية من الجنوح والغلو ، فإن الجماعات الارهابية تفتح في المقابل نوافذ الكترونية، لتعميم شذوذها الفكري والمنهجي والسلوكي.

ويشوه الخطاب التعليمي المتطرف قيم الدين، وصورته الناصعة، بعدما نجح في التغلغل في عقول الشباب والنشأ الجديد ، وتخريج ارهابيين يفجرون أنفسهم وسط الحشود، ويصنفون الناس كفارا يستحقون القتل.

المناهج الرسمية
إلى ذلك فإن المدرس ماجد الكلابي يشدد في حديث لـ(IMN) على أن "من واجبات وزارة التربية والجهات المعنية، محاصرة المدارس والمعاهد الخارجة عن سيطرتها، ومعاقبة أي مؤسسة تعليمية لا تعتمد المناهج الرسمية المقررة".

ويتابع القول "هذا لا يعني تسويق وتبني ايديولوجية رسمية معينة، ذلك أن مكافحة التطرف بالتطرف المضاد له، يحول المجتمع إلى ساحة صراعات ايديولوجية، والمفروض أن يكون البديل للفكر المتطرف، هو التسامح واحترام رأي الاخر.

وشدد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي،على "ضرورة إدراج مبادئ رفض التطرف و الارهاب ضمن المناهج الدراسية المعتمدة في المدارس العراقية"، معتبرا أن "الاهتمام بالعملية التربوية في العراق بات ضروريا جدا ، لاسهامه في إعداد جيل قادر على تفهم خطر الارهاب و التطرف على مصالح البلد العليا".

المدارس العراقية في الخارج

ويتفق التربوي المتقاعد المقيم في هولندا ، والذي يدير مدرسة عراقية أهلية في العاصمة امستردام، محمد التميمي، في حديث لـ(IMN) مع دعوات "تنقية المناهج التعليمية من مبادئ العنف، والارهاب".

ويستطرد في القول "الأجيال العراقية المقيمة في خارج العراق ،لاسيما في أوربا، أكثر تعرضاً إلى سموم الأفكار المتطرفة، ما يدعو إلى الحذر والتحصين الفكري للحيلولة دون انجراف النشأ الجديد إلى ثقافة التكفير والقتل".

ولا تتلقّى أغلب المدارس العراقية في خارج العراق - والتي أسسها متطوعون- دعما من الحكومة العراقية، ما يعرقل أداءها على الوجه الأكمل، بحسب التميمي، الذي يرى أن "هذه المدارس لا تمثل الواجهة الثقافية للعراق فحسب، بل تساهم في ولادة أجيال عراقية مرتبطة بالوطن ، ولا تنجرف مع الأفكار التي تبث الدعايات المضادة ".

ويتأمل التميمي أن "تلقى هذه المدارس الاهتمام والدعم ، أسوة بالملحقيات العسكرية والثقافية".
وكانت وزارة التربية العراقية قد شرعت منذ عام 2013 في تشكيل لجان تقوم بإعداد مناهج دراسية لطلاب المرحلة الثانوية ، تتناول ظاهرة الارهاب والتطرف وأهمية الحوار والتعايش السلمي .