الانتماء للوطن هو الحقيقة.. والأديان أفيون الشعوب
أعتقد أن أي نقاش في الأديان والمذاهب لا يساعد على فهم الحقائق بقدر مايساهم في إثارة المشاعر الأنانية لدى البعض..، ومن يملك المعرفة الحقيقية في الأديان يعلم مقدار الحاجة إلى منع الحكام من تسييس الدين، وبالتالي يعلم مقدار الإساءة لحقيقة المعرفة الدينية التي تسبب بها الخدم وأزلام الحكام ممن يسمون أنفسهم علماء وفقهاء..
لذا، لا شك أنه من الأفضل الابتعاد عن الحديث في الأديان والمذهب والطوائف، خصوصاً لمن يفتقر للمعرفة الحقيقية وتقوده العواطف التي تقود إلى تقزيم وتسفيه الانتماء الوطني من خلال النظر إلى الوطن عبر منظور الدين والطائفة..
إن لكل شخص أن يعتز بانتمائه الديني والطائفي والعرقي داخل بيته..، لكن عليه أن يعلم أنه في اللحظة التي يخطو فيها خارج البيت، لم يعّد مُلكَ نفسه.. بل مُلكاً لهذا الوطن الأوسع والأشمل من البيت، والذي يشاركه فيه كل من حوله..، ولا يحق له أن يفرض أو ينظّر أو يروّج لمعتقداته الشخصية خارج منزله..، فهذا اعتداء صريح على حريات الآخرين..، وكذلك لا فضل له إن ادّعى أن وفاءه للوطن ومحبته وتسامحه مع أبناء الوطن هو طاعة للدين..
ولا بد من التأكيد على أنه كما أن بعضنا في سوريا هو مسلم محمّديّ منذ ألف وأربعمائة عام فإن البعض الآخر مسيحيون منذ ألفين وأربعة عشر عاماً، لكننا سوريون منذ الذرو الأول قبل أن تولد الأديان..، وإن تفانينا في الدفاع عن انتمائنا الوطني هو موروث سوري وليس موروثَ كتب الدين في مناهجنا المدرسية الرديئة التي تطالبنا بمحبة بعضنا كي لا “يحرقنا الله في نار جهنم”..، هذه المناهج التي تابعت نهج الخطاة الذين سيّسوا الأديان حتى أثمرت تحويل النضال من أجل الوطن إلى جهاد من أجل الحوريات..
علينا أن نعترف بأن قدسية الدين شيء يخالف تماماً ما نراه اليوم من تقديس للنصوص التي وَلَغَ وتلاعب فيها كل مجتهد على مرّ الزمن خدمةً للسياسة والحكام..، وحين نعترف بذلك تسقط قدسية هذه النصوص التي تستخدم لقيادة المجتمعات كالنعاج..، وبالتالي يعود المجتمع إلى وعيه ويدرك أن الدين ليس انتماءً بل هو وسيلة للتقويم الأخلاقي.. ولربما يدرك المجتمع حينها أن استقامة أخلاق الأفراد ستجمعهم وترتق بينهم ما مزقته الأديان والمذاهب والطوائف، وأن أن انتماءنا لسوريا أهم مما يقول القرآن والإنجيل وكل ما في مكتبة الرب من كتب..
إن الوطنية الحقيقية هي الاعتزاز بالانتماء لتراب هذه الأرض التي ما زالت تتحمل غلاظة وتفاهة وسخافة الأديان منذ آلاف السنين.. وتتحمل سفالة من يدعون الفقه والمعرفة في الأديان ويسوقون السخط على المجتمع من خلال خدمتهم لمستثمري الدين في السياسة..، كما تتحمل هذه الأرض غلاظة الأغبياء الذين يعتقدون أن الانتماء الديني أهم من الانتماء للوطن…
د. مضر بركات