تداعيات البديل التكنولوجي في العلاقات الإنسانية
27/05/2014 06:23
يذهب بنا المخرج "سبايك جونز" إلى خيال علمي تحث التكنولوجيا الخطى لتحقيقه، بل ان بعضه متوفر فعلا، ويسير بسرعة تفوق التوقعات، تطور تكنولوجي سلب منا الألفة، ولم يعد الحديث الحميم داخل العائلة الواحدة مثلما كان، ففي أي عائلة تجد معظم الأشخاص الموجودين، يحركون أصابعهم على هواتفهم الذكية متحدثين مع أصدقائهم في المواقع الاجتماعية ضمن العالم الافتراضي، وذهبت تلك الأيام التي تجتمع فيها العائلة حول مدفأة أو مائدة طعام .



الحكاية



فيلم" هير " أو " هي" يعتمد حكاية مشابهة لما يحدث الآن ولكن في زمن مستقبلي، ولكن ليس بالبعيد، عالم يتوفر على تطور تقني كبير، يوفر لك كل شيء، يسلي وحدتك، عالم تتحكم أنت فيه ولا تتحكم به الأقدار، ثيودور رجل يعاني من الوحدة وضغط العمل" قام بالدور الممثل" خواكين فينيكس"، يقترب من الانفصال النهائي من زوجته، التي عاش معها سنين طوال، يتعرف على برنامج يدعى" أوأس " يمكن أن يقوم بعمل كل شيء لك مثل إرسال رسائلك الالكترونية وتنظيم أشياء كثيرة في حياتك، من خلال شخص يتحدث معك، شخص غير حقيقي وغير مرئي شخص يعيش داخل الحاسوب الكبير، يختار ثيودور أنثى للحديث معه ضمن هذا البرنامج اسمها سمانثا، صوت أنثوي ببحة مميزة" الصوت للمثلة سكارليت جوهانسن"، تختفي خلفه فتاة رقيقة جدا، لكنها في الآخر فتاة افتراضية من عالم افتراضي، تبدأ الحديث معه عارفة الكثير من تفاصيل حياته، بمرور الوقت يتعود عليها، وتشعر هي الأخرى انها تعودت عليه، يصل إلى مرحلة لا يستطيع معها إلا ان يستمع اليها كل يوم عدة مرات، لتنشأ تبعا لذلك علاقة عاطفية بينهما، هنا يدخل الفيلم مرحلة الفنتازيا، فتاة الآلة تتألم وتعشق ثيودور، حتى انها تطلب منه إقامة علاقة جسدية بينهما، وهذا ما يحدث، وللإيغال بالفنتازيا تقترح عليه أن ترسل له فتاة حقيقية تمثل له الجسد بينما يدور الحديث بينهما من خلال وسيلة الاتصال الالكترونية، لكن التجربة تفشل بسبب عدم قناعة ثيودور بذلك.

حين يذهب لتوقيع أوراق طلاقه من زوجته التي يلتقي بها في أحد المقاهي، يتذكر كل اللحظات الجميلة التي عاشاها معا، ويخبرها انه على علاقة بامرأة، امرأة من الحاسوب، تنذهل غير مصدقة ما يجري معه، التأثر العاطفي لسمانثا لم يتوقف، ولم تعد مجرد امرأة افتراضية، انها تغار عليه حتى تنقطع عنه يوم كامل فيجن جنونه كما الفاقد لعزيز حقيقي من دم ولحم، يجري في الشوارع كالمجنون، هنا لا تفوت المخرج سبايك جونز أن يظهر لنا ان جميع الموجودين في الشارع يتحدثون من خلال آلات الاتصال الموضوعة في آذانهم مع اشخاص افتراضيين مثل سمانثا، اذن الجميع لديهم بديل تكنولوجي عن الشريك الحقيقي صديقا كان أم أبا أم زوجا أو غيرذلك، حتى صديقه المرتبط بعلاقة مع صديقة مشتركة بينهما ينفصل عنها ليلجأ الى علاقة من خلال برنامج ال أو اس ، ومثلما البشر يموتون، لسمانثا الأنثى الافتراضية زمن محدد لتموت ككائن ضمن برنامج ال أو أس، فالشركات في تنافس محموم والبرامج تتغير كل يوم لتحقيق أكبر نسبة من المبيعات .

سمانثا تخبره انها ستغادره فلا عمر دائم لأحد حتى في عالمها، ويجب عليه تقبل الأمر، تقبل الأمر وتجاوزه لا يتم إلا بالعودة الى العلاقات الانسانية الحقيقية، وتتمثل بالتأكيد بزوجة ثيودور، حيث يعود اليها وتنتهي

الحكاية .

السيناريو



سبايك جونز كتب السيناريو بنفسه، وهو أمر بما يساعد المخرج كثيرا على الإمساك بخيوط حكايته، كونه هو المتخيل الأول للحبكة الدرامية ، وهو المسؤول عن تنفيذها صوريا، السيناريو اعتمد الحوار أساسا يرتكز عليه في جعل المشاهد يتابع بشغف أحداث الفيلم، متسائلا إلى أين يمكن أن تصل العلاقة بين شخصين، أحدهما حقيقي والآخر افتراضي، الحوار مكتوب بطريقة شيقة فيها لمسة إنسانية وعاطفية، وعلى الرغم من أن الفيلم يتحدث عن فترة زمنية مستقبيلة مقبلة إلا انه لا يشغلنا بتأثيث عال للمكان، سوى بعض المشاهد التي تدخل ضمن بنية الفيلم المعمارية التي تحيلنا إلى مستقبل قد يبدو ليس بالبعيد. سيناريو الفيلم حصل على جائزة الأوسكار لافضل سيناريو غير مقتبس .



ماذا يحدث لو؟



هذا السؤال السينمائي المهم، هو ما بنيت عليه حكاية الفيلم، ماذا يحدث لو ان التطور التقني والتكنولوجي، قد أثر بشكل كبير في العلاقات الإنسانية والمجتمعية حتى داخل العائلة الواحدة، ماذا يحدث لو أن هذا التطور قد قدم بالمقابل علاقات بديلة عن العلاقات الإنسانية، ما هو مستوى وحدود هذه العلاقة، ماذا يحدث لو أن هذه العلاقة أصبحت من لوازم الحياة وضرورياتها التي لا يستغنى عنها؟ كيف سيكون شكل الحياة بعد كل هذا؟.

هذا ما يمكن أن يخرج به المشاهد من أسئلة بعد مشاهدته لفيلم سبايك جونز " HER"، وهي أسئلة قد نطرحها فعلا يوما ما حين يصل التطور التقني والتكنولوجي إلى حدود قد لا نتصورها الآن .