"تراتيل بابلية" معرض تشكيلي عراقي في دبي29/05/2014 07:39
تبنت مؤسسة سلطان العويس الثقافية معرضا فنيا لمجموعة من الفنانين العراقيين الذين أخذوا على عاتقهم الاهتمام بالمنجز الفني والجمالي الذي يجعل من المنتج العراقي ذا شأن يذكر في محافل الدول العربية والعالمية. وهذا ما دعا هذه المؤسسة للأخذ بإقامة معرض فني واسع جمع ثمانية فنانين من العراق لتقدم لهم إمكانية العرض في دبي.
أساليب مختلفة
شارك الفنان فاخر محمد في تسع لوحات اعتمدت على أسلوبيته المعروفة في الاقتراب من الفن التعبيري الجامع للوحدات العضوية والرموز ضمن إطار شكلي ينفتح على أسس معرفية تقوم ركائزها على الاعتماد والأخذ بالأصول التراثية للبيئة العراقية إضافة للأشكال الخليقية التي تتكاثر في لوحاته. هذه المرة حاول التركيز على خطاب فني يجمع النقائض الصورية بما يجعل اللوحة وكأنها تحتمل الاقتباس الواقعي مع المتخيل فكائناته عادة ما تنظم ضمن طبقات لها أعماقها البنائية أما نزعتها التعبيرية فهي عادة ما تنفتح على التأويل والتعبير اللذين يجعلان الفن مقتربا من التمهيد المحلي ..
على العكس مما أثارته لوحات محمود شبر التي ترى آلام العراقيين والموت المجاني مركز انجذاب للوحدات العضوية في منظومة العمل، فهي لم تكن إنشائية وخالية من التنشيط الصوري، بل أصبحت أكثر حمولة دلالية وأكثر التصاقا بالواقع المحلي العراقي المعاش. وكأن رسالته في هذا المعرض بسط كل ما هو مرئي في عمل فني يعيد لنا ضرورة البقاء في الحياة مع تواجد القتل/الموت/السيارات المفخخة. كل هذه الكشوفات الصورية في العمل عمقت من حريتها ودلالتها المعرفية بما يمليه الخطاب التعبيري الذي ينقل وصايا الفن للمتلقي بما يجلب الإيقاع الجمالي بصورة البصريات وليس المرويات.
أما مؤيد محسن فدلالاته الرسموية السريالية وتراكيبه بقيت في السياق ذاته دالا على هويته في الرسم معتمدا على خطاب يمنح الشكل الفني انطباعا وذائقة تطلق حدودها البصرية مع مشتركات واقعية وإذا اعتمد الغرائبية بعض الشيء في بعض أعماله المعلقة في معرض "تراتيل بابلية" فلأنه يعي تماما أن مظاهر الفنتازيا قد تفي بغرضها أحيانا حينما يصاحب الواقعية العراقية شيء من مظاهر الشراسة والاقتتال يحاول مؤيد محسن توظيفها مع العمل الفني ورسالته السريالية.
أما عاصم عبد الأمير فلم يزل كعادته يمركز خطابه الطفولي على السطح التصويري من دون أن يجعل للحزن مساحة تعبيرية إذ ركز على خطاب الاحتفاء بالطفولة. وكل شخوصه محملون بالبراءة والمرح الوجداني والبيئي، فهو بإمكانياته التقنية المعروفة وتركيزه التعبيري المستثمر للبيئة يدرك مواجهة الواقع المعاش بالعودة إلى سنوات سالفة لطالما أراد لها الاقتراب من خياله الفردي.
علي شاكر نعمة، مثلما عرفته سابقا، ميال للانجراف التجريدي الذي يجعله وفيا لرؤيته الفنية والالتزام بخاماته واستثمار أبعادها والاقتراب من نزعة تجريدية يمارس من خلالها التنظيم الداعي لإمساك الشعور والتعاطف مع الأبعاد الدالة لفكرته، وإن كانت تلك الأعمال تصل كل ما هو مستثمر بعاطفة واقتراب وجداني بإطلالة تهتك الغموض إلا أن غايتها الشكلية بقيت تلهمنا تشكيلات ذات أسلوبية تستحق التقدير في هذا المعرض.
منحوتات البحراني
لم يغب عن المعرض تواجد النحت فقد أضفت منحوتات أحمد البحراني رونقا إضافة للرسم، وجعلت إيقاع المعرض أكثر تأثيرا في المتلقي، فمثلما معروف لدينا بأن البحراني الذي عززت أعماله التجريدية فضاءه الشخصي بقي وفيا هو الآخر للنحت متمسكا بخطابه ودلالاته التعبيرية وشجعته المهارة في تطويع خامة الحديد للحضور بفاعلية أكبر . ومنحوتاته الأخيرة لم تكن أبعد عن خارطة النحت العراقي مع أن الأعمال التي أسهم فيها تحمل مسميات لأشخاص عالميين.
اهتمام إقليمي بالفن العراقي
تفتح لنا إقامة المعرض في دبي التساؤل لماذا يتم التركيز على الأسماء العراقية ضمن فضاء الفن دون غيره من بلدان لمنطقة؟ أعتقد أن الخبرة والمهارة التي ميزت جيل الثمانينات في العراق وما صقلته الحروب من رؤية بصرية وانطباع تدميري جعل الذاكرة وخزينها المعرفي والصوري محملين بمنتج يناصر العقل والعاطفة لإنتاج لوحات ورسومات لا تتخلى عن واقعيتها والتركيز على الاهتمام بهويتها. وهذا ما ساعد على نجاح هذا المعرض الذي يشكل نقطة انطلاق جديدة على جدران دبي بمنجز عراقي بابلي الأثر.